أُجبر الأزواج في فترة الإغلاق في أثناء جائحة فيروس كوفيد-19 على البقاء معًا وقتًا أطول، وجد بعضهم في ذلك تجديدًا لحبهم، أما البعض الآخر فقد وصلوا ربما إلى حد الطلاق. الأوكسيتوسين هو مركب معقد يُنتج في الدماغ، وهو مُعدِّل عصبي، إذ يمكنه تقريب القلوب إلى بعضها، ويمكنه الحث على السلوك العدائي أيضًا، جاء هذا الاستنتاج نتيجةً لبحث فريد أجراه علماء من معهد ويزمان للعلوم ومعهد ماكس بلانك للطب النفسي، أُجري البحث على عدة فئران في ظروف شبه طبيعية، إذ تلاعب العلماء بهرمون الأوكسيتوسين المُنتج في أدمغتها بدقة عالية.

ستسلط نتائج هذا البحث الضوء على الأوكسيتوسين، وتوجه الجهود لاستخدامه علاجًا لعدة حالات نفسية، كالرُهاب والتوحد والفصام.

الأوكسيتوسين هو مركب معقد ينتج في الدماغ، وهو معدل عصبي - هرمون الحب هل يسبب العدوانية - تفعيل خلايا عصبية محددة في الدماغ

أتت الكثير من المفاهيم التي نعرفها عن نشاط المُعدِّلات العصبية كالأوكسيتوسين من الدراسات السلوكية لحيوانات التجارب في ظروف اختبار قياسية، إذ مكنت تلك الظروف المصطنعة المُسيطر عليها بصرامة الباحثين من تحديد عدد من المتغيرات المؤثرة في السلوك، لكن اقترحت عدة دراسات حديثًا أن نشاط الفئران في ظروف شبه طبيعية قد يخبرنا الكثير عن السلوك الطبيعي، خصوصًا عندما يعتزم الباحثون تطبيق تلك النتائج على سلوك الإنسان.

أنشأت مجموعة البروفيسور آلان شين المختبرية نظامًا اختباريًا يمكنهم من مراقبة الفئران في بيئة قريبة من نمط حياتها، بيئة غنية بالمحفزات التي يمكنهم استكشافها، إذ يمكن رصد نشاطهم عبر الكاميرات وتحليله حسابيًا.

قاد هذه الدراسة المستمرة منذ 8 سنوات طالبا الأبحاث سيرجي أنبيلوف ونوا إيرن، والدكتور يائير شيميش من مجموعة البروفيسور شين.

اعتمدت التجربة على علم البصريات الوراثي، وهي طريقة تمكّن الباحثين من تفعيل خلايا عصبية محددة في الدماغ أو إيقاف تفعيلها باستعمال الضوء، ما يمكّن الفريق من دراسة الفئران التي تسلك سلوكًا طبيعيًا.

طوّرت المجموعة جهازًا لاسلكيًا صغيرًا خفيف الوزن يستطيع للعلماء من طريقه تنشيط الخلايا العصبية من بُعد، وبمساعدة خبير علم البصريات الوراثي البروفيسور أوفر يزهار، أدخل الفريق بروتينًا -طوره البروفسور يزهار سابقًا- إلى الخلايا الدماغية التي تنتج الأوكسيتوسين في الفئران، فعندما يلامس الضوء الصادر من الجهاز اللاسلكي هذه الخلايا العصبية، تصبح أكثر حساسيةً من سائر خلايا الدماغ في الشبكة ذاتها.

يقول أنبيلوف: «كان هدفنا تتبع السلوك في البيئة الطبيعية بأفضل درجة ممكنة، دون التخلي عن إمكانية طرح أسئلة علمية محورية عن وظائف الدماغ».

وأضاف شيميش: «لا يفتقر نظام الاختبار التقليدي إلى المحفزات البيئية فحسب، بل إن القياسات لا تمتد إلا دقائق معدودة، وقد استطعنا تتبع الديناميكيات الاجتماعية في مجموعة من الفئران على مدار أيام متتابعة».

كان بحث دور الأوكسيتوسين اختبارًا نوعيًا لفعالية نظام الاختبار، إذ كان يُظن أنه يوسط السلوك الإيجابي اجتماعيًا، لكن ظهرت النتائج متضاربةً، فاقترح بعض الباحثين فرضيةً أخرى سُميت (فرضية البروز الاجتماعي)، تقول إن الأوكسيتوسين يشارك في إبراز تصور الإشارات الاجتماعية المتنوعة، التي قد تؤدي إلى سلوكيات إيجابية أو سلبية، اعتمادًا على عوامل مثل شخصية الفرد وبيئته.

لاختبار فرضية البروز الاجتماعي، استخدم الفريق فئرانًا تعرضوا لتنشيط الخلايا المنتجة للأوكسيتوسين في منطقة تحت المهاد برفق، ووضعها أولًا في بيئة اختبار شبه طبيعية. وللمقارنة، كرروا التجربة مع فئران موضوعة في نظام اختبار قياسي.

قد يسبب الأوكسيتوسين سلوكًا عدائيًا، فقد أظهرت الفئران في البداية في البيئة شبه الطبيعية اهتمامًا عاليًا ببعضها، لكن هذا الأمر لم يستمر كثيرًا إذ رافقه سلوك عدائي. في المقابل، أدت زيادة الأوكسيتوسين في الفئران في الظروف المختبرية القياسية إلى انخفاض العدائية، يقول أنبيلوف: «نتوقع أن نرى عند كل الذكور -في الظروف شبه الطبيعية- سلوكًا عدائيًا، بسبب المنافسة على السيطرة أو على الغذاء، أي أن الظروف الطبيعية تؤدي إلى المنافسة والعداء، في حين قد يؤدي وضع اجتماعي مختلف -كما في ظروف الاختبار القياسية- إلى تأثير مختلف للأوكسيتوسين».

فإذا كان هرمون الحب هو على الأرجح هرمونًا اجتماعيًا، فماذا يعني ذلك لتطبيقاته الصيدلانية؟ تقول إرين: «يتدخل الأوكسيتوسين في السلوكيات الاجتماعية مثل اتصال العيون ومشاعر التقارب، لكن نتائجنا تظهر أنه لا يحسن الاختلاط الاجتماعي عند الجميع، بل تعتمد آثاره على شخصية الفرد وسياقها، فهذا يعني أنه إذا استُخدم الأوكسيتوسين علاجيًا، فستحتاج الأبحاث إلى المزيد من الدقة. إذا أردنا فهم تعقيدات السلوك، فنحن بحاجة إلى دراسته في بيئة معقدة، عندها فقط يمكننا البدء في تطبيق النتائج التي توصلنا إليها على السلوك البشري».

اقرأ أيضًا:

هل الحب مجرد كيمياء دماغية؟

إلى أي مدى يمكننا تحسين دماغنا اصطناعيًّا دون فقد هويتنا البشرية؟

ترجمة: منتظر صلاح

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر