قد يُثير قضاء الوقت وحيدًا المخاوف لدى الكثير من الناس، وهو أمر مفهوم، في الوقت نفسه، غالبًا ما يُساء فهم الفرق بين وقت العزلة والوحدة. تُحدثنا الطبيبة النفسية تويفي نوين في هذا المقال عن بحثها المتعلق بالعزلة الذي استمر عشر سنوات.

تُعرف نوين العزلة بأنها الوقت الذي يقضيه الفرد لوحده ولا يتفاعل خلاله مع الآخرين. وأشارت النتائج المتعلقة بالوقت الذي يقضيه الشباب وحدهم إلى أنهم غالبًا ما يعانون من مزاج أقل من المعتاد.

عادةً توصف السعادة بأنها إثارة وحماس ونشاط، وذلك على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيون أو الموسيقى التي نسمعها على، فمن هذا المنظور غالبًا ما يُخلط بين العزلة والوحدة.

يعرّف الباحثون في علم النفس الوحدة بأنها شعور بالإحباط يعاني منه الفرد عندما لا يملك روابطًا اجتماعية، أو يكون غير قادر على ممارسة العلاقات الاجتماعية التي يأملها، أما العزلة فهي أمر مختلف.

في حين أن تعريف العزلة قد يختلف من فرد لأخر، فإن المثير للاهتمام هو أنه بالنسبة للكثيرين لا تعني العزلة بالضرورة عدم وجود أي شخص آخر يُحيط بالفرد.

بدلاً من ذلك، قد يجد الكثير من الناس العزلة في الأماكن العامة، سواء أكان ذلك بالجلوس مع كوب من الشاي في مقهى مزدحم أو قراءة كتاب في حديقة، وأشارت نوين إلى أنّ أخذ بعض الوقت للفرد مع نفسه قد يكون له تأثير إيجابي في المزاج اليومي.

لقد عانى كثير من الناس مشكلات في العمل، أو لم تسر الأمور كما هو متوقع، أو كثرت الأعباء والشعور بالإرهاق، ترى نوين أنه يجب على كل فرد أن يتعلم أخذ القليل من الوقت لنفسه، أو لحظة من العزلة، قد تساعده في التعامل مع هذه المشاعر.

ما الفائدة من العزلة؟

تضمن بحث نوين سلسلة من التجارب تدرس طلابًا جامعيين، طلبت منهم الجلوس بهدوء مع أنفسهم في غرفة، في بعض الحالات، أخذت حقائبهم وهواتفهم وطلبت منهم الجلوس مع أفكارهم، وفي حالات أخرى بقي الطلاب في الغرفة مع الكتب أو الهواتف.

بعد 15 دقيقة فقط من بقائهم بمفردهم، تبين أن أي مشاعر قوية كان يشعر بها المشاركون (كالقلق أو الإثارة) قد انخفضت، فاستنتجت نوين أنّ العزلة لديها القدرة على خفض مستويات الإثارة عند الناس، ما يعني أنها قد تكون مفيدة في المواقف التي يشعر بها الفرد بالإحباط أو الهياج أو الغضب.

قد يفترض الكثير من الناس أنّ الانطوائيين فقط هم من سيتمتعون بالعزلة، ولكن الفكرة الصحيحة هي أن الانطوائيين قد يفضلون أن يكونوا وحدهم لكنهم ليسوا الوحيدين الذين يستطيعون جني فوائد العزلة.

في استطلاع شمل أكثر من 18000 بالغ حول العالم، اختار أكثر من نصفهم العزلة بوصفها أحد الأنشطة الرئيسية التي ينخرطون فيها من أجل الاسترخاء. لذلك يجب ألا يمنع الفرد نفسه من قضاء بعض الوقت منعزلًا حتى يهدأ وإن كان اجتماعيًا.

قد يكون الجلوس مع الأفكار الشخصية صعبًا

أصعب ما قد يعانيه الفرد عند قضاء الوقت منعزلًا، هو أنه قد يكون هذا الوقت مملًا وقد يشعر الفرد بالوحدة أحيانًا. إذ يجد الكثير من الناس أن الجلوس مع أفكارهم الشخصية قد يكون صعبًا، ويفضلون القيام بشيء ما بدل ذلك.

في الواقع، قد يؤدي إجبار أنفسنا على الجلوس وعدم القيام بأي شيء إلى إيجاد وقت العزلة أقل متعة، لذلك قد يفضل الفرد أن يكون لديه نوع من الأنشطة التي يقوم بها خلال وقت العزلة.

أعطت نوين المشاركين خيارين في الدراسة، إما عدم القيام بأي شيء أو قضاء وقتهم في فرز المئات من أقلام الرصاص الصغيرة في الصناديق، وذلك بعد أن طُلب منهم البقاء بمفردهم مدة عشر دقائق، اختار معظم المشاركين فرز أقلام الرصاص.

ترى نوين أن هذا هو نوع النشاط الذي سيجده معظم الناس مملًا، ومع ذلك فإن اختيار القيام بالمهمة المملة ينبع من الرغبة في البقاء منشغلًا عندما لا يحيط الآخرون بالفرد لشغل مساحته العقلية.

لذلك، من الشائع أن يُمرر الفرد إصبعه على شاشة هاتفه في كل مرة يكون لديه بضع لحظات من العزلة، وعلى الناس ألّا يقسوا على أنفسهم، فكثير منهم يلجؤون إلى هذه الطريقة للتعامل مع التوتر والملل. بينما يفضل آخرين قضاء وقتهم بمفردهم للقيام بالأعمال المنزلية اليومية، مثل الذهاب للتسوق من البقالة أو غسيل الملابس، وهذا هو وقت العزلة الصحيح.

الانخراط وحيدًا في أنشطة ممتعة

من المثير للاهتمام خجل الكثير من الناس من الانخراط في أنشطة ممتعة بمفردهم، كالذهاب إلى السينما أو تناول وجبة في مطعم. قد يكون هذا الخجل لأنهم يميلون إلى التفكير في أنها أنشطة تُقام مع الأصدقاء والأشخاص المقربين، لذا فإن القيام بها بمفردهم قد يجعلهم يحكمون على أنفسهم ويشعرون بالوعي الذاتي.

قد يكون السفر وحيدًا مثالًا آخر لهذه الأنشطة، وقد يكون مخيفًا خاصةً بالنسبة للنساء، لكن الميزة الأساسية للسفر وحيدًا هي فرصة إيجاد الهدوء، والحصول على حرية اختيار ما يجب القيام به وكيفية القيام بذلك.

خلال الوقت الذي قضته في دراسة العزلة، تحدت نوين نفسها للقيام ببعض هذه الأنشطة الممتعة في لحظات عزلتها، ووجدت أن هذه التجربة حررتها إلى حدٍ ما. وتتمتع نساء أخريات بتجارب مماثلة، خاصةً عند السفر، ما جعلهنّ يشعرن بالقوة والتحرر.

نحتاج إلى التعرف على فوائد العزلة، وأن ننظر أليها بوصفها خيارًا إيجابيًا لا أمرًا يطرأ علينا. وبينما يبدو خيار السفر وحيدًا أمرًا مبالغًا به قليلًا لبعض الناس، فإن قضاء بعض الوقت منفردًا خلال الجدول اليومي المزدحم هو ما نحن في حاجة إليه تمامًا.

اقرأ أيضًا:

الشعور بالاكتئاب أو الوحدة يمكن أن يسرع الشيخوخة أكثر من التدخين

هل يقع اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي في شعور الشباب بالوحدة؟

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر