وُلِد توماس جيفرسون في 2 أبريل 1743 في شادويل- فرجينيا وتوفي في 4 يوليو 1826 في مونتاسيلو- الولاية نفسها.

اعلان الاستقلال (من اليسار إلى اليمين) بنجامين فرانكلين، جون آدامز، وتوماس جيفرسون يناقشون مسودة إعلان الاستقلال، 1776. مكتبة الكونغرس، واشنطن العاصمة

اعلان الاستقلال (من اليسار إلى اليمين) بنجامين فرانكلين، جون آدامز، وتوماس جيفرسون يناقشون مسودة إعلان الاستقلال، 1776. مكتبة الكونغرس، واشنطن العاصمة

صاغ جيفرسون إعلان استقلال الولايات المتحدة، وكان أول وزير أمريكي للخارجية (1789-1794) ونائب الرئيس الثاني (1797-1801) والرئيس الثالث (1801-1809) ورجل الدولة المسؤول عن ضم لويزيانا إلى الولايات. هو أيضًا مدافع سابق عن الفصل الكامل بين الكنيسة والدولة، وكان مؤسس جامعة فرجينيا، وزعيمًا أمريكيًا فصيحًا، نادى بالحرية الكاملة بوصفها القيمة العليا التي قامت من أجلها الثورة.

إعلان الاستقلال، لوحة لجون ترمبل، 1818، في مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة، واشنطن العاصمة

إعلان الاستقلال، لوحة لجون ترمبل، 1818، في مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة، واشنطن العاصمة

لفترة طويلة عُدَّ جيفرسون رسول الحرية الأمريكية، أما العالم الأكاديمي فقد أخضعه لرقابة نقدية متزايدة. على المستوى الشعبي في كل من الولايات المتحدة والعالم الخارجي، بقي جيفرسون رمزًا لامعًا وأيقونة تتطلع إليها الأحزاب السياسية الكبرى الأمريكية، إضافةً إلى المنشقين عن الصين الشيوعية والمصلحين الليبراليين في وسط أوروبا وشرقها والديمقراطيين الطموحين في إفريقيا وأميركا اللاتينية. تأثرت صورته في الأوساط الثقافية والأكاديمية بتركيز هذه الأوساط على المساواة العرقية، أدّت عملية إعادة النظر إلى تقييم جيفرسون تقييمًا سلبيًا لتأييده للعبودية وقناعته بهيمنة الجنس الأبيض وسيادته على المجتمع الأمريكي. التناقض الواسع بين تشدقه العاطفي بالمُثل والنماذج الليبرالية وبين واقع حياته جعله من أكثر الرموز الأمريكية إثارةً للجدل. كُرِّم جيفرسون بإنشاء صرح يحمل اسمه في العاصمة واشنطن في 13 أبريل 1943، تزامنًا مع الذكرى المئتين لمولده.

نصب جيفرسون التذكاري، واشنطن العاصمة

نصب جيفرسون التذكاري، واشنطن العاصمة

حياته الباكرة:

وُلِد توماس جيفرسون في مقاطعة ألبيرمارل، عند سفوح جبال بلوريدج التي كانت تُعَد مقاطعةً غربية من أولد دومينون. كان والده، بيتر جيفرسون، مسَّاحًا علّم نفسه وأسس إقطاعية أنيقة تضم 60 عبدًا. وفقًا لتقاليد العائلة، كانت أولى ذكريات جيفرسون وهو بعمر الثالثة موضوعًا على وسادة يحملها عبد عندما انتقلت العائلة من شادويل إلى توكاهو. كانت والدته، جين راندولف جيفرسون تنتمي لأبرز عائلات فرجينيا، وقد ربَّت ابنين -توماس أكبرهما- وست بنات. ثمة ما يدل على أن علاقة جيفرسون بوالدته كانت متوترة، خصوصًا بعد وفاة والده عام 1757، إذ إنه لم يدخر جهدًا ليهرب من إشراف والدته، إضافةً إلى عدم ذكرها في مذكراته. سافر جيفرسون مع معلمه ليتعلم اللاتينية واليونانية حتى 1760، ثم التحق بكلية ويليام وماري في ويليامزبرج.

وفقًا لجميع الروايات، كان جيفرسون طالبًا نهمًا، فغالبًا كان يقضي 15 ساعة بمطالعة كتبه و3 ساعات بالتدرب على عزف الكمان، والساعات الست المتبقية بين الطعام والنوم. أبرز من أثر في تعلم جيفرسون كان ويليام سمول، مدرس رياضيات أسكتلندي الأصل، وجورج ويث، حقوقي في فرجينيا. تعلم جيفرسون منهما الاعتراف بفضل معلميه الداعمين.

وبناءً على هذا المفهوم، أسس لاحقًا جامعة فرجينيا. درس جيفرسون القانون على يد ويث بين عامي 1762 و1767، ثم غادر ويليامزبرج ليمارس المهنة. غالبًا ما كان يدافع عن مزارعين صغار من المقاطعات الغربية في قضايا مثل سندات الملكية ومطالبات الأراضي. ومع أنه لم يتعامل مع قضايا كبيرة وكان يبدو متحدثًا عصبيًا وبطريقةٍ ما غير مبالٍ قبل بدء المحاكمة، اكتسب جيفرسون سمعةً بأنه حقوقي عظيم. وكان في شبابه رجلًا خجولًا وجديًّا لأقصى درجة.

سنة 1768، اتخذ قرارين مهمين، أولهما بناء منزله الخاص على قمة جبل مرتفع قرب شادويل، وأطلق عليه مونتايسلو، وثانيهما الترشح لعضوية مجلس النواب، في تجسيد لحافزين متنافسين سيستمران طوال حياته، وهما الجمع بين النشاط السياسي والعزلة الدورية في ملاذه الخاص. كان توقيت بداية مهنته السياسية ممتازًا، فقد دخل المجلس التشريعي في فرجينيا بوصفه معارضًا لسياسات الضرائب في البرلمان البريطاني التي كانت في تزايد. ومع أنه ألقى خطابات قليلة وكان أميل إلى اتباع نهج نخبة تايد ووتر الموالية لبريطانيا، كان دعمه للقرارات التي تعارض سلطة البرلمان على المستعمرات حازمًا.

مونتايسلو، قرب شارلوتسفيل-فيرجينيا

مونتايسلو، قرب شارلوتسفيل-فيرجينيا

في بدايات سبعينيات القرن الثامن عشر، كانت شخصيته أيضًا تزداد قوة. سنة 1772 تزوج مارثا وايلز سكيلتون، أرملة جذابة وشابة ورقيقة، كان مهرها يفوق ما يملكه جيفرسون من أراض وعبيد. سنة 1774 كتب تلخيصًا لوجهة نظره في حقوق أمريكا البريطانية، سرعان ما نُشِر دون إذنه، وذاع صيته خارج فرجينيا بوصفه مؤيدًا للاستقلال الأمريكي عن سلطة البرلمان في المستعمرات الأمريكية، التي تتبع بريطانيا العظمى -حسب اعتقاده- طواعيةً فقط بناءً على الولاء للملك لا أكثر.

ومن ثم تعززت سمعته، إذ عيَّنه المجلس التشريعي في ولاية فرجينيا مندوبًا إلى مؤتمر فيلاديلفيا الثاني في ربيع 1775. ركب جيفرسون عربته إلى فيلادلفيا -ومن ثم إلى تخليد اسمه في التاريخ الأمريكي- في 20 يونيو 1775، كان رجلًا طويل القامة (1.88 متر) ذا شعر أشقر محمر وعينين عسليتين وبشرة مصقولة، ويقين راسخ بالقضية الأمريكية. تجلَّت المفارقة الكبرى في حياته، فالرجل الذي كان في العام التالي يصيغ البيان الأشهر عن المساواة البشرية في التاريخ، وصل في عربة مزخرفة تجرها أربعة خيول أنيقة المظهر بصحبة ثلاثة عبيد.

توماس جيفرسون، لوحة لتشارلز ويلسون بيل، 1790

توماس جيفرسون، لوحة لتشارلز ويلسون بيل، 1790

التقاعد:

خلال 17 سنة الأخيرة من حياته، حافظ توماس جيفرسون على جدول مزدحم ونشط، فكان يستيقظ فجرًا يوميًا ويغتسل بالماء البارد ثم يقضي الصباح في مراسلاته (ذات عام أحصى كتابة 1268 رسالة) ويعمل في حديقته. بعد ظهر كل يوم كان يتجول في أرضه مدة ساعتين. كان العشاء -الذي يُقدَّم في وقت متأخر بعد الظهر- عادةً مناسبةً ليجتمع مع ابنته مارثا وأطفالها الاثني عشر إلى جانب الزوار الذين لا يخلو منزله منهم. أصبح مونتايسلو في الوقت الحالي فندقًا يستضيف أحيانًا خمسين ضيفًا. دفع افتقار المنزل إلى الخصوصية جيفرسون إلى بناء منزل منفصل في عزبته في بيدفورد على بعد 140 كم من مونتايسلو، حيث كان يلجأ من آن إلى آخر طلبًا للعزلة.

اقرأ أيضًا:

كيف حققت القيادات النسائية نجاحًا في التصدي لجائحة كورونا؟

دراسة للحمض النووي تكشف التاريخ المروع لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر