بعد إقامة علاقة جنسية مُرضية، يستمتع كلا الشريكين عادة بالشبق، وغالبًا ما يشعران بالراحة العاطفية، لكن بعض الناس يشعرون بالسوء أحيانًا بعد ممارسة الجماع الجيد، وليس لأن الأمر استمر طويلًا مع الشريك لمدة تبدو أبدية. قد يشعر البعض بعدم الارتياح وعدم السعادة بعد جماع جيد ومُرضي، وتسمى هذه الحالة انزعاج ما بعد الجماع، ومع أن المصطلح يشير إلى الجماع بالإيلاج فقط، لكن هذه المشاعر السيئة قد تأتي بعد الاستمناء أو ممارسة الجنس الفموي أو المداعبة بالأصابع، ولا تقتصر على الجماع مع الشريك.

كان من المعروف حتى وقت قريب أن 2% من النساء ونحو 3-4% من الرجال يعانون حالة الانزعاج ما بعد الجماع بانتظام، وأن قرابة 50% من الناس اختبروا تلك الحالة مرة واحدة على الأقل في حياتهم. لكن يبدو أن الحالة أكثر انتشارًا من ذلك، ولها طيف أعراض أوسع، وذلك حسب دراسة جديدة نُشرت في مجلة الطب الجنسي.

قال أكثر من 90% ممن شاركوا في هذه الدراسة أنهم عانوا أعراضًا كالحزن أو عدم السعادة أو الإحباط أو الهياج أو تقلبات المزاج أو أعراضًا مشابهة لأعراض الأنفلونزا أو وهنًا عامًا مرةً واحدة على الأقل على مدار الأسابيع الأربعة الماضية، بعد الاستمناء أو ممارسة جماع مُرضي مع شريك. لوحظت بعض الاختلافات بين أعراض الرجال والنساء لكنها لا تصل إلى حد وجود دلالة إحصائية.

للأسف لا توضح الدراسة المقصود بالجماع المُرضي، فهل المقصود أن الجنس كان مُرضيًا حقًّا أم أنه ببساطة غير مكروه؟ لكنهم حددوا أنه الجنس بالتراضي.

يستحق مؤلفو الدراسة الثناء لبحثهم في هذا الموضوع المهم الذي لم يُدرس بما يكفي سابقًا، لكن كيفية تقديم الدراسة كانت مخيبة للأمل، ويمكننا القول أن مجلة الطب الجنسي ما كانت لتسمح غالبًا بنشر هذه الدراسة دون تغييرات جدية فيها، وفي سياق تدريس تصميم الدراسات والأبحاث للدراسات العليا ستكون هذه الدراسة مثالًا لما لا يجب فعله، ومع ذلك، ما زال يوجد الكثير مما يمكن تعلمه منها.

هل النتائج صحيحة أم خاطئة؟

توجد تحفظات على هذه الدراسة، لكنها لا تبلغ حد الجزم بأن النتائج خاطئة. كانت طريقة وصول مؤلفي البحث إلى النتائج مربكة، ولحسن الحظ يمكن تعلم الكثير من الأبحاث المعيبة تمامًا مثل الأبحاث المبهرة، فحتى الدراسات الأكثر احترامًا حول السلوك البشري تحوي نقاط ضعف أكثر من نقاط القوة، وهذا لا يعني أنه يجب تجاهلها أو رفضها، لكن يجب توخي الحذر بشأن تعميم النتائج خارج نطاق من خضعوا لها بالفعل.

لا بد أن الإنترنت كان معطلًا

تلقى الدراسات عبر الإنترنت غالبًا عددًا كبيرًا من المستجيبين، وربما يمثل ذلك أعظم مزاياها، ولكن حتى بعد نشر الإعلان في المستشفيات والجامعات المختلفة وعلى المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك، لم يملأ الاستبيان سوى 223 امرأة و 76 رجلاً فقط.

وأكثر ما يثير القلق تحديدًا أن متوسط أعمار الذكور في هذه الدراسة كان 43 عامًا تقريبًا، وهو أكبر بـ8 سنوات من متوسط أعمار الإناث المشاركات، وأن 21.1% من الرجال أبلغوا بأنفسهم عن معاناة ما تشخيصه اكتئاب سريري، ويبدو أن نسبةً كبيرة من هؤلاء الرجال قليلي العدد الذين أكملوا الدراسة كانوا غير سعداء، فحسب المعهد الوطني للصحة العقلية، يعاني نحو 5.3% من الذكور الاكتئاب الشديد، وأهم من ذلك، إذا كانت دراستك لا تتضمن سوى 76 رجلًا، فهل يعني ذلك أن النتائج تعبر عن الذكور؟

هل تشعر بالسوء بعد ممارسة الجنس الجيد؟ دراسة جديدة عن الحالة الغامضة المسماة (انزعاج ما بعد الجماع) - الراحة العاطفية - الاستمناء - المداعبة

الوهن والخمول بعد ممارسة الجنس والاستمناء؟

منذ القِدَم استخدم البشر الاستمناء وسيلةً للمساعدة على الانتقال من اليقظة إلى النوم، لذلك من الغريب أن تدعي الدراسة أن الشعور بالخمول أو الوهن بعد الاستمناء هي أعراض لا تتماشى مع الهدف.

ومن جهة أخرى، ماذا لو بذل الرجل جهدًا جادًا لإرضاء الشريك في أثناء الجماع؟ قد لا يكون ذلك مرهقًا للرجال في سويسرا وألمانيا حيث أجريت الدراسة، لكنه قد يكون كذلك في الولايات المتحدة.

قد تكون المشكلة في الترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية، وربما لم يعني المؤلفون الوهن تحديدًا. للأسف عندما تقتصر الدراسة على بضع صفحات فقط ولا تتضمن أسئلتها الفعلية، فإنها تترك القارئ في حيرة.

أعراض مشابهة للإنفلونزا بعد ممارسة الجماع ؟

كانت الإشارة إلى أعراض مشابهة للإنفلونزا بعد الجماع من أغرب ما ذُكر في الدراسة، إذ أشارت إلى أن 52.5% من الرجال والنساء عانوا أعراضًا مشابهة للإنفلونزا بعد الجماع على مدار الأسابيع الأربعة الماضية. قد يكون من المفيد تقديم تفسير أكثر تفصيلًا لما عناه المؤلفون بهذه الأعراض.

أسئلة حول الأسئلة

تُعَد الأسئلة المطروحة -وما إذا كانت تقيس ما تدعيه الدراسة- أحد أهم أجزاء أي بحث. أنشأ باحثو هذه الدراسة استبيانهم الخاص الذي اعتمد على مواصفات موجودة في الدراسات السابقة، وتأثر بمقابلات وجهًا لوجه مع ثلاث خبراء في الطب الجنسي، وبصرف النظر عن أنهم لم يستخدموا استبيانًا محكمًا، وجب عليهم على الأقل أن تتضمن دراستهم الاستبيان والأسئلة التي طوروها. ذكر المؤلفون ذلك تحت عنوان (قيود الدراسة)، لكن ذلك ليس كافيًا لتصحيح الوضع.

استنتاجات حول الاستنتاجات

هذه دراسة معيبة مع بعض النتائج المثيرة للاهتمام والرائعة. أفاد 91.9% من المشاركين أنهم اختبروا أعراض انزعاج ما بعد الجماع على مدار الأسابيع الأربعة السابقة للدراسة، وكانت أكثر الأعراض شيوعًا تقلبات المزاج والحزن وعدم السعادة وانخفاض الطاقة. وشملت الأعراض الأخرى الإحباط والأعراض الشبيهة بالإنفلونزا والشعور بعدم القيمة.

كان هدف المؤلفين توسيع مفهوم انزعاج ما بعد الجماع والأعراض بعد الجماع عمومًا. إن اختبار مثل هذه الأعراض بعد ممارسة الجنس المُرضي أو بعد الاستمناء أحيانًا ليس أمرًا نادرًا، لكن إذا تكرر فيجب التفكير في مناقشة الأمر مع معالج، وذلك تبعًا لشدة الأعراض وما إذا كانت تؤثر في الاستمتاع بالجماع.

اقرأ أيضًا:

عسر الجماع: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية: نصائح وفوائد وأعراض جانبية

هل كل هزات الجماع متساوية؟

ما الذي يسبب التشنجات و الألم بعد ممارسة الجماع ؟

ترجمة: محمد علي شيخ عثمان

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر