أصبح استنساخ صوت شخصًا ما أسهل من أي وقت، فقد تمكن باحثون من استنساخ الأصوات فقط عبر تسجيل صوتي لا يتعدى الخمس ثواني. وكل ذلك تحت مسمى تقنية التزييف العميق.

لقد عدت لتوك إلى المنزل بعد يوم عمل طويل، وحين كنت على وشك تناول العشاء اتصل بك فجأةً شخص من أحبابك سواءً كان والديك أو طفلك أو صديق الطفولة يطلب منك إرسال المال لهم فورًا.

تسأل بعض الأسئلة في محاولة منك لفهم الأمر. ولكن يوجد خطب ما في أجوبتهم، سواءً أكان شيئًا مريبًا أو يخالف ما عهدته في شخصياتهم، أو شيئًا آخر أشبه وكأنهم يتأخرون في التحدث أو يفكرون ببطء. لكنك على الجانب الآخر متأكد من أن الشخص العزيز عليك هو المتحدث؛ إنه صوتهم الذي تعرفه، ومعرف المتصل أيضًا قد أظهر رقمهم. ولكن نظرًا لخوفك عليهم ترسل الأموال مباشرةً إلى الحساب البنكي الذي أعطوك إياه.

في اليوم التالي، تتصل بهم لتتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، ولكن شخصك العزيز الذي ترجاك ليلة أمس لإرسال الأموال إليه لا يعرف شيئًا عن الموضوع. وهذا ببساطة لأنهم ليس هم من حدثوك ليلة أمس. لقد وقعت في فخ نوع خاص من التقنيات يسمى التزييف العميق للصوت. الآلاف من الناس قد وقعوا ضحية بطريقة مماثلة عام 2022.

كباحثين في أمن الحاسوب، نرى أن التقدم الجاري في التعلم العميق للخوارزميات وهندسة تعديل الصوت وتخليق الصوت الاصطناعي، ينبئ بتزايد احتمالية تخليق صوت يحاكي أصوات الأشخاص.

والأسوأ من ذلك فإن روبوتات الدردشة مثلما نرى في ChatGPT بدأت في خلق نصوص واقعية مع ملائمة ردودها في الزمن الحقيقي، وبالجمع بين تلك التقنيات مع تقنية تخليق الصوت، تبدأ تقنية التزييف العميق، فيحدث ذلك من مجرد تسجيل صوتي إلى بث مباشر حي للصوت يمكنه إجراء مكالمة هاتفية وإقناعك.

لا تعد تقنيات التزييف عالية الجودة سواءً للفيديوهات أو التسجيلات الصوتية بتلك السهولة. إذ يتطلب الأمر مهارات تقنية عالية، ومعالجات حاسوبية قوية، وعينة ضخمة من الصوت المستهدف لتخليق صوت يماثله.

ولكن تتزايد الخدمات التي تقدم إنتاج صوت مستنسخ من متوسط إلى عالي الجودة مقابل رسوم معينة، وبعض تقنيات التزييف العميق لا تتطلب أكثر من عينة مدتها دقيقة أو حتى ثوان قليلة لتنتج نسخ صوتية تحاكي الصوت المستهدف وخداع إحدهم بما يكفي. ولكن إقناع شخص بانتحال الشخصية مثلًا، سيحتاج إلى عينة ضخمة من صوته لإتمام ذلك.

ولمواجهة المشكلات المطروحة، اجتمع باحثون متعددون في مشروع التزييف العميق التابع لمعهد روتشستر للتكنولوجيا وجامعة ميسيسيبي وجامعة ولاية ميشيغان، ويعملون بجهد ليكونوا قادرين على تحديد الصوت والفيديو المزيفين، والحد من الضرر الذي ينتج عن تلك التقنية، وبإمكانك حماية نفسك ببعض الإجراءات المباشرة أيضًا.

بالنسبة للمبتدئين فإن عمليات التصيد من خلال الصوت كعملية الاحتيال الموصوفة أعلاه هي الأكثر احتمالية لعملية تزييف الصوت التي نراها في الحياة الواقعية، في عام 2019 احتيل على شركة لإنتاج الطاقة بما يقارب 243000 دولار، إذ حاكى المجرمون صوت رئيس الشركة للطلب من موظف تحويل الأموال إلى مورد ما. في عام 2022 خُدع كثير من الناس وقاربت المبالغ المسروقة منهم نحو 11 مليون دولار، كل ذلك فقط من خلال محاكاة أصوات الأشخاص الذين نحبهم.

حسنًا والآن ماذا يمكننا أن نفعل للتصدي لذلك؟

يجب أن تكون منتبهًا للمكالمات غير المتوقعة، حتى لو كانت من أعزائك. وهذا لا يعني أن تجدول كل مكالماتك اليومية ولكن من الأفضل إخبارهم بإرسال بريد إلكتروني أو رسالة نصية أولًا. وكذلك لا تثق بمعرف المتصل الخاص بك، فحتى ذلك قابل للتزييف. فإذا تلقيت مكالمة مثلًا من شخص يدعي أنه ممثل البنك الخاص بك، عليك تعليق مكالمته والاتصال بالبنك مباشرةً لتأكيد رسمية المكالمة. تأكد من حصولك على رقم البنك الذي تتعامل معه وحفظه في قائمة الاتصال أو بإمكانك إخراج رقمه من محرك البحث جوجل.

بالإضافة لذلك يجب أن تكون حريصًا حول معلوماتك الشخصية، كرقم الضمان الاجتماعي وعنوان المنزل، وتاريخ الميلاد ورقم الهاتف واسمك الأوسط، وحتى أسماء أطفالك وحيواناتهم الأليفة يجب أن تكون حريصًا حيالها. فقد يستخدم المحتالون تلك المعلومات لانتحال شخصيتك للبنوك وغيرها للحصول على ثروتك وتدميرك.

يوجد هنا أيضًا نصيحة أخرى: اعرف نفسك، ويقصد بذلك على وجه الخصوص معرفة تحيزاتك الفكرية والعاطفية ونقاط ضعفك. تلك نصيحة لحياة أفضل عمومًا، ويعد ذلك مفتاحًا لحماية نفسك من الخداع. إذ يسعى المحتالون دائمًا للحاق بمخاوفك، ومن ثم ينقضون على مخاوفك المالية أو استغلال تحيزاتك السياسية أو ميولك الأخرى أيًا كانت.

كل ذلك يعد طرقًا فعالة للتصدي لأولئك المحتالين الذين يستخدمون تزييف الصوت، فبوسعم استخدام تقنيات تزييف الصوت لتأكيد تحيزاتك، أو ما تميل إلى تصديقه حيال شخص ما، فهم يسخّرون كل ذلك للتمكن من إقناعك.

وعمومًا، إذا سمعت صوت شخص مهم، سواءً أكان من مجتمعك أو من الحكومة يقول شيئًا غير متوقع، أو يأكد مخاوفك حوله، فمن الحكمة أن تكون أكثر حذرًا.

اقرأ أيضًا:

كل ما تحتاج معرفته حول مخاطر تقنية التزييف العميق

طريقة جديدة لاكتشاف مقاطع الفيديو المركبة أو المزيفة بنسبة 99%

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر