«أنا متهور في الحب ولكن أصدقائي الساخرون يستمرون في إخباري أن الحب ليس سوى مزيج من الفيرومونات والدوبامين و الأوكسيتوسين ، وأن هذه الأشياء تتلاشى بعد بضع سنوات؛ هذا التفكير يخيفني، يجعل الأمر كله يبدو بلا معنى…هل الحب هو حقا كيمياء الدماغ؟» جو، لندن.

حرِّر يديّ الهائمتين ودعهم يذهبون

قبله، بعده، فيما بينهما، فوقه، تحته

ليس من المصادفة أن الخط الأكثر إثارة في الشعر الإنجليزي هو جميع حروف الجر، إذ يتجلى جوهر الحب في قواعده اللغوية، على الأقل الحب الرومانسي العاطفي.

نقع في الحب، لا نجول فيه، وكما يُقال فإننا نقع رأسًا على عقب ولا نجرُّ أقدامنا، غالبًا في الوهلة الأولى بدلًا من التفحص الدقيق.

نقع في الحب بجنون، يصيبنا العمى تجاه عيوب الآخر، بعيدًا عن أي تقييم عقلاني لمزيّاتهم.

يكون الحب -بجوهره- عفويًا، جارفًا، غير قابلٍ للمقاومة، كالقَذائف، حتى لو مر الوقت، ستتخذ فروعه مَسارات أكثر تعقيدًا. تسيطر علينا أكثر من سيطرتنا عليها في أي وقت مضى. بإحدى جوانبه غموض، وبالجانب الآخر بساطة.

مساره تارةً يكون مرتبطًا، متوقعًا وحتميًا، ويكون تعبيره الثقافي أكثر أو أقل تجانسًا عبر الزمان والمكان. الدافع للتفكير به من حيث أسبابه البسيطة يسبق العلم. تأمّل في سهم كيوبيد، جرعة الساحر- يبدو أن الحب بدائي.

لم يفك العلم شفرات الحب بعد، ولنبحث عن السبب. لقد صُممت الفيرمونات الجنسية لأجل نشر القابلية التناسلية للآخرين، وهي أدوات جذب رئيسية، لكن في الوقت الذي تلعب فيه الفيرمونات دورًا مهمًا في التواصل عند الحشرات، فهناك أدلة قليلة جدًا حول وجودها عند البشر.

إذا اِستطاعت المواد الكيميائية تأشير التجاذب خارج الجسم، إذن لماذا ليس بداخله؟ يوصف عادةً البيبتيد العصبي «الأوكسيتوسين» بشكل خاطئ على أنه «هرمون الاِرتباط» والمعروف بدوره في الرضاعة وتقلُّص الرحم، هذا الأوكسيتوسين هو المرشح الوحيد هنا.

دُرِسَ هذا على نطاق واسع وبشكل رئيسي في فئران برايري prairie vole، التي تتميز بالزواج الأحادي وإبراز ميولاتها للعامة، ممًّا جعلها نموذجًا حيوانيًا مثاليًا.

هل الحب مجرد كيمياء دماغية - الحب ليس سوى مزيج من الفيرومونات والدوبامين والأوكسيتوسين - كيمياء الدماغ - التفضيل الرومانسي - الأوكسيتوسين

يُعطّل منع الأوكسيتوسين الارتباطَ الثنائي الذي يحل بديلًا للحب، ويجعل هذه الفئران أكثر تقيّدًا وكُبتًا في تعبيراتها العاطفية. وعلى العكس من هذا، فإن زيادة الأوكسيتوسين في بقية أنواع الفئران غير الأحادية الزوجية، يُضعِفُ استطعامها لمغامراتها الجنسية.

في البشر، وعلى الرغم من ذلك، فإن التأثيرات أقل إثارة بكثير، حيث يظهر تغيير طفيف في التفضيل الرومانسي تجاه المألوف على حساب الجديد؛ لذا فالأوكسيتوسين بعيد عن كونه ضروري للحب.

صندوق رسائل الحب ؟

بالطبع، حتى وإن تمكنّا من تعريف هذه المادة، فإن أي رسالة -كيميائية أو غيرها- تحتاج إلى مُستلِم. إذن أين هو صندوق رسائل الحب في الدماغ؟ وكيف يتم نقل هوية الشخص المُختار إذ لا يمكن لجزيء واحدٍ تشفيرَها؟

عندما يُفحص الحب الرومانسي مع تصوير للدماغ، تتداخل المناطق المضيئة مع تلك المناطق المسؤولة عن سلوك البحث عن المكافأة وكذلك مناطق التوجيه نحو الأهداف. لكن هذه الأجزاء من أدمغتنا تتّقد وتُثار عبر شيء واحد، هذا لا يخبرنا الكثير عما إذا كانت تتهيّج من خلال أشياء أخرى مختلفة تمامًا.

وأنماط الحب الرومانسي المُلاحظة لا تختلف عن روابط الأمومة، أو حتى عن حب الشخص لفريقه الكروي المفضل. لذا نستطيع أن نستنتج فقط أن علم الأعصاب لم يَشرح بعد هذا الجنون في الحب من الناحية العصبية.

هل نحن ببساطة بحاجة إلى المزيد من التجارب؟ نعم، عادة ما تكون هذه إجابة العلماء، ولكن هنا يفترض أن الحب بسيط بما يكفي ليتم حصر معناها بواسطة الوصف الميكانيكي، وهذا أمر مستبعد للغاية لأن الطبيعة ستقاومه.

من الناحية التطورية، فإن الحب في النهاية يتعلَّق بالتناسل، وضَعْ في اعتبارك ما سيحدث لكائن حي تعمل جاذبيته الجنسية من خلال آلية بسيطة للغاية تتضمن سلسلة من الجزيئات الحساسة، أو اثني عشر عقدة عصبية حيوية أو ما شابه.

إن نجاحه الإنجابي سيكون مُحصنًا بسلامة عدد قليل جدًا من العناصر الجينية، مع إمكانية التخلص منه تمامًا عن طريق طفرة أو اثنتين. يمكن للمفترِس أن يطور سمًّا لا يجعل ضحيته مطيعة فحسب، بل في يغرقها في غرام إيجابي، فقط سعيد جدًا للانسلال من «نشوة جنسية» إلى الشيء الحقيقي.

إذا كان هناك شيء جامد قابل لاِحتواء الجزيء الرئيسي بكثرة، فيمكن أن تُصبح الأنواع بأكملها كائنًا جنسيًا، وتختارَ اللعب معه على ممارسة الجنس مع بعضها البعض. تكادُ تكون هذه النكتة «لعب الكمأة على الخنازير البرية»، والتي تقول إن الحيوانات تتسلَّى بها مؤقتًا.

لكن الضعف التطوري أعمق. تذكَّر أن الجنس لا يتعلق في المقام الأول بتكاثر الأنواع، ولكن حول تحسينها، ليس فقط اِستجابة للعالم كما هو الآن، بل مثلما قد يكون خلال أوسع نطاق زمني افتراضي في المستقبل. هذا يتطلب أن تكون الكائنات الحية مُتنوعة في ميزاتها ومهاراتها، بقدر ما يتم اختيارها من أجل سلامتها. إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يؤدي التغير المفاجئ في البيئة إلى انقراض هذه الأنواع بين عشية وضحاها.

لذا فإن كل قرار تناسلي لا يمكن أن يكون بسيطًا ولا موحدًا، لأنه لا يمكن السماح لنا بالاسترشاد بأي خاصية بمفردها، ناهيك عن نفس الخاصية. عالميًا يعتبر طول القامة جذَّابًا، وإذا سمحت لنا البيولوجيا باِختيار الطول وحده، فسنكون عمالقةً بأجمعنا الآن. وإذا كان لابد من أن تكون القرارات معقدة، كذلك على الجهاز العصبي أن يجعلها ممكنة.

في حين يُفسِّر هذا سبب إلزامية أن يكون الجذب الرومانسي معقدًا، فإنه لا يفسر لماذا يمكن أن نشعر بالغريزة والعفوية، على عكس الوضع المتداول الذي نحتفظ به من أجل أهم قراراتنا. ألن تكون العقلانية المنفصلة أفضل؟

لمعرفة سبب عدم حدوث ذلك، فكِّر في السبب المنطقي الصريح الموجود في المقام الأول. بسبب تطورنا اللاحق لغرائزنا، نحتاج إلى العقلانية فقط لفصل أنفسنا عن أسباب اتخاذ القرار حتى يتمكن الآخرون من حفظه، فهمه وتطبيقه بشكل مستقلٍّ عنا.

لا حاجة لأي شخص آخر لفهم أسباب حبنا، والواقع أن آخر شيء نريد القيام به هو تزويد الآخرين بوصفة لسرقة هدف رغبتنا. وبالتساوي، التنازل عن السيطرة على الممارسة الثقافية المسجلة، يدفع التطور لوضع الكثير من “الثقة” في القدرة -العقلانية الجماعية- أي أنه، من الناحية التطورية، صغير جدًا.

من الخطأ أيضًا التفكير في الغريزة على أنها بسيطة، وأدنى من المداولات الدقيقة. إن كونه ضمنيًا يجعله أكثر تعقيدًا من التحليل العقلاني، لأنه يجلب مجموعة واسعة من العوامل، أكثر مما يمكن أن نحمله في وقت واحد في أذهاننا الواعية. والحقيقة هي التي تحدق في وجهنا، فكر كم نحن أفضل في التعرف على الوجه مقارنةً بوصفه. لماذا يجب أن يكون الاِعتراف بالحب مختلفًا؟

في النهاية، إذا كانت الآليات العصبية للحب بسيطة، فيجب أن تكون قادرًا على تحريضها بالحقن، وإطفائها بمشرط مع ترك كل شيء آخر على حاله. المنطق البارد والقاسي للبيولوجيا التطورية يجعل هذا مستحيلاً. لو لم يكن الحب معقدًا، لما تطورنا في المقام الأول.

ومع ذلك، فإن الحب -مثل جميع أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا- يعتمد على العمليات الجسدية في الدماغ، وهو تفاعل معقد جدًا. لكن القول بأن الحب مجرد كيمياء في الدماغ مثل القول بأن «شكسبير» عبارة عن كلمات مجرَّدة، و«فاغنر» مجرد ملاحظات و«مايكل أنجلو» مجرد كاربونات الكالسيوم – هنا ستفوّت الفكرة. الحب مثل الفن أكثر من مجموع أجزاء.

لذا فإن أولئك الذين يحالفهم الحظ لتجربة فوضى الحب، يجب أن يسمحوا لأنفسنا بأن تحملهم الأمواج. وإذا انتهى بنا الأمر محطَمين على الصخور المخفية لركوب الأمواج، يمكننا أن نكتسب الراحة من معرفة أن السبب لم يصل بنا إلى أبعد من ذلك.

اقرأ أيضًا:

حالة الحب في الدماغ فترة فريدة ومحددة وهذه 13 علامة تدل على أنك تعيشها

كيف يؤثر الحب على الدماغ؟

ترجمة: منتظر صلاح

تدقيق: أنس شيخ

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر