التشابك الكمي أو الكمومي يعتبر واحدة من أغرب الظواهر وأكثرها إثارةً للفضول، وصفها العالم ألبرت آينشتاين بـ «Spooky action at a distance» بمعنى أنّه فعل شبحي عن بعد، وهي ظاهرة كمّية يرتبط فيها جسيمان مع بعضهما عن بعد بأسلوب معقّد، فيستخدم أحد الجسيمين كدليل عن حالة الآخر في جوانب محددة. وقد تكون علاقة الربط المتينة هذه المبدأ الأساسي لإنترنت كمّي فائق السرعة والأمان.

يجري العلماء تجارب حول التشابك الكمي بأساليب متطورة جديدة عدّة، ومنها ما هو في الفضاء الخارجي. فقد أجرى العلماء بتجربة التشابك الكمي على قمر صناعي صغير (كيوب سات) سمّي سبوكي-1 (SpooQy-1) -وهي باقتباس وصف آينشتاين Spooky شبحي مع استبدال الحرف k بالحرف Q من Quantum كمومي- لإنتاج أزواج من الفوتونات المُتشابكة كميًا باستخدام دايود ليزر أزرق وبلورات لا خطية.

أداة التشابك الكمّي: مركز تكنولوجيا الكم – جامعة سنغافورة الوطنية

أداة التشابك الكمّي: مركز تكنولوجيا الكم – جامعة سنغافورة الوطنية

أُطلق القمر الصناعي الصغير في عام 2019 من محطة الفضاء الدولية وصمّم بطريقة خاصة تحمي مصدر الفوتونات المتشابكة من عوامل الضغط والحرارة خلال الانطلاق من الأرض والدوران حولها.

يقول الباحث في ميكانيك الكم إيتور فيلار في جامعة سنغافورة الوطنية: «من المُمكن مُستقبلًا أن يكون نظامنا جزءًا من منظومة كمية عالمية تبعث إشارات كمية إلى مستقبلات على سطح الأرض أو على مركبات فضائية أخرى. ويمكن استخدام هذه الإشارات لتنفيذ مختلف أنواع تطبيقات الاتصال الكمومية، من التوزيع الكمومي لمفتاح التشفير لضمان أمان فائق عند نقل البيانات إلى التخاطر الكمومي وهو نقل البيانات بتكرار حالة المنظومة الكمية عن بعد».

تعتبر هذه التجربة هامّة وفق عدّة معايير إضافةً لكونها أجريت في الفضاء الخارجي، فقد أُجريت التجربة على قطعة لا تتجاوز أبعادها (10، 20) سم وبوزن أقل من 2.6 كغ، ولم يكن سبوكي-1 أول قمر صناعي أُرسِل لهذا الغرض – فقد سبقه القمر الصناعي الصيني ميشس، لكنّه أصغر حجمًا. ولصغر حجمه أهمية بالغة إذا استخدمت الأقمار الصناعية لتقنية الاتصالات المستقبلية التي تعتمد على التشابك الكمي.

بيّنت التجربة حدوث تشابك كمي بين أزواج الفوتونات على متن الكيوب سات عند درجات الحرارة بين 16 و21 درجة مئوية.

ومن المعايير الدالة على أهمية التجربة أيضًا تصميم الجهاز ليستهلك أقل قدر ممكن من الطاقة. فالحجم الصغير لسبوكي-1 ومتانته العالية مع استهلاكه الخفيف للطاقة تعتبر نقاطًا بارزة للباحثين في تطوير تقنيات اتصال حديثة تعتمد على التشابك الكمي والأقمار الصناعية.

لم تُختبَر أي اتصالات كمومية عبر القمر الصناعي حتى الآن، لكن هذه التجربة تعتبر حجر أساس لذلك. ويبحث العلماء عن وسائل بديلة لنقل المعلومات الكمومية المُشفرة لأن نقلها بواسطة الألياف الضوئية الاعتيادية للمسافات الطويلة غير ممكن.

يتطلع فريق البحث خلال الأعوام القادمة إلى العمل على إنشاء مُستقبِل كمّي يستطيع التواصل مع الكيوب سات، وإلى زيادة قدرة أجهزة الكيوب سات على دعم الشبكات الكمومية.

يقول فيلار: «إن التطور نحو إنشاء شبكة كمية عالمية في الفضاء يحدث بسرعة. ونأمل أن تساهم التجارب التي قُمنا بها في مساعدة المهام الفضائية القادمة المختصة في ميكانيك الكم، وأن تستفيد مختلف التقنيات والتطبيقات الحديثة من نتائج تجربتنا».

اقرأ أيضًا:

التشابك الكمومي عبر الزمن

الجدال بين نيلز بور وأينشتاين حول التشابك الكمي

ترجمة: بيان علي عيزروقي

تدقيق: وائل حجازي

المصدر

الورقة البحثية