في نقاش مع أحد زملائك المحبّ لنظرية التحليل النفس للعالم سيغموند فرويد، يزعم صديقك أنك هادئ في أثناء الدرس لأنك من عائلة لا تفضل الحديث عن الجنس. عند محاولتك الاعتراض على ما قال لأنّه لا يعرف أحدًا من عائلتك تبسّم لأنك أثبت وجهة نظره بطريقة غير مباشرة، فأسلوبك الدفاعي الذي استخدمته ينم عن وقوعك في فخ الصراعات النفسية المزمنة، وكلما حاولت إثبات رأيك ازداد تصديقه وجهة نظره، وازداد تشبثك بوضعك الدفاعي. لقد أعطيته ما أراد وأسلوبك في النقاش أثبت وجهة نظره.

أظهرت دراسة في المنطق المحفَّز وتحيّز التأكيد وغيرهما من القفزات غير المنطقية للعقل البشري أننا لسنا مُهيَّئين للاقتناع بالرأي الآخر، خصوصًا خلال المناظرات، فنحن بطبعنا كائنات عاطفية اجتماعية تميل إلى التقرب من أشباهها عاطفيًا وفكريًا، وهذا يجعلنا نتمسك بأفكارنا أكثر، ونبتعد عن كل خطر يهدد تغييرها.

فعند خوضنا نقاشًا حول مواضيع معقدة عادةً ما نقتنع بما يدعم موقفنا و وجهة نظرنا ونرفض كل ما يتعارض معهما، لذلك فإن المناظرات لا تُقنِع غير المؤيدين للرأي أصلًا بل تزيد من حدّة المعارضة، وكما يقال: من اقتنع بالرأي الآخر مجبرًا، ما يزال على رأيه.

لماذا يصعب عليك ربح نقاش ما - وجهة نظرنا - الخوض في نقاش حول مواضيع معقدة - المناظرات بين الأفراد - الاقتناع بوجهة نظر الطرف الآخر

ولهذا السبب تحديدًا تعتبر أغلب النقاشات المشحونة -خصوصًا السياسية- عقيمةً لا طائل منها. فهي في كثير من الأحيان مليئة بالمغالاة والتحريف والتشبّث بالحقائق الصغيرة التي تناسب وجهة نظرنا.

من السهل إيجاد أدلة تدعم وجهة نظرنا في كل ما هو غامض، فنجعل من الحياة -على تعقيدها- واقعًا محببًا داعمًا لكل ما نؤيده. فالسياسة مثلًا على ما فيها من غموض وملابسات وتعقيد من الممكن اختصار ما يحدث فيها في جملة واحدة: «إن الطرف الذي أؤيده دومًا على حق، ومن الحماقة أخذ أي طرف آخر». كثير من العلاقات والصداقات تتفكك بسبب التحيز المؤكد والآراء، فكثيرًا ما نرى على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات مثل: «كيف لشخص عاقل أن ينتخب فلانًا؟».

يقول فولتير الكاتب الفرنسي: «الشك أمر مزعج، والاقتناع التام سخافة في حد ذاته». من الواضح أنه كان يقصد المعترك السياسي بهذه الجملة، لكن الأمر لا يتوقف عند السياسة، فالحال لا يختلف كثيرًا إذا تحدثنا عن العلاقات الشخصية، فالكل مقتنع برأيه تمامًا حتى في الأمور الخاصة بفرد بعينه.

على سبيل المثال، ويل وكيم زوجان لديهما توأمان في الحادية عشرة من العمر، كلا الزوجين على قناعة تامة بأنه أعلم من الآخر في كيفية تربية الطفلين، وكلاهما وجد من الكتب والأبحاث ما يدعم وجهة نظره، ووقع الطفلان ضحية التداخلات وتضارب أساليب الأبوين في التربية.

وعندما تعوّد الطفلان على استخدام كرسي الحمّام مبكرًا، كان لكل من الزوجين تفسيره الخاص والمختلف. فقالت كيم أن السبب هو إعطاؤهما حرية التطور والاعتياد بالسرعة التي تناسبهم، في حين يعتقد ويل أن السبب يكمن في تعليمه لهما على التكيّف مع المحيط.

إنّ سبب الاختلاف بين الزوجين هو اقتناع كل منهما بوجهة نظره بفضل تلك الكتب التي تعطيهما الوصفات السحرية لجعل الطفل ينام ليلًا أو يتعلم القراءة أسرع، ونسيا أن كل طفل مختلف عن الآخر، وأن اتباع نهج واحد مع كل الأطفال ما هو إلا فكر متعجرف.

أجرى علماء نفس من جامعتي دارتموث وبرينستون تجربة تقليدية عام 1950 على مشجعي الرياضة المتعصبين، تبين كيف يميل الناس إلى دعم وجهة نظرهم. عُرِض على طلاب من الجامعتين مباراة كرة قدم بين فريقيّ الجامعتين، وطُلب منهم تحديد مدى شدة المخالفات في المباراة من معتدلة إلى العنيفة. وُجد -كما هو المتوقع- انحياز كل طالب لفريق جامعته، فكان الطالب يقيّم مخالفات فريقه بالبسيطة، في حين قيّم مخالفات الفريق الآخر بالعنيفة المتعمّدة.

وحتى في العصور الأقدم، وضّح علماء الاجتماع أنه لا توجد موضوعية الرأي حين يتعلق الأمر بمصالح شخصية.

لذا في المرة المقبلة عند وقوعك في نقاش مع العائلة أو على وسائل التواصل الاجتماعي حاول فهم دوافع الطرف الآخر ومقصده الكامن من كلامه بدلًا من فرض دلائل قاطعة تثبت رأيك. فطريقة كهذه أفضل بكثير من جدال سيؤدي حتمًا إلى خلافات شديدة.

اقرأ أيضًا:

المنطق المُحفّز.. السبب وراء خسارة الجدل المدعوم بالأدلة

لماذا يصعب علينا إخفاء مشاعرنا الحقيقية ويسهل قراءة عواطفنا؟

ترجمة: محمود مرزوق

تدقيق: وائل حجازي

المصدر