رصد علماء الفيزياء الفلكية أغرب إشارة لموجة ثقالية، ما اضطرهم إلى إعادة صياغة معلوماتهم عن الكون. تتكون الموجات الثقالية عندما تشوّه الأجسام الضخمة الزمكان المحيط بها، فترسل الموجات الناشئة عن حركتها عبر الكون. اكتشفها العلماء أول مرة سنة 2015 حين نتجت عن تصادم ثقبين أسودين، ومنذ ذلك الحين تزداد اكتشافات الموجات الثقالية غرابة.

حديثًا، أعلن فريق من الباحثين اكتشاف إشارة موجة ثقالية ناجمة عن اصطدام جسم أكبر من أكبر نجم نيوتروني وأصغر من أصغر ثقب أسود مرصود سابقًا.

لا يظن العلماء أنهم قادرون على تحديد ما حدث بدقة بسبب التعقيد الكبير لهذا الاكتشاف، لكن الإشارة المرصودة تبعث آمالًا في المزيد من الاكتشافات الغريبة القادمة، إذ يبشر هذا الاكتشاف بفهم جديد لكيفية حدوث الانفجارات النجمية الضخمة المعروفة بالمستعرات العظمى.

تصور فني للتصادم غير المتكافئ المرصود بواسطة الموجات الثقالية

تصور فني للتصادم غير المتكافئ المرصود بواسطة الموجات الثقالية

قال كريستوفر بيري، عالم الفلك المتخصص في الأمواج الثقالية في جامعة نورث وسترن وجامعة غلاسكو، المؤلف المشارك في البحث الجديد: «لا شك أن هذا الاكتشاف الرائع سيغير فهمنا لكيفية تكون الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، لكن هذا اللغز -مع ثرائه بالمعلومات- سيبقى غامضًا حتى نحصل على مزيد من الملاحظات. نحن واثقون من نتائجنا، مع أنني لم أصدق مدى روعة هذا الاكتشاف عندما نظرت إلى البيانات للمرة الأولى، إنه حقًا مذهل».

خريطة توصف نطاق التصادمات التي لوحظت من طريق الأمواج الثقالية. يعرض الجزء الأسفل من الصورة أجسامًا بحجم النجوم النيوترونية، ويوضح الجزء العلوي أجسامًا بحجم الثقوب السوداء. تضمن الكشف الجديد جرمًا بحجم نجم نيوتروني كبير جدًا أو ثقب أسود صغير جدًا

خريطة توصف نطاق التصادمات التي لوحظت من طريق الأمواج الثقالية. يعرض الجزء الأسفل من الصورة أجسامًا بحجم النجوم النيوترونية، ويوضح الجزء العلوي أجسامًا بحجم الثقوب السوداء. تضمن الكشف الجديد جرمًا بحجم نجم نيوتروني كبير جدًا أو ثقب أسود صغير جدًا

رصد العلماء الموجات الثقالية في 14 أغسطس 2019، وقد أعجبوا حقًا بنتائج التحليل الأولية التي اقترحت أن الاصطدام ربما أدى إلى اندماج ثقب أسود بنجم نيوتروني.

يرسل اصطدام النجم النيوتروني بالثقب الأسود موجات ثقالية خاصة ترقبها العلماء طويلًا، إذ لم يرصدوا حتى الآن سوى اندماج أزواج متماثلة.

عندما أجرى علماء الفيزياء الفلكية مزيدًا من تحليل البيانات، أدركوا أنهم بصدد أمر بالغ الغرابة، فوفقًا للتحليل، بلغت كتلة الثقب الأسود المصطدم نحو 23 ضعف كتلة الشمس، وبلغت كتلة الجسم الآخر المجهول نحو 2.6 ضعف كتلة الشمس.

تصور فني لثقبين أسودين أحدهما أكبر من الآخر بتسعة أضعاف، يدور أحدهما حول الآخر ويصطدم به

تصور فني لثقبين أسودين أحدهما أكبر من الآخر بتسعة أضعاف، يدور أحدهما حول الآخر ويصطدم به

يساعدنا هذا الاكتشاف على حل اللغز الغامض بين حجم أكبر نجم نيوتروني وأصغر ثقب أسود. قال بيري: «سيغير هذا الاكتشاف فهمنا للكون حولنا، إذ سيقود العلماء إلى فهم سلوك النجوم النيوترونية، التي أسميها «مصادمات الجسيمات المطلقة». تصعب محاكاة مادة النجوم النيوترونية على الأرض بسبب الظروف المتطرفة التي تتطلبها هذه المحاكاة، لكن خواص تلك المادة ستحدد الحجم الأقصى الذي قد يبلغه النجم النيوتروني، النقطة التي يصبح فيها النجم النيوتروني كبيرًا للغاية فينهار ذاتيًا، وهو ما نريد معرفته من طريق هذا البحث الجديد».

«لن يقتصر فهم الفجوة بين النجوم النيوترونية والثقوب السوداء على تفسير تلك الملاحظات، بل سيمتد إلى ما هو أبعد من ذلك في مجال الفيزياء الفلكية. تفترض نماذج علماء الفيزياء الفلكية وجود فجوة بين أكبر نجم نيوتروني وأصغر ثقب أسود، وسنحتاج إلى تعديل تلك النماذج إذا كانت الفجوة أصغر بكثير مما افترضته سابقًا، أو إذا كانت الفجوة غير موجودة، قد يغير تعديل النماذج فهمنا للكون على نطاق أوسع من حل مشكلة تلك الفجوة».

«يشير ذلك إلى قدرتنا على استكشاف الكون بواسطة الموجات الثقالية، نحن لا نعرف ما يوجد هناك فعلًا، لكننا نعرف النوع النموذجي من الموجات الثقالية، ويتبقى النوع النادر المعقد الذي ما زلنا نحاول فهمه».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نادر! ثلاثة ثقوب سوداء عملاقة على وشك الاصطدام

ثقوب سوداء تسلّط الضوء على كوننا

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر