الحس المرافق

باستخدام تقنيات مسح الدماغ الحديثة والأساليب الجينية الجزيئية، يقترب الباحثون من فهم مصدر الظاهرة الحسية الغريبة التي تُسمى الحس المرافق.

نظرة عامة

الحس المرافق هو حالة عصبية، يؤدي فيها ورود معلومات التي تحفّز إحدى الحواس إلى تحفيز حواس أخرى.

يعود أصل كلمة الحس المُرافق (Synesthesia) إلى الكلمتين اليونانيتين (Synth) التي تعني «معًا» و(ethesia) التي تعني «الإدراك»، إذ يستطيع من يملك هذه الصفة أحيانًا أن «يرى» الموسيقا ألوانًا عند الاستماع إليها، أو أن «يتذوق» الملمس مثل الكروي أو المدبب عند تناول الطعام.

لا يزال الباحثون غير واثقين من مدى شيوع هذه الحالة، إذ تقترح دراسة أُجريت عام 2006 أن الحس المرافق يصيب 2-4% من البشر.

أمثلة للحس المرافق

إن امتلكت الحس المرافق، ستلاحظ أن حواسك تميل إلى التشابك مانحةً إياك بُعدًا آخر في إدراك العالم من حولك، ففي كل مرة تقضم قطعة طعام، قد تشعر بشكل مجسم كروي أو حاد أو مربع. وحين تمتلك مشاعر نحو شخص تُحبّه، قد تستطيع إغلاق عينيك ورؤية ألوان محددة في مجالك البصري.

قد تقرأ الآن هذا المقال مع وجود سلسلة من الأصوات في رأسك، ما يعطي كل جملة شخصيةً مستقلةً كأنك تتحدث مع شخص في الطريق. كل هذه التجارب هي أمثلة للحس المرافق.

يقول البروفيسور شون داي، عالم اللغويات من الجامعة الوطنية المركزية في تايوان، الذي يرى ألوانًا عندما يتذوق الطعام: «يُنتج طعم اللحم ضوءًا أزرق داكنًا، ويظهر لون أخضر ليموني مع خطوط حمراء متموجة عندما آكل المانجو، ويُشكّل الحبار بالزنجبيل المطهو على البخار كرةً كبيرةً من الرغوة البرتقالية الزاهية على بعد أربعة أقدام أمامي مباشرة».

الحس المرافق: حين تسمع الألوان وترى الأصوات وتتذوقها - ماذا تسمى الحالة التي تجعل الشخص قادر على سماع الأصوت وتذوقها - تحفيز الحواس

أسباب الحس المرافق

تشكل ظاهرة الحس المرافق للعلماء مسألةً محيرة، إذ تؤكّد الدراسات أن الظاهرة بيولوجية المنشأ، فهي تلقائية وغير مكتسبة ومختلفة عن الهلوسات، ومتوارثة ضمن العائلة، وتشيع عند النساء أكثر من الرجال. لكن حتى وقت قريب كان العلماء يخمّنون فقط أسباب الحس المُرافق.

يمتلك الأشخاص هذه الظاهرة عادةً عند ولادتهم أو يُطورونها باكرًا في الطفولة، ويمكن اكتسابها في عمر متقدم. تدل الأبحاث أن الحس المُرافق قد يُورث جينيًّا.

أما الآن، تبشّر أدوات مسح الدماغ والدراسات الجينية الجزيئية وعلم السلوكيات بكشف الآليات التي تسبب الحس المرافق، ويأمل الباحثون في فهم أعمق لكيفية عمل الإدراك والوعي في الدماغ.

تحفز كل من حواسك الخمس منطقةً مختلفةً من الدماغ، مثلًا، ينشط النظر إلى جدار أصفر ساطع اللون القشرة البصرية الأولية في المنطقة الخلفية من الدماغ، أما في حالة الحس المرافق، قد تشعر بطعم في فمك عندما تنظر إلى الجدار كأنك تتذوق لونه.

لن تنشط القشرة البصرية الأولية فقط بواسطة الألوان، بل سينشط الفص الجداري أيضًا الذي يخبرك عن مذاق شيءٍ ما. لذلك يظن الباحثون أن من يخضعون للحس المرافق يملكون درجةً عاليةً من التشابك بين أجزاء الدماغ مرتبطةً بالمحفزات الحسية.

أثبتت دراسة لمجموعة بارون كوهين حديثًا أن الظاهرة ليست ثابتةً عبر الوقت فحسب، بل إنها قابلة للقياس في الدماغ. وجد الباحثون باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ازديادًا في نشاط القشرة البصرية عند سماع أصوات لدى من يملكون الحس المرافق، ولم تظهر هذه النتائج عند الأناس العاديين.

يقترح بارون كوهين وزملاؤه أن الحس المرافق ينتج عن ازدياد عدد الوصلات العصبية في الدماغ بسبب جيني. طبيعيًا، تقع الوظائف الحسية المختلفة في مناطق مختلفة في الدماغ، مع عدد محدود من الاتصالات بينها. يفترض الفريق أن بنية الدماغ مختلفة في حالة الحس المُرافق ، إذ يمتلك دماغ من يملكون هذه الظاهرة عددًا أكبر من الوصلات بين الخلايا العصبية، ما يؤدي إلى غياب تخصص كل منطقة بوظيفة واحدة كالمعتاد، فيظهر الحس المرافق.

اقترحت البروفيسورة في علم النفس دافني مورير من جامعة ماكماستر أن كل البشر يُولدون مع الوصلات العصبية التي تسمح بالحس المرافق، لكن معظمنا يفقدها مع النمو. يوضح البروفيسور في علم النفس بيتر غروسينباتشر من جامعة ناروبا أنه من المرجح أن يكون أصل الحالة جينيًا، وقد تعاون هو وفريقه مع علماء الدراسات الجينية الجزيئية لبحث المسألة، لكن غروسينباتشر وزملاءه يفترضون وجود آلية مختلفة، يعلق غروسينباتشر: «لا نحتاج إلى افتراض وجود بنية غير طبيعية من الاتصالات لتفسير الحس المرافق». بدلًا من ذلك يظن أن الاتصالات التي تعود بالمعلومات من المناطق متعددة الوظائف الحسية العليا إلى المناطق الحسية المتخصصة غير مثبّطة كما يجب. يُسمح في الحالة الاعتيادية للمعلومات من هذه المناطق العليا بالعودة إلى المنطقة المتخصصة بهذه المعلومات فقط، لكن في دماغ من يملك الحس المُرافق تتعطّل هذه الآلية، ما يسمح باختلاط الحواس المختلفة.

يظن غروسينباتشر أن فرضيته تتماشى مع حقيقة أن العقارات المهلوسة تستطيع تحفيز حالة حس مرافق مؤقتة، فبعض المواد تمكنك من تجربة حالة الحس المرافق، إذ يرفع استخدام العقاقير المهلوسة من تجاربك الحسية ويقوي الاتصال بينها. خضعت أدوية الميسكالين وسيلوسيبين وثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) لدراسات حول قدرتها على إحداث هذه الظاهرة، وتبيّن أن عقارات أخرى مثل القنب والكحول وحتى الكافيين تسبب حالة الحس المرافق مؤقتًا.

الآثار في مجالات أخرى

يمتد اهتمام علماء النفس بهذه الظاهرة إلى أكثر من مجرد دراسة بعض الأفراد الذين يملكون هذه الظاهرة. تقول لاري ماركس عالمة النفس من جامعة ييل: «يشمل الحس المُرافق عدة مجالات مألوفة لعلماء النفس. فهي تخبرنا عن طبيعة الإدراك وكيف تصبح بعض الأشياء متشابهة. قد يساعدنا الحس المرافق على فهم الآلية الكامنة في مبدأ التشابه في جهازنا العصبي». عمليًا، تساعد الأبحاث في مجال الحس المرافق على رفع الوعي حول الحالة، ما يقلل من خطر أن يظنها الأطباء علامة للمرض العقلي.

أعراض الحس المرافق

تختلف أعراض العديد من أشكال الحس المرافق. من أكثر الحالات المعروفة الحس المُرافق اللوني «غرافيم»، إذ ترتبط الحروف وأسماء أيام الأسبوع بالألوان. توجد أشكال أخرى مثل الحس المرافق الصوتي/اللوني، والحس المرافق بالأرقام، وغيرها، وقد يملك الشخص شكلًا واحدًا من الحس المرافق أو عدة أشكال.

يميل الأشخاص الذين يملكون الحس المرافق إلى إظهار الأعراض الآتية:

  •  أحاسيس متداخلة بين عدة حواس لا إراديًّا، مثل تذوق الأشكال وسماع الألوان.
  •  محفزات حسية ثابتة قابلة للتوقع تسبب التداخل الحسي، مثل ظهور حرف (أ) أحمر اللون في كل مرة ترى الحرف.
  •  القدرة على وصف الإدراكات غير الاعتيادية للآخرين.

إذا كنت تمتلك الحس المرافق، من المرجح أن الجهة اليسرى هي النصف المسيطر لديك، وأنك تهتم بالفنون المرئية والموسيقى. يبدو أن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا في الإناث مقارنةً بالذكور.

علاج الحس المرافق

لا يوجد علاج لهذه الظاهرة. أفاد من يمتلكها أنهم يستمتعون بإدراكهم للبيئة المحيطة بطريقة مغايرة لما يدركه العامة، وعلى العكس، يشعر البعض بأنهم منعزلون عن الآخرين بسبب هذه الحالة، إذ يجدون صعوبةً في شرح تجربتهم الحسية لأنها صعبة الوصف. يساعد إيجاد مجتمعات ممن يعانون الحس المرافق على الإنترنت على تخفيف الشعور بالعزلة.

تساعد استشارة مختص بالصحة العقلية أيضًا على رؤية ما تضيفه هذه الظاهرة إلى حياتك، فعوضًا عن امتلاك جانب مسيطر لدماغك، قد تجد جانبي دماغك متناغمين جيدًا ما يساعدك على أداء العمل الذي تحبه.

كشف حالة الحس المرافق

يمكنك إجراء تقييم مجاني على الإنترنت للتحقق هل تملك الحس المرافق أم لا. لكن يجب التعامل مع النتيجة بحذر. يمكنك بدء عملية التشخيص بأن تسأل نفسك بعض الأسئلة إذا شعرت أنك تمتلك هذه الحالة. هل يخصص عقلك لونًا محددًا للحرف (أ) عندما تتخيل رؤيته؟ تحرّ باقي حروف الأبجدية، تخيل كل حرف ولاحظ اللون الذي تراه به ودوّن ذلك. أعد التمرين بعد ساعة أو ساعتين، هل يظهر الحرف باللون نفسه في كل مرة تتخيله؟ إذا كان كذلك فأنت غالبًا تمتلك الحس المرافق.

شغّل موسيقا كلاسيكية وأغلق عينيك. اختر أغنية غير مألوفة لك ثم استرخ ولاحظ ما يظهر في مجالك البصري، ما لون الموسيقا؟ هل تحمل كل آلة لونًا خاصًا بها؟ هل تظهر مكونات بصرية واضحة مترافقة مع ما تسمعه؟ إذا حدث ذلك فأنت تملك الحس المرافق غالبًا.

خاتمة

يمكنك أن تحظى بحياة طبيعية مع الحس المرافق. يمتلك العديد من المشاهير هذه الظاهرة مثل كانيي ويست وفاريل ويليامز وماري جي بليج وتوري أموس وسواهم. يُظن أن الرسامَين فينسنت فان غوخ وجون ميتشيل امتلكوا الحس المرافق. يضيف سماع الألوان وقراءة الألوان في كلمات على ورقة بُعدًا إضافيًا للحياة يحلم به كثيرون.

اقرأ أيضًا:

ماذا يحصل إذا تناول مكفوف دواء مهلوسًا LSD ؟

تذوّق الألوان والأشكال وسماعها

إعداد: حيان شامية

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصادر: healthline, apa