قد تبدو إنفلونزا الطيور أمرًا جديدًا لعامة الناس، لكن هذا المرض، المعروف علميًا باسم إنفلونزا الطيور شديدة العدوى (HPAI)، بدأ بإصابة الطيور منذ القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك، ومنذ حينها، أدّت دورًا في ظهور بعض الأوبئة عند البشر.

فعلى الأقل ترتبط بها إصابات جائحة الإنفلونزا في عام 1918. ولو كان العلماء قادرين على تحليل مياه الصرف الصحي قبل مئات السنين، لربما اكتشفوا أن الفيروس كان موجودًا منذ فترة أطول بكثير.

تقول كاثرين بولز بوصفها طبيبة الأمراض المعدية في مركز ميلتون س. هيرشي في ولاية بن الحكومي الصحي، إن فهم تاريخ إنفلونزا الطيور قد يساعدنا على كشف المخاطر المحتملة لحدوث وباء في المستقبل.

وتضيف بولز: «دائمًا ما أقول للناس أن الإنفلونزا هي أكثر ما يقلقني من ناحية احتمال حصول وباء».

فيما يلي تسلسل زمني لما نعرفه عن تاريخ إنفلونزا الطيور شديدة العدوى (HPAI).

عام 1878: اكتشاف طاعون الدواجن في الطيور الداجنة

لاحظ طبيب بيطري في شمال إيطاليا زيادة كبيرة في نفوق الدواجن في عام 1878. ونظرًا لقلة المعرفة بالفيروسات حينها، أُطلق على المرض اسم طاعون الدواجن. في البداية، لم يلاحظ الناس وجود فرق بينه وبين كوليرا الطيور، وهو مرض تسببه البكتيريا.

وبحسب شرح أندريا برينزي بوصفها علم الأحياء الدقيقة السابقة في مستشفى الأطفال في كولورادو، كان القلق في ذلك الوقت يرتكز على مصادر رزق الناس، وليس على صحة الإنسان.

في القرن التاسع عشر، كان هذا المرض كفيلًا بأن يتسبب في كارثة مالية لمربي الدواجن. وتقول برينزي التي تشغل أيضًا منصب مديرة طبية ميدانية للشؤون الطبية الأمريكية في شركة بيو ميريو للتقنيات الحيوية: «لم يكن القلق موجّهًا على احتمال انتقال المرض إلى البشر أساسًا».

مع إن هذه الحادثة في إيطاليا تُعد أول إشارة معروفة إلى المرض، فمن المرجح أن إنفلونزا الطيور كانت تسبب مرضًا للطيور منذ زمن أطول.

عام 1901: التعرّف على فيروس إنفلونزا الطيور

بحلول عام 1901 تمكّن العلماء من معرفة أن سبب طاعون الدواجن هو فيروس. وتمكنوا من ذلك بملاحظة قدرة العامل المسبب على المرور عبر مصفاة (لأن الفيروسات أصغر بكثير من البكتيريا، لذا يمكنها المرور بسهولة أكبر).

انتشر المرض لاحقًا إلى شرق النمسا وألمانيا، ثم إلى بلجيكا وفرنسا، غالبًا عن طريق تجّار الدواجن المتنقّلين.

عام 1918: وباء أُشير له لاحقًا بإنفلونزا الطيور

وسط الدمار والفوضى التي سبّبتها الحرب العالمية الأولى، اندلع وباء إنفلونزا حصد أرواحًا أكثر مما تسببت به المعارك نفسها. وبحسب بولز يُعد هذا أول وباء إنفلونزا موثق جيدًا، وسبب وفاة ما بين 50 إلى 100 مليون شخص حول العالم.

تقول برينزي: «تلك السلالة كانت شديدة التأثير في الأصحّاء من الناس؛ إذ كانت الاستجابة المناعية عنيفة جدًا».

وفيما بعد، كشفت التكنولوجيا أن الفيروس كان من نوع H1N1 الشبيه بفيروسات الطيور.

العشرينيات: عدوى متفرّقة بين الطيور

تسبّبت إنفلونزا الطيور في عدوى متفرّقة بين أسراب الطيور حول العالم. ففي الولايات المتحدة، أصاب المرض أسواق الطيور الحيّة في مدينة نيويورك خلال شتاء عامي 1924-1925.

ولأسباب مجهولة، سُجِّل عدد قليل فقط من حالات العدوى خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

عام 1957: ربط الباحثين بين فيروسات البشر والطيور

بحلول أواخر الخمسينيات، كانت إنفلونزا الطيور قد أثّرت في الدواجن في أوروبا وروسيا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.

وتراوح عدد الطيور المصابة بشكل كبير، من أسراب صغيرة في مزرعة واحدة إلى عشرات الآلاف من الطيور.

في عام 1957، ظهر فيروس إنفلونزا جديد من أصل طيري، وتسبّب في وباء أودى بحياة أكثر من مليون شخص حول العالم، بينهم 116,000 في الولايات المتحدة. ولأول مرة، أشارت دراسة إلى وجود صلة بين البشر وإنفلونزا الطيور، بعد أن وُجد تشابه بين الفيروس الجديد وفيروس موجود في الديوك الرومية.

وفي نفس الفترة تقريبًا، أدرك العلماء أن الطيور البرية قد تحمل فيروسات الإنفلونزا كمستودعات، وتأكدوا من ذلك لاحقًا باختبارات الدم في عام 1968.

عام 1968: دمج الإنفلونزا الموسمية مع إنفلونزا الطيور يسبب وباء

في عام 1968، امتزج فيروس الإنفلونزا الموسمية مع فيروس إنفلونزا الطيور ليشكّلا فيروسًا جديدًا قادرًا على إصابة البشر. وقد تسبّب الوباء الناتج بوفاة مليون شخص حول العالم وحوالي 100,000 شخص في الولايات المتحدة.

وهذا الامتزاج، الذي يُسمّى بإعادة التوزيع الجيني، يُعرف بأنه غالبًا ما يكون العامل الذي يمهّد الطريق لوباء جديد.

عام 1981: اعتماد مصطلح إنفلونزا الطيور

في أبريل 1981 اجتمع المؤتمر الدولي الأول من أجل إنفلونزا الطيور في ماريلاند، واتفق الباحثون على التخلي عن مصطلح طاعون الدواجن واستبداله بالمصطلح الأكثر دقة: إنفلونزا الطيور الشديدة العدوى (HPAI).

عام 1996: أول حالات وفاة بشرية معروفة بسبب H5N1

في عام 1996، حُدّدت سلالة جديدة من إنفلونزا الطيور، H5N1، عند الطيور المائية في جنوب الصين. أدت 18 إصابة في البشر إلى ست حالات وفاة، وهي أول حالات وفاة بشرية معروفة بسبب فيروس H5N1.

وقالت برينزي: «كان الفيروس فتاكًا حقًا، وبدأ الناس بملاحظة ذلك».

عام 2005: إنفلونزا الطيور أكبر قلق صحي عالمي

أدت زيادة المراقبة إلى اكتشاف تفشيات متعددة لإنفلونزا الطيور بين الطيور والبشر تضمنت سلالات جديدة أو غير معروفة. ففي عام 2009، اكتُشِف فيروس H1N1 في البشر. وانتشر الفيروس الجديد من الولايات المتحدة إلى مختلف أنحاء العالم، مما بيّن أيضًا أن إنفلونزا الطيور قد تنتقل عبر مضيفين وسطاء (وفي هذه الحالة، الخنازير).

وأصبح المرض أخيرًا محل اهتمام عام: حيث أظهرت دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2005 أن إنفلونزا الطيور تُعد أكبر قلق صحي عالمي.

عام 2022: من الطيور إلى حيوان المِنك إلى البشر

عندما أصيبت حيوانات المِنك في مزرعة في إسبانيا بفيروس H5N1، على الأرجح نتيجة تعرضها للطيور، أثار ذلك قلق علماء الفيروسات. كانت هذه إشارة إلى أن الفيروس قد ينتقل بسهولة من حيوان لآخر.

وفي أوائل عام 2023، ثبتت إصابة اثنين من العاملين في المزرعة بفيروس H5N1.

تقول بولز: «هنا بدأت بإعطاء اهتمام كبير … عندما ينتقل الفيروس من حيوان إلى إنسان، هناك فرصة أكبر أن يتحول إلى سلالة جديدة قد تتسبب في وباء … الإنفلونزا تحدٍ حقيقي لأنها تتغير طوال الوقت».

عام 2024: أول حالة معروفة لانتقال الفيروس من الأبقار إلى البشر

في ربيع عام 2024، أُبلِغ عن إصابة أبقار حلوب بفيروس H5N1 في مزارع بولايات كانساس وتكساس. وفي شهر أبريل، ثبتت إصابة أحد عمّال المزارع بالفيروس، وهو ما يُعد أول حالة معروفة لانتقال H5N1 من الأبقار إلى الإنسان.

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بلغ عدد الحالات البشرية المؤكدة في الولايات المتحدة بحلول يناير 2025 نحو 67 حالة، بينها حالة وفاة واحدة. وقد أظهرت الفحوصات أن الفيروس تطور بعد إصابة الشخص في ولاية لويزيانا.

تقول برينزي: «هذا النوع من التطورات يثير الكثير من القلق».

وتتفق بولز معها قائلة: «حتى إن لم يكن هذا الفيروس بالتحديد، فإن التاريخ يُخبرنا أنّ الوباء القادم سيكون بسبب فيروس إنفلونزا».

اقرأ أيضًا:

أنت مُصاب بالانفلونزا! هل تذهاب إلى الطبيب أم تنتظر كي تتعافى؟

هل اقتربنا من الحصول على لقاح ابدي للانفلونزا؟

ترجمة: علي صبح

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر