في ديسمبر 2024، خابت الآمال بشأن إبرام اتفاقية عالمية تاريخية للحد من تلوث البلاستيك، بعدما توقفت المفاوضات في كوريا الجنوبية. كان من أبرز المعارضين لهذه الاتفاقية دول منتجة للنفط، مثل السعودية وروسيا، اللتين طالبتا بنهج أكثر مرونة فيما يتعلق بأي حدود قانونية لإنتاج البلاستيك.

جاء فشل التوصل إلى اتفاق رغم التحذيرات العلمية المتزايدة بشأن أخطار تلوث البلاستيك. على مدار العامين الماضيين، كشفت الدراسات وجود جزيئات البلاستيك الصغيرة في الدماغ والدم والأنسجة المشيمية للإنسان.

هذه الجزيئات، التي تتشكل من تحلل النفايات البلاستيكية الأكبر، ترتبط بالكثير من المشكلات الصحية، مثل الالتهابات والاضطرابات الهرمونية والمخاطر الصحية الطويلة الأمد مثل السرطان. إضافةً إلى تأثيراتها السلبية على الصحة البشرية، يواصل البلاستيك إلحاق الضرر بالنظم البيئية البحرية، إذ عُثر على جزيئات بلاستيكية صغيرة في جليد القطب الشمالي وفي أجسام الأسماك والطيور.

تنبع هذه النتائج المقلقة من زيادة متسارعة في إنتاج البلاستيك. إذ نما الإنتاج العالمي للبلاستيك مئتي مرة بين عامي 1950 و2015، من مليوني طن إلى 381 مليون طن، ووتيرة النمو آخذة في التسارع.

أكثر من نصف البلاستيك المُنتَج في تاريخ البشرية صُنع في ربع القرن الأخير، ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج مرتين إلى ثلاث مرات بحلول عام 2050. ومع زيادة الإنتاج، يتزايد أيضًا حجم النفايات البلاستيكية.

أُعيد تدوير أقل من 10% من البلاستيك المُنتَج طوال التاريخ، ويُتوقع أن يتضاعف حجم «البلاستيك غير المُدار» أي البلاستيك الذي لا يُعاد تدويره بحلول عام 2050.

إذن أصبح البشر أشبه بحطام عضوي في عالم بلاستيكي من صنع الإنسان. رغم زيادة الوعي بالمشكلات المرتبطة بالبلاستيك، يوجد خطأ أساسي في كيفية تفكيرنا بشأن البلاستيك بوصفه منتجًا.

إذ يكون التركيز غالبًا على البلاستيك، أزمة التلوث المرتبطة به وإعادة تدويره، وليس كونه جزءًا أساسيًا من عالمنا المعتمد على الوقود الأحفوري. هذه رواية تُروج لها شركات النفط الكبرى، مثل شركة إكسون موبيل الأمريكية، التي صرحت قبل القمة الكورية: «المشكلة في التلوث، وليست في البلاستيك ذاته».

مشكلة هذه النظرة أنها تتجاهل حقيقة أن البلاستيك هو منتج بترولي، أي مادة مشتقة من النفط. في الواقع، يرتبط مستقبل الوقود الأحفوري بتزايد بمستقبل البلاستيك. إذ قُدّر أنه بحلول عام 2040، سيشكل البلاستيك 95% من نمو الطلب على النفط.

قد يفسر ذلك حضور 220 من ممثلي لوبيات الوقود الأحفوري في المفاوضات الخاصة بالمعاهدة، متفوقين على جميع الوفود الأخرى. بالمثل يوضح سبب قيادة السعودية، صاحبة إحدى أكبر شركات البتروكيماويات في العالم، المعارضة ضد أي قيود عالمية على إنتاج البلاستيك.

المشكلة التي نواجهها ليست فقط وجود لوبيات النفط، بل الدور المنهجي للبلاستيك ضمن النظام الرأسمالي. للبلاستيك والصناعة البتروكيماوية دور محوري في تحول الرأسمالية العالمية منذ منتصف القرن العشرين.

يصف كتاب «الرأسمالية المطلقة» كيف كان إنتاج السلع في الماضي يعتمد على المواد الطبيعية التي تتطلب جهدًا كبيرًا مثل الخشب والقطن والمعادن. ثم فصل ابتكار البلاستيك والمواد الاصطناعية الأخرى إنتاج السلع عن الطبيعة.

أصبح النفط أكثر من مجرد وقود، فقد أصبح المادة التي سيطرت على حياتنا اليومية. ومع انفصال الرأسمالية عن الطبيعة، قلَّ الزمن اللازم لإنتاج السلع، وانتهت الحدود التي كانت تفرضها الطبيعة على حجم السلع المنتجة وتنوعها.

مع هذا التحول، أصبح الاستهلاك يرتبط بمفهوم قابلية التخلص من المُنتَج وتقادم السلع. مكَّن البلاستيك من تجسيد السمات الأساسية للرأسمالية المعاصرة: النمو غير المحدود، والتسارع المستمر في الإنتاج والاستهلاك، والتوسع المتسارع للأسواق.

ظهور الموضة السريعة هو مثال على ذلك. إلى جانب العمالة منخفضة الأجور في دول مثل بنغلاديش، أصبح إنتاج الملابس الرخيصة ممكنًا فقط مع التوسع الكبير في إنتاج البوليستر -نوع من البلاستيك- الذي حرر الصناعة من الاعتماد على إمدادات الصوف والقطن.

أصبح استهلاك البلاستيك جزءًا رئيسيًا من أزمة البيئة الحالية. بعد أن اعتدنا التفكير في النفط والغاز بوصفها قضايا تتعلق بالطاقة واختيار الوقود، غفلنا عن حجم اعتماد حياتنا على منتجات البترول.

قادت هذه المواد الاصطناعية ثورة إنتاج ما بعد الحرب، وجلبت تكنولوجيا وفَّرت العمل والاستهلاك الجماعي. أصبح من الصعب الآن تحديد أي جانب من جوانب الحياة لم يتغير جذريًا نتيجة وجود البلاستيك والبتروكيماويات الأخرى.

أصبحت المنتجات البلاستيكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. هذه المفارقة هي ما يجب أن نواجه بالكامل إذا أردنا التحول عن استخدام الوقود الأحفوري.

اقرأ أيضًا:

كيف ستؤثر رئاسة ترامب في الأسواق؟

أسواق المال والفيدرالي الأمريكي: كيف سيؤثر عام 2025 في الاستثمار والتضخم؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر