«الجميع يحب فكرة المؤامرة» (دان براون، شيفرة دافنشي). تميل نظريات المؤامرة للازدهار وسط أزمة مجتمعية تُغذيها التفاعلات على الإنترنت، من ثم ليس من المفاجئ أن عام 2020، حين أغلق الناس أبواب منازلهم على أنفسهم خوفًا من فيروس كوفيد-19، قد تحول إلى عام نظريات المؤامرة.

فيما يلي نص حوار أجراه ألان موزس من (هيلث داي) مع جوزيف بيير أستاذ العلوم الصحية الإكلينيكية بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجلس، ورئيس قسم الطب النفسي بمستشفى مركز لوس أنجلس للرعاية الصحية، حول نظريات المؤامرة، بخصوص مقاله: (تكاثر نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا، وإمكانية التسبب في أضرار حقيقية):

موزس: أولاً، هل من تعريف أو معايير واضحة لكيفية صناعة نظرية المؤامرة؟ هل كانت جزءًا من تاريخ البشرية منذ بدايته؟ وما المميز بشأن هذه النظريات ليجعلها جذابةً للغاية في أوقات كهذه؟

بيير: نظريات المؤامرة هي نوع من المعتقدات لدى الناس الطبيعيين، وعلى عكس الأوهام، لا تُعَد أعراض مرض عقلي. ولها تعريفات مختلفة، لكن لا توجد معايير موحدة مُتفَق عليها لتعريفها. أحب تعريفها بالقول إن نظريات المؤامرة ترفض الروايات الموثوقة للواقع وتفضل الاعتقاد بحبكة تتضمن مجموعةً من الأشخاص خبيثي النية، ودائمًا ما تُخفى عمدًا عن الجمهور.

لماذا تنتشر نظريات المؤامرة بكثرة خلال الأزمات - تكاثر نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا، وإمكانية التسبب في أضرار حقيقية - أفكار المؤامرة

حسب ما نعلم، نظريات المؤامرة موجودة منذ الأزل، تمامًا كوجود الأمثلة الواقعية من المؤامرات. يحدث هذا جزئيًا حين تكون هذه النظريات جذابة للبعض، فنحن نعلم أن المؤامرات تحدث بالفعل أحيانًا، لدرجة أننا نتوقع المزيد منها دائمًا. نظرة سريعة إلى أفلام هوليوود تخبرنا أن روايات (العباءة والخنجر) مسلية، وغالبًا ما تروي نسخًا مختلفة عن الأحداث تكون أكثر إثارةً من الحياة الواقعية.

وجدت أبحاث علم النفس أيضًا قائمةً طويلة من الهوس المعرفي المرتبط بالإيمان بنظريات المؤامرة، منها (الحاجة إلى التميز). وفقًا لبعض الأبحاث، ينجذب بعضنا إلى روايات المؤامرة لأنها تشعرنا بتميزنا، كوننا مطلعين على حقيقة سرية مخفية عن بقية (القطيع).

ظاهرة أخرى هي (التحيز الغائي)، وهو الميل إلى ربط الهدف أو (السبب المطلق) بالأحداث الطبيعية، لذا فإن جاذبية الروايات المتعلقة بالقوى كلية القدرة في نظريات المؤامرة تشبه حاجتنا المشتركة إلى الإيمان بالله. إضافةً إلى الحاجة إلى السيطرة واليقين والإحكام، إذ يعتقد معظمنا أن الأشياء السيئة تحدث عشوائيًا دون سبب يدعو للقلق، في حين توفر نظريات المؤامرة طريقةً لتعويض الشعور بعدم السيطرة.

يبدو أن احتياجنا النفسي إلى السيطرة واليقين والإحكام تتزايد، خصوصًا في ظل أزمة مجتمعية يحتاج الناس فيها إلى استيعاب الأحداث المؤلمة. وتنشأ نظريات المؤامرة غالبًا عندما تكون المعلومات المقدمة من المصادر الرسمية بطيئة أو متضاربة. وتقدم الجائحة الحالية مثالًا جيدًا على ذلك، ما فتح لنا المجال لملاحظة نشأة نظريات المؤامرة في الحياة الواقعية.

موزس: ما الذي يجعل نظريات المؤامرة مؤذية للغاية؟ ما هي المخاطر التي تشكلها من ناحية العواقب الصحية الحقيقية؟ هل قد تؤدي نظريات المؤامرة في وقت الجائحة إلى خسائر بشرية بالفعل؟

بيير: ترتبط خطورة الإيمان بالمعلومات الخاطئة بقدرته على إحداث ضرر، خصوصًا عندما يؤمن المرء بأشياء دون مبرر واضح، ودون وضع احتمال أنها قد تكون خاطئة، على عكس (المرونة المعرفية). وقد ثبت أيضًا أن الاعتقاد في نظريات المؤامرة الطبية، كتلك المتعلقة باللقاحات أو فيروس نقص المناعة المكتسب، يرتبط بمعدلات أقل لاتباع السلوكيات الصحية، مثل زيارة الطبيب لإجراء فحص طبي، أو تلقي اللقاح، أو ممارسة الجنس الآمن.

في حالة كوفيد-19، قد ينتج من الاعتقاد بالأخبار الكاذبة آثار مُماثلة، سواء بسبب عدم التزام التباعد الاجتماعي أو عدم تلقي اللقاح حال توفره. وقد تصبح الأمور أخطر عندما تتضمن معتقدات نظرية المؤامرة تهديدات ملموسة، أو عندما تصبح متشابكة مع هوياتنا لدرجة الشعور بالحاجة إلى الدفاع عنها، ما قد يصل إلى استخدام العنف.

في المملكة المتحدة، أضرم بعض المؤمنين بنظرية أن كوفيد-19 ناتج من شبكات الجيل الخامس النار في أبراج الهواتف المحمولة. وفي الولايات المتحدة، حاول شخص أن يجعل قطارًا يصطدم بسفينة USNS Mercy المُستخدَمة مشفى للطوارئ في ميناء لوس أنجلس، لاعتقاده بوجود نوايا شريرة لها.

موزس: كيف تُضعِف نظريات المؤامرة الثقة في المصادر التي عادةً ما تُعَد جديرةً بالثقة؟ أم أن الثقة منعدمة بالفعل لدى من يؤمنون بمثل هذه النظريات منذ البداية؟

بيير: إن غياب الثقة هو جوهر معتقدات نظرية المؤامرة، لأنها ترفض بالضرورة كل الأسباب والاعتبارات الموثوقة الواقعية. لكن علاقة عدم الثقة والإيمان بنظريات المؤامرة (ثنائية الاتجاه)، فانعدام الثقة في المصادر الموثوقة يجعلنا عُرضةً لنظريات المؤامرة، التي تُعَد روايةً مناقضة لما هو معروف. وفي الوقت ذاته فإن التعرض لنظريات المؤامرة يُضعف الثقة بوضوح.

في المناخ السياسي اليوم، نعلم أن نظريات المؤامرة تُستخدم أحيانًا أداةً دعائية متعمدة بهدف إضعاف الثقة في الحكومات والمؤسسات. هذا نوع من السخرية، فاستخدام نظريات المؤامرة أسلحةً للدعاية والترويج هو في حد ذاته نوع من نظريات المؤامرة فعليًا.

موزس: ما الذي يمكن فعله لمواجهة هذه النظريات؟ كيف يمكننا فضحهم؟ وهل هذا ممكن أساسًا؟ كيف يستطيع أحدنا أن يساعد الناس على قبول فكرة انعدام (السبب الوهمي)، في حين أنهم معرضون للاعتقاد بفكرة (الواقع البديل)؟

بيير: لما كان الإيمان بنظريات المؤامرة متجذرًا في انعدام الثقة، فإنه من الصعب جدًا مواجهته، خاصةً في حالة المؤمنين المتعصبين له. المبدأ الأول للمؤمنين بنظرية المؤامرة هو رفض الحقائق من طريق تصنيفها أنها (أخبار مزيفة) نشرتها مصادر غير موثوقة.

لمعالجة ذلك يجب علينا أولاً أن نؤسس الثقة، وأن نسأل الناس أسئلةً مثل (بمن تثق وبمن لا تثق؟ ولماذا؟) و(كيف تقرر ماذا تصدق؟).

فيما وراء المستوى الفردي، تحتاج المؤسسات إلى أن تكون أكثر شفافية لاستعادة ثقة الجمهور، ونحتاج أيضًا إلى نشر معلومات موثوقة، ومواجهة نظريات المؤامرة حيث توجد عادةً، خاصةً على الإنترنت.

على المستوى المجتمعي، علينا أن نفكر بجدية في كيفية تعزيز التفكير التحليلي في سن مبكرة، وتعليم الناس كيفية التعامل مع المعلومات عبر الإنترنت، ليتمكنوا من التمييز بسهولة بين المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة. لسوء الحظ فإن التضليل تجارة ضخمة، سواء من أجل الربح أو لتحقيق مكاسب سياسية. إضافةً إلى أننا نعيش في بلد تُعَد فيه حرية التعبير قيمةً وطنية أساسية. لهذه الأسباب مجتمعة، يصبح الحد من تعرض الناس للمعلومات الخاطئة أمرًا صعبًا للغاية.

اقرأ أيضًا:

فيروس كورونا أرض خصبة لنظريات المؤامرة، فهل هي صحيحة؟

دراسة جديدة تظهر أن معتنقي نظريات المؤامرة ليسوا حمقى كما كنا نعتقد

ترجمة: شهد نداف

تدقيق: أنس شيخ

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر