تعد الموسيقى من أجمل وأقوى إبداعات البشرية، وقوتها معروفة جيدًا فهي تجعلنا سعداء أو حزينين أو مسترخين أو متحمسين. فالموسيقى عمومًا تملك القدرة على إثارة المشاعر، وكما قال بونو -المغني الرئيسي لفرقة U2- «الموسيقى تملك القدرة على تغير العالم، لقدرتها على تغيير الناس».

ولكن ما مدى صحة ذلك؟

غالبًا ما نفترض أن لتشجيع الطفل على عزف آلة موسيقية ما أو الاستماع إلى نمط معين من الموسيقى أثرًا أكبر من مجرد زيادة ذوقه الموسيقي. وغالبًا ما يظن الآباء والمعلمون على حد سواء أن الموهبة الموسيقية قد تساعد الطفل في مجالات الحياة الأخرى وقد تسهل من تطور المهارات المعرفية.

أكدت دراسات عديدة أن التدريب الموسيقى يعزز مهارات الطفل المعرفية والأكاديمية، وقد اختبرت التجارب السابقة -على سبيل المثال- تأثير الغناء أو عزف البيانو على ذكاء الطفل أو تعلمه، لكن كانت نتائج هذه التجارب متباينة إلى حد ما ولم تتمكن من إعطاء جواب قطعي حول تأثير العزف على آلة موسيقية أو التعامل مع الموسيقى على إحداث فرق في تعليم الطفل حقًا.

نظرًا إلى ما سبق أجرينا مؤخرًا مراجعة للمنشورات العلمية حول استخدام الموسيقى مع الأطفال. وكانت النتائج واضحة وربما مخيبة للآمال فمن غير المرجح أن تقدم الموسيقى أي فوائد للإدراك والتحصيل الأكاديمي.

فوفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Memory & Cognition ليس للتدريب الموسيقى تأثير إيجابي على المهارات المعرفية للأطفال كالذاكرة، والتحصيل الأكاديمي، مثل الرياضيات أو القراءة أو الكتابة.

هل يزيد تعلم الأطفال للموسيقى من مستوى ذكائهم - تشجيع الطفل على عزف آلة موسيقية ما أو الاستماع إلى نمط معين من الموسيقى - تدريب الطفل على العزف

فحص الباحثان جيوفاني سالا من جامعة فوجيتا للعلوم الصحية في اليابان وفرناند جوبت من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في المملكة المتحدة الأدلة التجريبية الموجودة فيما يتعلق بتأثير التدريب الموسيقي على المهارات غير الموسيقية لدى الأطفال كالمهارات المعرفية والتحصيل الأكاديمي.

فقد أعادا تحليل بيانات من 54 دراسة سابقة أجريت بين عامي 1986 و2019 شملت 6984 طفلًا، وجدا أن التدريب الموسيقي يبدو غير فعال في تعزيز المهارات المعرفية أو الأكاديمية بصرف النظر عن نوع المهارة -مثل اللفظية وغير اللفظية أو المتعلقة بالسرعة وما إلى ذلك- وعمر الأطفال المشاركين ومدة التدريب على الموسيقى.

عند مقارنة الدراسات الفردية المضمنة، وجد المؤلفان أن الدراسات ذات التصميم الدراسي عالي الجودة مثل تلك التي استخدمت مجموعة مقارنة -مجموعة منفصلة من أطفال لم يتعلموا الموسيقى ولكنهم تعلموا مهارة مختلفة بدلًا من ذلك، مثل الرقص أو الرياضة- لم تُظهر أي تأثير لتعلم الموسيقى على الأداء المعرفي أو الأكاديمي. وظهرت تأثيرات طفيفة في الدراسات التي لم تتضمن مجموعة مقارنة أو التي لم تختر المشاركين عشوائيًا في مجموعات المقارنة (تلك التي تلقت تدريبًا مختلفًا أو لم تتلقى أي تدريب) والمجموعات الخاضعة للتجربة (تلك التي تلقت تدريب موسيقي).

قال المؤلف الرئيسي جيوفاني سالا: «تُظهر دراستنا أن الفكرة الشائعة أن الموسيقى تجعل الأطفال أكثر ذكاءً غير صحيحة، وهذا يعني من الناحية العملية أن تدريس الموسيقى بهدف تعزيز المهارات المعرفية أو الأكاديمية للطفل ربما يكون بلا جدوى. بينما يمكن تدريب الدماغ بطريقة مثل: إذا عزفت الموسيقى ستصبح أفضل في الموسيقى، لا يمكن تعميم هذه الفوائد لتصبح: إذا تعلمت الموسيقى ستصبح أفضل في الرياضيات. إنّ تفاؤل الباحثين بشأن فوائد التدريب الموسيقي لا مبرر لها وربما نشأت من سوء تفسير البيانات التجريبية السابقة».

وأضاف المؤلف المشارك فرناند جوبت: «مع ذلك قد يكون التدريب الموسيقي مفيدًا للأطفال، فقد يساهم في تحسين المهارات الاجتماعية أو تعزيز الثقة في النفس، وقد تساهم بعض عناصر تعليم الموسيقى مثل تدوين النوت الموسيقى في تسهيل التعلم في تخصصات أخرى».

الوقت لمواجهة الموسيقى:

كثيرًا ما ادعت الأبحاث السابقة أن تعلم كيفية عزف الموسيقى قد يؤثر على مجالات أخرى من حياة الطفل ويوفر تقدمًا تعليميًا. واعتُقد أن التدريب على الموسيقى قادر على تعزيز القدرات المعرفية العامة مثل الذكاء والذاكرة ما يساعد على تطوير القدرات المعرفية أو الأكاديمية الأخرى غير الموسيقية، عرفت هذه الظاهرة باسم «نقل التعلم» وتحدث عندما تساعد المهارات المكتسبة في مجال معين على تعزيز القدرات المعرفية العامة الأخرى، فيُقال إن التعلم انتقل من مجال في حياة الطفل إلى مجال آخر، لذلك على سبيل المثال قيل سابقًا إن تعلم العزف على آلة موسيقية قد يساعد في تعزيز إنجاز الطفل في الرياضيات. لكن عند مراجعتنا تبيَّن أنه أمر غير مرجح، فلا يعزز التدريب الموسيقي مهارات الطفل المعرفية أو الأكاديمية. وذلك لأن الرابط بين المهارة الموسيقية والقدرة المعرفية العليا قد يكون مجرد علاقة.

ببساطة ليس من الضرورة أن يصبح الناس أكثر ذكاءً فقط لتعلمهم كيفية العزف على البيانو أو الغناء في جوقة، لكن يمكننا القول أن الأشخاص الأكثر ذكاءً هم أكثر عرضة للانخراط والتفوق في الأنشطة الذهنية كالموسيقى. لذا كون الموسيقيين بالغالب أكثر ذكاءً من عامة الناس لا يثبت أن مهارة الموسيقى تنتقل إلى قدرات أخرى.

الغناء والرقص:

عمومًا تُظهر مراجعتنا تأثيرات صغيرة للتدريب الموسيقي على المهارات المعرفية للأطفال وتحصيلهم الأكاديمي. ولكن عند مقارنتها بنشاط آخر مثل الفنون الجميلة لا تظهر أي فوائد مهمة للتدريب الموسيقى، لذلك إن كان التدريب الموسيقي لا يوفر أي مزايا مقارنة بدروس الدراما مثلًا فمن المحتمل أن تكون الفوائد الملحوظة ناتجة عن المشاركة في نشاط جديد، وليس الموسيقى على وجه الخصوص، وذلك لأن القيام بشيء ممتع وغير مألوف يؤدي إلى حالة من الإثارة لدى التلاميذ بصرف النظر عن النشاط الذي يقومون به. وقد تؤدي مثل هذه الإثارة مؤقتًا إلى أداء أفضل في الاختبارات المعرفية وفي المدرسة، ولهذا السبب من العدل القول إننا لا نرى تعليم الموسيقى يقدم أي فائدة حقيقية لمهارات الأطفال.

ولا شك أن الموسيقى -وإن لم تحسن القدرات المعرفية والنتائج التعليمية- ما تزال إحدى الطرق الرئيسية التي يعبر بها البشر عن مشاعرهم وإبداعهم. إنها لغة عالمية يمكن الجميع فهمها والاستمتاع بها، فما يزال لدينا الكثير من الأسباب الوجيهة لتدريس الموسيقى بأنواعها وأداءها والاستماع إليها.

ينوه المؤلفون إلى العدد القليل جدًا من الدراسات التي أجريت للتوصل إلى نتيجة نهائية حول الآثار الإيجابية المحتملة لتعليم الموسيقى على الخصائص غير الأكاديمية أو المعرفية، قد تكون السبل المحتملة البديلة التي تتضمن أنشطة موسيقية جديرة بالاستكشاف.

اقرأ أيضًا:

تساعد الموسيقى في تطور أدمغة الأطفال حديثي الولادة

لماذا نلجأ عند الحزن إلى الموسيقى الحزينة؟

لماذا نتوقف عن استكشاف أنواع موسيقى جديدة بعد سن الثلاثين؟

الاستماع للموسيقى يقضي على الألم ويخفف الالتهاب

ترجمة: منذر جمال الدين

تدقيق: وائل حجازي

المصادر: theconversation, medicalxpress