إن التعلم الآلي صعب. عادةً، لا تعمل الخوارزميات في حالات استخدام معين، أو قد لا تعمل على الوجه الأمثل، ما يؤدي إلى عمليات تصحيح جديّة. وعملية إيجاد الخوارزمية المثالية -مجموعة القواعد التي على الحاسوب اتباعها لإتمام عملية ما- قد تكون طويلة. لا يمكنك اختيار الخوارزمية المثالية إن لم تكن موجودة بالأساس، وبعض الحلول قد لا تتبادر للعقل البشري ببساطة.

هذا يعني أن عملية انتقاء الخوارزميات وتنقيحها مملة، ونوعًا ما ضحلة. وهنا يظهر دور الأتمتة.

التعلم الآلي الأتوماتيكي هو فرع بحثي متخصص في الأساليب والعمليات التي تعمل على جعل التعلم الآلي أوتوماتيكيًا، فلا تقتصر الاستفادة منه على الخبراء فقط.

وفقًا لجوجل، توصّل أحد فرق علماء الحاسوب لديهم إلى ابتكار أسلوب جديد للتعلم الآلي الأتوماتيكي، قد يتمكن من إنتاج أفضل خوارزمية للقيام بمهمة أوتوماتيكيًا. لُخّص البحث الجديد في ورقة نُشرت حديثًا.

يمكن تلخيص الفرضية كما يلي: ابتُكر نظام جديد يُسمى «التعلم الآلي الأوتوماتيكي صفر»، يمكنه تكييف الخوارزميات لعدة أنواع من المهام، وتحسينها باستمرار عبر عملية تطورية تشبه التطور الدارويني، ما يقلل قدر التدخل البشري اللازم. يُسبب التدخل البشري وجود تحيز في الأنظمة -ومن ثم محدودية البرمجة- ما يحد من النتائج في نهاية المطاف. تحاول جوجل خلق سيناريو يستطيع فيه الحاسوب أن يجول حرًا ويبدع إن جاز التعبير.

إستيبان ريال، مهندس برمجيات في جوجل برين، قسم الأبحاث والذكاء الآلي، الكاتب الرئيس للبحث، طرح هذا التشبيه لمجلة Popular Mechanics: «افترض أنك تريد تصميم منزل. إذا كان لديك غرف مبنية مسبقًا، ستكون مهمتك سهلة، لكنها مقيدة بالغرف الموجودة، أما إذا بدأت بالقرميد والمِلاط، ستكون مهمتك أصعب، لكن سيكون لديك حيز أكبر للإبداع».

اعتمدت أبحاث التعلم الآلي سابقًا بدرجة كبيرة على التدخل البشري. بحوث العمارة العصبية مثلًا -التي تجعل تصميم شبكة عصبية أوتوماتيكيًا، كما يدل الاسم- تعتمد على طبقات معقدة وضعها خبراء لتكوّن حجر الأساس للشبكة العصبية الجديدة. إذن فهي أساسًا تعليمات مبرمجة يدويًا، أو برامج تُملي على الحاسوب ما يجب فعله.

هكذا ستطور الخوارزميات ذاتها - هل ستتمكن الخوارزميات يوما ما من تطوير نفسها بنفسها - ما هو التعلم الآلي الأتوماتيكي - الخوارزميات الجينية

أما التعلم الآلي-صفر الخاص بجوجل فيستخدم الرياضيات حجرًا أساسيًا لبناء الخوارزميات الجديدة، عوضًا عن المكونات التي برمجها البشر.

تسهل لغات البرمجة عملية بناء البرامج. الآلات تفهم الأرقام، تحديدًا الرمز الثنائي، واللغات تعمل وسيطًا بين المبرمج والآلة. هكذا لا يضطر البشر لقضاء اليوم بأكمله لتحويل الأوامر إلى مجموعات من الصفر والواحد.

لكن خيار اللغة وكيفية تمثيلها في لغات البرمجة يسمح للانحياز بالتدخل، وفقًا لأرماندو سولار-ليزاما، بروفيسور مساعد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، غير المشارك في البحث. وهو يقود مجموعة البرمجة بمساعدة الحاسوب لدى المعهد، التي تركز على أتمتة عملية البرمجة.

صرح سولار-ليزاما بأن ورقة جوجل الجديدة تحاول اكتشاف: كيف يمكن باستخدام لغة بسيطة قائمة على الرياضيات جعل الأشياء التي تكتشفها خالية من الانحياز الناتج من خيارات اللغة؟ إذ يعني الانحياز محدودية الخيارات.

بالعودة إلى تشبيه المنزل الخاص بريال، تخيل أنك تبني بيتك من غرف كاملة، وكل ما تعرفه هو الأسلوب الروماني. حينها سيكون بيتك مليئًا بالأعمدة، والساحات السماوية والبرك، لن تستطيع أن تبدع مبنى إمباير ستيت أو كنيسة سيستين، لكن إذا بدأت بالمواد الأولية فحسب، فلن تكون مقيدًا بأسلوب محدد.

يعترف ريال وفريقه بأنه رغم كل الجهود المبذولة، لن يخلو البرنامج من الانحياز. مثلًا، قد تحوي العملية الرياضية المختارة انحيازًا ضمنيًا، بناءً على معرفة الباحثين المسبقة بخوارزميات التعلم الآلي.

الخوارزميات الجينية

لاكتشاف خوارزميات جديدة، يبدأ التعلم الآلي-صفر بـ 100 خوارزمية عشوائية، تُنتجها سلسة من العمليات الرياضية. ثم يبحث النظام في الخوارزميات لاختيار الأفضل منها، التي ستنتقل إلى المرحلة التالية، مثل عملية تمرير البشر للجينات الأفضل عبر الزمن في لعبة البقاء للأصلح.

هنا تمارس الخوارزميات نوعًا من مهام التعليم الآلي، كتمييز الدراجات عن الشاحنات، مثل الاختبار الذي تجريه لتثبت أنك لست روبوتًا. يقيّم التعلم الآلي-صفر فعالية كل خوارزمية، بإتمام مهمة معينة، ثم يطوّر أفضلها لتنتقل إلى المرحلة التالية.

تُقارن الخوارزميات الجديدة بالخوارزمية الأم لاختبار فعاليتها في إتمام المهام. تُكرر العملية باستمرار حتى تنتصر الطفرات الأفضل وتنتقل إلى الخوارزمية النهائية.

في النهاية، قد يبحث النظام عبر 10،000 شكل محتمل في الثانية الواحدة، مع القدرة على تخطي الخوارزميات السابقة. استخدم الباحثون مجموعة بيانات صغيرة بدلًا من كميات معقدة من المعلومات، ما يجعل العمل إثباتًا للمفهوم.

لتنفيذ ذلك، يستخدم التعليم الآلي-صفر ما يُعرف بـالخوارزميات الجينية، الموجودة منذ الثمانينيات، ولكن قل استخدامها عمومًا. إذ تعمل بأفضل ما يمكن عادةً في البيئات غير المنتظمة، حيث لا يعمل أي شيء آخر، وغالبًا ما تنتج رمزًا لا يمكن قراءته وتصعب هندسته عكسيًا، إضافةً إلى أنها تنتج رموزًا طويلة جدًا.

يقول سولار-ليزاما: «كلما زاد طول الرمز الذي تحاول إنتاجه، تزيد فرصة تسلل خطأ إليه. قد يمثل الاختلاف في حرف واحد بين رمزين، أحدهما هو المطلوب تمامًا، والآخر لا يعمل، وتلك مشكلة عامة في تركيب البرنامج».

مع هذا، لا تزال الخوارزميات الجينية منطقية في هذه الحالة، كونك لا تريد كبح خيارات الحاسوب.

مشكلة التدرج

طوّرت جوجل سابقًا لغة برمجة خاصة بها، سُميت «سحابة التعلم الآلي-صفر»، التي تجعل تدريب نماذج التعلم الآلي أسهل وبخبرة بشرية محدودة. لكن التعلم الآلي-صفر يبدو خطوةً تجاه تدخل بشري أقل.

سيكون تدرج هذا الأسلوب تحديًا، وفقًا لسولار-ليزاما. لأن التعلم الآلي-صفر يستخدم علم الحساب، بدلًا من لغات أكثر تعقيدًا، لا توجد تعليمات تساعد النظام على التعامل مع مشكلة واجهها في نسخ سابقة بسرعة. بل عليه البدء من الصفر كل مرة، وتلك ليست الطريقة المُثلى.

لتخطي مشكلة التدرج، يقول سولار-ليزاما إن على الباحثين اعتماد مبدأ «فَرِّق تَسُد» في الأعمال المستقبلية. بفصل جزء من البرنامج عن جزء آخر، قد ينجح التعلم الآلي-صفر. سيكون هذا ضروريًا لإيجاد التوازن بين استخدام علم الحساب المجرد بوصفه حجرًا أساسيًا، والتعليمات الرصينة التي قد تنجز مزيدًا من العمل، لكنها قد تتضمن الانحياز.

إذا درجت جوجل النظام وسمحت للآلات ببناء الخوارزميات، قد يعني هذا تطويرًا أسرع بكثير للتطبيقات، وترجمة اللغات، ومعالجة الفيديو، وغير ذلك. قد تدعم المطورين والمشاريع الصغيرة للاستفادة من قدرات التعلم الآلي دون الحاجة إلى توظيف فريق علماء بيانات كامل.

اقرأ أيضًا:

ما هو التعلم الآلي Machine learning؟

الإنسان مقابل الآلة.. هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يصنع علمًا؟

ترجمة: معتز صبرة

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر