من الآثار غير الشائعة لعدوى كوفيد-19 «التشوش الفكري»، نوع من الاختلاط العقلي الذي قد يحصل عند المرضى المصابين بأمراض خطيرة، وأحيانًا يستمر فترةً طويلة بعد الشفاء. اكتشفت دراسة جديدة دليلًا عصبيًا محتملًا لمجموعات من الخلايا غير العادية في أدمغة مرضى كوفيد-19.

قال الدكتور ديفيد نوين، المؤلف الرئيس للدراسة، الأستاذ المساعد في قسم علم الأمراض بجامعة جونز هوبكنز: «في هذه الحالة يشعر المرضى بتشوش وارتباك في أفكارهم. عندما تكون متعبًا ومثقلًا جدًا، ولا يبدو أن نشاطك العقلي يعمل جيدًا كالمعتاد. أُبلغ عن هذا العرَض لدى المرضى المصابين بكوفيد-19، الذين لا يزالون تحت الرعاية، واستمر ذلك في أثناء مرحلة الشفاء الطويلة».

قال نوين: «ظننا أن الأمر يرجع إلى شيء يؤثر في الدماغ، إذ نعلم أن الفيروسات الأخرى قد تؤثر في الدماغ، مسببةً آثارًا عصبية شديدة أحيانًا».

بدأ نوين وفريقه بفحص أدمغة المرضى الذين توفوا نتيجة الإصابة بكوفيد-19.

في الفترة بين أبريل ومايو 2020، أُجري تشريح لأدمغة جثث 15 مريضًا من مرضى كوفيد-19 اختيروا عشوائيًا، واثنين توفوا لأسباب أخرى.

قال نوين: «لم نرَ أي من العلامات المعتادة للمرض الفيروسي بالدماغ، مثل الالتهاب والخلايا اللمفاوية (نوع من خلايا الدم البيضاء)».

كانت المفاجأة وجود خلايا غير عادية في الشعيرات الدموية، هي الخلايا النوّاء (كبيرة النواة)، التي لم تُلاحَظ في الدماغ سابقًا.

قال نوين: «تعيش الخلية النوَّاء عادةً في نخاع العظام، حيث تُصنع خلايا الدم الحمراء وسواها، وهي تساعد الصفيحات الدموية لتعمل على التجلط، من أجل شفاء الجروح، ولكن من غير المألوف حقًا أن نراها في الشعيرات الدموية في الدماغ، لأن الشعيرات الدموية هي مثل أنابيب صغيرة تنقل الأكسجين في جميع أنحاء الدماغ، لذلك فإن العثور على هذه الخلايا الكبيرة في تلك الأنابيب هو مثل العثور على كرة قدم محشورة في أنبوب صغير جدًا في منزلك، ما سيمنع عبور أي شيء».

دراسة جديدة تفسر التشوش الفكري عند بعض مرضى كورونا - الآثار غير الشائعة لعدوى كوفيد-19 «التشوش الفكري»، فما سببه؟ الاختلاط العقلي لدى مرضى كورونا

وجد فريق الدراسة خلايا نوَّاء في أدمغة ثلث مرضى كوفيد-19 المتوفين.

إذن هل يفسر تشكيل الدماغ للخلايا النوّاء التشوش الفكري المصاحب لمرض كوفيد-19؟ أكد نوين أنه من السابق لأوانه وصف النتائج بأنها دليل على علاقة سببية بين الأمرين.

أضاف: «معرفة أن الخلايا النوّاء موجودة في الدماغ هي خطوة أولى، نحتاج الآن إلى معرفة سبب وجودها هناك، وهل ثمّة ما يشير إلى أن وصولها إلى الدماغ هو بالخطأ؟ وهل هذا النوع المختلف جدًا من الالتهاب الذي لم نره مسبقًا مسؤول عن التشوش الفكري، أو يساهم في زيادة خطر الإصابة بسكتة دماغية؟».

قال نوين: «لم يُصَب أي من هؤلاء المرضى بسكتات دماغية، لكن يمكن توقع أنه إذا بدأ تخثر أو انسداد في هذه الشبكة المعقدة جدًا من الشعيرات الدموية المنظمة بدقة، سيزداد ضغط دمك، ما سيزيد خطر الإصابة بسكتة».

تحفظ الدكتور لاري غولدشتاين -رئيس قسم علم الأعصاب في جامعة كنتاكي- على النتائج، وقال: «التشوش الفكري ليس حالة محددة وليس له معايير تشخيصية محددة. لا يرتبط ظهور التشوش الفكري بمرض كوفيد-19 فقط، بل قد يصحب مجموعة متنوعة من الحالات الالتهابية والأمراض التنكسية والأدوية -مثل العلاجات الكيميائية للسرطان- ودخول وحدة العناية المركزة بالمستشفيات».

حتى الآن لا نعرف هل قد تكون الخلايا النواء هي سبب هذه الحالة؟ اعترف غولدشتاين بأن التفسير «معقول»، لكن توجد أيضًا مجموعة واسعة من التفسيرات الأخرى، متضمنةً الالتهاب وانخفاض الأكسجين في الدم والسكتة الدماغية وانخفاض تدفق الدم، أو المضاعفات العامة لدخول المستشفى بسبب مرض حاد يهدد الحياة.

في غياب فحوصات الدماغ، والتقارير التفصيلية عن الحالة المعرفية -الإدراكية- لكل مريض، يصعب الجزم بالأمر. ما يمكن قوله في الوقت الحالي أنه توجد العديد من الطرق التي قد تحدث بها إصابات الدماغ في هذه الحالة.

اقرأ أيضًا:

سبع علامات قد تشير إلى أنك أصبت بكوفيد-19 دون أن تعلم

هل الاختبارات السريعة للكشف عن الأجسام المضادة لكوفيد-19 دقيقة ويمكن الوثوق بها؟

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر