حاول معظمنا حتى الآن خداع روبوت محادثة، فسألناه إن كان لديه مشاعر، أو حللنا له ألغازًا مستحيلة، أو طرحنا عليه أسئلةً سخيفة لنرى كيف سيستجيب. لكن ماذا يحدث عندما يواجه روبوت محادثة هراءً لغويًا محضًا؟

هذا ما أراد عالم النفس اللغوي مايكل فيتيفيتش اكتشافه. أجرى فيتيفيتش، الأستاذ في قسم النطق واللغة والسمع بجامعة كانساس، دراسةً جديدةً زوّد فيها برنامج «شات جي بي تي» (ChatGPT) بسلسلة من «الكلمات غير المفهومة»، أصوات مُختلقة ومجموعات حروف تُستخدم في علم النفس المعرفي لاستكشاف كيفية معالجة الناس للغة.

يقول فيتيفيتش: «بصفتي عالم نفس لغوي، كان من بين الأشياء التي قمت بها سابقًا تزويد الناس بمعلومات غير مفهومة لمعرفة كيفية استجابتهم لها، معلومات غير مفهومة مصممة خصيصى لفهم ما يعرفونه. حاولت استخدام أساليبنا مع الناس لتقدير كيفية أدائهم لما يفعلونه، وفعل الشيء نفسه مع الذكاء الاصطناعي لمعرفة كيفية أدائه لما يفعله».

وجد فيتيفيتش من خلال التحدث بلغة غير مفهومة مع شات جي بي تي أن الذكاء الاصطناعي يتفوق في التعرف على الأنماط، ولكن ليس دائمًا بالطريقة ذاتها اللي يتبعها البشر.

يقول فيتيفيتش: «يكتشف شات جي بي تي أنماطًا، لكنها ليست بالضرورة الأنماط ذاتها التي يستخدمها الإنسان لأداء المهمة نفسها. نحن نفعل الأشياء بشكل مختلف تمامًا عن طريقة عمل الذكاء الاصطناعي وهذه نقطة مهمة، فلا بأس أن نفعل الأشياء بشكل مختلف. إن الأشياء التي نحتاج إلى مساعدة فيها، هي المكان الذي يجب أن نصمم فيه الذكاء الاصطناعي ليوفر لنا شبكة أمان».

اختبر فيتيفيتش شات جي بي تي على كلمات إنجليزية لم تعد مستخدمة، ما يسمى «الكلمات المنقرضة». مثل (upknocking)، وهي وظيفة من القرن التاسع عشر حيث كان الناس ينقرون على النوافذ لإيقاظ الآخرين قبل أن يوجد المنبه.

حدد شات جي بي تي 36 مصطلحًا من بين 52 مصطلحًا قديمًا بشكل صحيح، اعترف بعدم اليقين في 11 مصطلحًا، واستقى من لغات أخرى في ثلاثة مصطلحات. أما في اثنين فقد اختلق بعض الكلمات.

يقول فيتيفيتش: «لقد هلوس بالفعل ببعض الأشياء. طلبنا منه تعريف هذه الكلمات المنقرضة، وقد أصاب في عدد كبير منها، أما في مجموعة أخرى، قال: نعم، لا أعرف ما هذا. هذه كلمة غريبة أو كلمة نادرة جدًا لم تعد مستخدمة. ولكن بعد ذلك في اثنتين منها، اختلق بعض الكلمات. أعتقد أنه كان يحاول أن يكون مفيدًا».

كان التحدي التالي صوتيًا. أعطى فيتيفيتش برنامج شات جي بي تي مجموعة من الكلمات الإسبانية وطلب منه الرد بكلمات إنجليزية متشابهة في النطق، وهي مهمة تُستخدم لاستكشاف كيفية تخزيننا الذهني لأصوات الكلام واستيعابها.

«إذا أعطيتك كلمة إسبانية وطلبت منك أن تعطيني كلمة تُشبهها في النطق، فأنت متحدثًا باللغة الإنجليزية، ستعطيني كلمة إنجليزية تُشبهها في النطق. لن تُغير اللغة معي وتُعطيني شيئًا من لغة مختلفة تمامًا، وهذا ما فعله شات جي بي تي». طلب الباحثون أيضًا من شات جي بي تي ابتكار كلمات إنجليزية جديدة للمفاهيم الحديثة.

يقول فيتيفيتش: «استخدم الذكاء الاصطناعي كلمات (sniglets) وهي كلمات غير موجودة. مثال على ذلك المكنسة الكهربائية التي لا تستطيع أن تمتص خيط رفيع من على الأرض فتمررها عليه مرارًا وتكرارًا حتى تمتصه، هذا الموقف قد ابتكر شات جي بي تي مصطلحًا خاصًا به وأسماه (Carperpetuation)».

قام روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي بعمل مثير للاهتمام نوعًا ما وفقا لفيتيفيتش. بعد مطالبة شات جي بي تي بكلمات جديدة تطابق مفاهيم معينة، وجد أنه غالبًا ما يعتمد على طريقة متوقعة لدمج كلمتين. يقول فيتيفيتش: «كانت كلمتي المفضلة هي (rousrage) أي للغضب الذي يُعبّر عنه عند الاستيقاظ».

بمطالبة الروبوت بكلمات غير مفهومة، يهدف فيتيفيتش لفهم أفضل للطرق الفريدة -والغريبة أحيانًا- التي يعالج بها الذكاء الاصطناعي اللغة. يرى أن الأمر لا يتعلق بمحاكاة الإدراك البشري، بل بتحديد المكان الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمل فيه نقاط قوتنا اللغوية.

اقرأ أيضًا:

قد يصبح لدينا ذكاء اصطناعي فائق بحلول عام 2029!

تطوير ذكاء اصطناعي جديد مزود بخلايا من الدماغ البشري

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر