عندما يتعلق الأمر بالسفر في الفضاء، لا يسعنا إلا الإحساس المتناهي بالعجز بالنظر إلى كمية الطاقة والوقت المطلوبين لقطع تلك المسافات الكونية الشاسعة. ماذا لو استطعنا اجتياز تلك المسافات باستعمال سفن فضائية تستغل ظاهرة كونية طبيعية للوصول إلى سرعات عالية نسبيًا تقترب من سرعة الضوء ؟ لحسن الحظ، تعرّف العلماء إلى أجسام في الكون قادرة على الوصول إلى سرعة كهذه! مثل النجوم فائقة السرعة والمذنبات المُسَرَّعة بانفجارات السوبرنوفا.

استكشف حديثًا كلٌّ من ماناسفي لينجام وأبراهام لويب من جامعة هارفارد كيف تستطيع مركبة فضائية تسخير الطاقة من الموجات الناتجة عن انفجارات السوبرنوفا لتسريع السفن الفضائية بنفس الطريقة التي تسخّر بها السفن الشراعية الرياح.

تعتمد الفكرة في جوهرها على استغلال القوة الانفجارية باستخدام شراع ضوئي (شمسي) أو مغناطيسي، وهما مفهومان للدفع يعتمدان على الإشعاع الكهرومغناطيسي المتولد من الشمس لخلق ضغط على شراع ذي عاكسية عالية، ما يؤدي إلى توليد دفع بطريقة لا تتطلب محركات أو طاقة دافعة، ونظرًا إلى أن القوة الدافعة واحدة من أهم العوامل المؤثرة في الكتلة الكلية للمركبة الفضائية، فإن مفهوم الشراع الضوئي أو المغناطيسي له ميزة الخِفَّة مقارنةً بالمركبات الفضائية التقليدية، ما يجعلها أرخص كثيرًا عند الإطلاق.

انفجار سوبرنوفا

انفجار سوبرنوفا

يمكننا أيضًا الاعتماد على طاقة موجهة (الليزر) لتسريع هذا النوع من المركبات الفضائية، ما يسمح لها بالوصول إلى سرعات أعلى كثيرًا مما يمكن الوصول إليه باستعمال الإشعاع الشمسي وحده.

يعمل لويب مع مؤسسة مبادرات الاختراق غير الربحية على إنشاء شراع شمسي يمكن تسريعه بالليزر ليصل إلى 20% من سرعة الضوء، ما يسمح له بالوصول إلى أقرب جيراننا الفضائيين، نجم ألفا القنطور القابع على بعد 4.3 سنة ضوئية، في غضون 20 سنة.

يشرح لويب كيف واتته هذه الفكرة وذلك خلال تفكيره في طريقة لتسريع مركبة فضائية بطريقة طبيعية: «في ديسمبر 2019، مدة أسبوع، واتتني الفرصة في غياب زوجتي وابنتي للمكوث وحيدًا في المنزل والتفكير بالعلم، وفي أثناء الاستحمام فكرت في أن الشمس ليست فعالة في دفع الأشرعة الضوئية لسرعة عالية، لكن مصدر ضوء أكثر لمعانًا يمكنه ذلك، وأتبعتُ ذلك بسلسلة من الحسابات المستفيضة عن المستعرات الأكثر لمعانًا من الشمس بمليارات المرات، فأدركت أن الأشرعة الضوئية بالمعاملات الحالية يمكنها الوصول إلى سرعة الضوء إذا وُضعت مسبقًا بشكل استراتيجي حول النجوم المُوشكة على الانفجار».

شرح لويب الفكرة في مقال بعنوان ركوب موجات السوبرنوفا في مجلة ساينتيفك أميريكان في 6 فبراير الماضي. تتلخص الفكرة في قدرة موجات السوبرنوفا على تسريع شراع ضوئي يزن أقل من نصف جرام للمتر المكعب إلى سرعات خيالية، حتى لو كان على بُعد ملايين الكيلومترات.

لتبسيط الفكرة، تعادِل الطاقة واللمعان الناتجتان من انفجار سوبرنوفا تلك التي تنتجها مليار شمس في شهر، وبينما يمكن الرياح الشمسية دفع شراع شمسي بسرعة واحد على الألف من سرعة الضوء، يمكن للسوبرنوفا تسريع الشراع إلى عُشر سرعة الضوء.

صرح لويب: «رأى زميلي مانسافي لينجام تعليقي، واقترح أن نكتب ورقة علمية بهذا الموضوع ونستكشف إمكانية إطلاق أشرعة الضوء حول المصادر شديدة اللمعان مثل الثقوب السوداء أو النجوم النابضة أو شديدة الكثافة أو الكوازارات الصغيرة أو سدم الرياح النابضة، حينها شاركت ملحوظاتي معه وطرحنا الورقة التشاركية».

شرح لينجام -المؤلف الرئيس للورقة- الأمر في رسالة إلكترونية: «طورنا نماذج رياضية لإيجاد السرعة القصوى الممكنة باستعمال الأشرعة الضوئية والكهربية، وتنوعت تلك السرعات بحسب نظام الدفع والأجرام المستخدمة».

مقارنةً بالأشرعة الضوئية والمغناطيسية التقليدية، تتميز هذه الطريقة باستغلال الدفع الناتج من انفجار النجم، ثم الوصول إلى السرعات العالية دون الحاجة إلى أدوات مكلفة مثل المصفوفة الليزرية، أما ما يخص عيوب هذه الطريقة فهي واضحة، كالتوقيت مثلًا؛ فبالإضافة إلى أن السوبرنوفا حدث كوني نادر، لا يستطيع العلماء توقّعه بدقة، إذ يصل هامش الخطأ إلى ملايين السنين، علاوةً على ذلك، توجد مخاطر ناتجة عن السوبرنوفا، كما يوضح لويب: «يكمن التحدي الرئيس في الاحتكاك مع الغاز المحيط الذي قد يكون كثيفًا في محيط النجوم العملاقة نتيجة لفقد الكتلة، ويمكن التغلب على هذا التحدي بِطيِّ الشراع في أثناء الرحلة ما عدا مرحلة الإطلاق عندما يُفتح الشراع استجابةً لومضة ضوء السوبرنوفا».

بالإضافة إلى ما سبق، توجد تحديات هندسية وتصميمية تتمثل في الآتي:

أولًا، يجب صنع الشراع من مادة عالية العاكسية لتجنب امتصاص الكثير من الحرارة التي قد تؤدي إلى الاحتراق.

ثانيًا، يجب وضع الأشرعة في وضع قابل للطي حتى ينفجر النجم لمنع دفعها بعيدًا عن نقطة الإطلاق نتيجةً للإشعاع الشمسي.

ثالثًا، يجب تحديد المسار التسارعي للشراع بعناية لتفادي الاصطدام بالأجسام الكبيرة مثل الشهب.

أخيرًا، يجب تجهيز الشراع بإعدادات تحميه من الغاز والمواد الصلبة في الفضاء الخارجي، وما دام الشراع سيتحرك بسرعات غير مسبوقة، فإن أصغر الأجسام ستشكل احتمالية عالية للتصادم.

أفاد لينجام بأن هذه التحديات يمكن التغلب عليها، وأضاف: «توجد الكثير من التحديات، مثل: ثبات الشراع، والحفاظ على عاكسية عالية، ومنع الحرارة، وتجنب الدمار في أثناء السفر، ومعظم هذه التحديات يمكن التغلب عليها -على الأقل نظريًّا- باستعمال أشرعة كهربائية بدلًا من الأشرعة الضوئية، وإذا أصر أحدهم على استعمال الأشرعة الضوئية، يجب عليه طيّ الشراع في أثناء بعض مراحل الرحلة، وأن يختار هيكلًا غير اعتيادي يعتمد على بنية نانو فوتونية لتحسين الاستقرار».

باختصار، تظهِر النتائج إمكانية تنفيذ تلك الفكرة، ولكن باستعمال تقنيات متطورة جدًّا، لتعمل تلك الأشرعة كأنها رسائل تدل على وجود حضارة عاقلة متطورة بالسفر إلى أنظمة نجمية مأهولة، وفي هذا المضمار يمكن توظيف الفكرة للاستدلال على وجود حياة فضائية عاقلة، إذ إن احتمالية وجود قوة دفع موجهة بالطاقة تعني أن أنشطة الومضات الليزرية يمكن تفسيرها بأنها علامة على نشاط تقني.

وفقًا للينجام: «يستلهم هذا التصور روح كرات دايسون، وهي بنى عملاقة افتراضية تصورها فريمان دايسون لتسخير طاقة النجوم المستبعَد انفجارها، وإذا كنا محظوظين بوجود حضارات متقدمة في مجرتنا، فستكون هناك تجمعات من أشرعة الضوء حول النجوم العملاقة بانتظار لحظة الانفجار، وفي إطار السعي للبحث عن البصمات التكنولوجية، يقترح بحثنا التركيز على الأجرام الفلكية ذات الطاقة العالية مثل المستعرات، وبالتأكيد فإن احتمالية النجاح تعتمد تمامًا على وجود مثل تلك الحضارة المتفوقة بالفعل».

في الوقت الحالي، من الواضح أن معضلة فيرمي ستظل صامدة لوقت أطول لكن مع ظهور الجيل الجديد من التلسكوبات قريبًا سنكون مسلحين بأدوات تمكّننا من إيجاد دليل على حياة ذكية عاقلة، ومن يدري؟ فقد يزورنا راكبو أمواج السوبرنوفا بالفعل!

اقرأ أيضًا:

المستعر الأعظم ( السوبرنوفا ) – الحدث الأكثر تألقًا في الكون !

مهندس من ناسا يزعم أن محركًا حلزونيًا يمكنه بلوغ 99% من سرعة الضوء

زومبي نجمي : النجم الذي لايموت

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: تسنيم الطيبي

مراجعة: صالح عثمان

المصدر