يُعد الرجفان الأذيني أحد اضطرابات نظم القلب الشائعة، ويثير اهتمام الباحثين نظرًا إلى احتمال ارتباطه بعدة حالات صحية أخرى، من أبرزها الخرف.
كشفت نتائج دراسة حديثة عرضها الأطباء في مؤتمر الجمعية الأوروبية لنظم القلب عام 2025، وجود علاقة بين الرجفان الأذيني وزيادة خطر الإصابة بالخرف، خاصةً لدى الأشخاص الأصغر سنًا. أكدت النتائج أهمية الكشف المبكر عن الرجفان الأذيني وعلاجه السريع، إضافةً إلى اتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من مخاطره المحتملة في المستقبل.
عنوان الدراسة: «العلاقة بين الرجفان الأذيني والخرف، مع تركيز خاص على الخرف المبكر»، وهي دراسة سكانية طويلة الأجل في كاتالونيا، بإسبانيا، أجرتها مؤسسات طبية في إسبانيا، وشارك فيها أكثر من 2.5 مليون شخص، أظهرت النتائج أن وجود الرجفان الأذيني كان مؤشرًا ضعيفًا للإصابة بالخرف.
أظهرت أيضًا أن الأشخاص المصابين بالرجفان الأذيني كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 21% حال كانوا دون سن السبعين، وتزداد نسبة الخطر في تشخيص الخرف قبل سن 65، أما في الحالات التي تخطت السبعين فلم يكن الخطر المرتبط بالخرف ذا دلالة إحصائية.
مع أن التحليل الأولي بين أن الرجفان الأذيني مؤشر قوي للإصابة بالخرف، فإن التعديلات الإحصائية اللاحقة التي أخذت في الحسبان عوامل أخرى، أضعفت من قوة هذا الارتباط، ما يشير إلى تعقيد العلاقة بين الحالتين.
هل الرجفان الأذيني يسبب الخرف؟
يشير الباحثون إلى وجود نتائج متباينة في الأبحاث العلمية التي تُجرى حول العلاقة بين الرجفان الأذيني والخرف، خاصةً أن الكثير من الدراسات تفتقر إلى تمثيل كافٍ لسكان منطقة البحر المتوسط.
وبينوا أن الحصول على المزيد من البيانات حول الفئات السكانية الفرعية قد يساعد العلماء على فهم السبب وإيجاد إجراءات وقائية محددة.
سعى العلماء لتقييم الارتباط المستقل بين الرجفان الأذيني والخرف جديد الظهور، وأجروا الدراسة على مشاركين من كاتالونيا، إسبانيا. وتمكنوا من دراسة بيانات ضخمة، من هنا جاءت أهمية هذه الدراسة.
اعتمد الباحثون في التحليل على بيانات ديموغرافية، ورموز التشخيص، وسجلات الأدوية المخبرية والوصفات الطبية، لتحديد حالات الخرف بدقة.
استطاعوا تحليل بيانات 2,458,905 شخص، بعد استثناء المرضى الذين أُصيبوا سابقًا بجلطات دماغية أو تدهور إدراكي أو خرف. ثم تقلص عدد المشاركين إلى 2,377,638 في تحليل آخر، نتيجة استبعاد من لديهم سكتة دماغية حالية أو سابقة.
كان متوسط فترة المتابعة 13 عامًا، وكان 3.25% من المشاركين مصابين بالرجفان الأذيني.
لاحظ الباحثون خلال فترة المتابعة ارتفاع معدل الإصابة بالخرف عند مرضى الرجفان الأذيني، وأظهرت التحليلات الأحادية أن الرجفان الأذيني كان مؤشرًا قويًا لاحتمال تطور حالة الخرف، لكن التعديلات الإحصائية اللاحقة قللت من قوة العلاقة.
هل الخطر يختلف باختلاف العمر؟
تبين أن الخطر يتراجع مع التقدم في العمر، في حين ارتبط الرجفان الأذيني بزيادة احتمال الإصابة بالخرف بنسبة 21% لدى من هم دون السبعين، لم يعد الخطر المرتبط بالخرف الناتج من الرجفان الأذيني ذا دلالة إحصائية لدى من تجاوزوا السبعين.
أما المجموعة الأصغر سنًا، فقد كانت معرضة لخطر متزايد بنسبة 36% للإصابة بالخرف المبكر، بلغت 52% بعد استثناء المرضى الذين تعرضوا لجلطات دماغية خلال فترة الدراسة أو قبلها.
صرح الدكتور جوليان رودريغيز-غارسيا، المؤلف الرئيس للدراسة: «تُبرز دراستنا أن الرجفان الأذيني هو عامل خطر مستقل للإصابة بالخرف خاصةً الخرف المبكر، لا سيما لدى من هم دون السبعين. وتضعف العلاقة مع التقدم في العمر، فالأشخاص الذين تجاوزوا السبعين قد تظهر لديهم عوامل أخرى لها دور أكبر في تدهور القدرات المعرفية».
ما الذي تجب دراسته مستقبلًا؟
نظرًا إلى عدم نشر الدراسة حتى الآن، فإنه يصعب تقييم جميع جوانبها. لكن الباحثين أشاروا إلى أهمية إجراء دراسات مستقبلية تشمل تنوعًا سكانيًا أوسع، لأن ذلك سيكون مفيدًا لمراجعة أدق للبيانات وتحديد العلاقة بين الرجفان الأذيني والخرف.
رغم اعتماد سجلات ووصفات الأدوية والتشخيصات الطبية، والرموز والبيانات الدوائية في تشخيص حالات الخرف، فإن نسبة إغفال بعض الحالات أو حدوث تشخيص خاطئ في بعض الأحيان ما تزال موجودة.
من المهم توضيح هدف الدراسة وهو البحث عن علاقة ارتباط بين الرجفان الأذيني والخرف، وليس إثبات أن الرجفان الأذيني يسبب الخرف.
هل العلاج المبكر للرجفان الأذيني قد يقلل خطر الخرف؟
«توجد نتائج مثيرة للاهتمام في هذه الدراسة، ومع ذلك، فهي لا توضح العلاجات المحددة التي تلقاها المرضى أو الأمراض الأخرى التي قد تكون لديهم».
«مع ذلك، يبدو أن هناك ارتباطًا قويًا بالخرف كلما كان تشخيص الرجفان الأذيني في سن مبكرة، ما يشير إلى أن الرجفان الأذيني قد يمتلك آليات قد تؤدي إلى الخرف. من الضروري إجراء دراسات أكبر تشمل مجموعات أكثر تنوعًا من المرضى، وتكون قادرة على التحكم في العلاجات المحددة مثل استخدام مضادات التخثر أو علاجات اضطرابات نظم القلب أو الاستئصال القلبي، لتأكيد العلاقة السببية بين الرجفان الأذيني والخرف».
«يجب أن تركز الأبحاث القادمة على فهم الآليات التي تجعل الرجفان الأذيني يساهم في الإصابة بالخرف، خاصة لدى الفئات الشابة. قد يوفر اكتشاف الكيفية التي يسبب من خلالها الرجفان الأذيني تغيرات في بنية الدماغ، مثل ضمور الدماغ أو الجلطات الدقيقة، رؤى جديدة. تساهم الدراسات في تقييم تأثير التدخل المبكر لعلاج الرجفان الأذيني، متضمنًا السيطرة على النظم وإدارة عوامل الخطر القلبية، على معرفة ما إذا كانت هذه الاستراتيجيات تقلل بالفعل من خطر الإصابة بالخرف على المدى الطويل».
بينت الدراسة التي أجريت على بيانات سكانية ضخمة جدًا، ضرورة الوقاية من الرجفان الأذيني بهدف التقليل من خطر الإصابة بالخرف.
«أظهرت العديد من الدراسات السابقة زيادة خطر الإصابة بالخرف لدى المرضى الذين يعانون الرجفان الأذيني. وأظهرت بعض التجارب الصغيرة إمكانية تقليل خطر تلك الإصابة باستخدام علاجات أقوى مثل الاستئصال القلبي أو العلاج طويل الأمد بمضادات التخثر. تُعد هذه الدراسة مكملة لتلك النتائج السابقة، لكن ما زال من الضروري إيجاد طريقة لتقليل خطر الإصابة بالخرف لدى المرضى الشباب المصابين بالرجفان الأذيني».
تشير الدراسة الكبيرة إلى أن الرجفان الأذيني قد يضاعف خطر الإصابة بالخرف، خاصةً لدى من هم دون السبعين، مع ارتفاع خطر الخرف المبكر.
الخلاصة:
رغم عدم قدرة الدراسات على تحديد العلاقة بين الرجفان الأذيني والخرف، يؤكد الباحثون ضرورة التشخيص والعلاج المبكر للرجفان الأذيني، ومراقبة الحالة الذهنية للمصابين بهدف تفادي خطر الإصابة بالخرف قدر الإمكان.
اقرأ أيضًا:
الرفرفة الأذينية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
اكتشاف تقنية جديدة قد تكون مفتاح علاج أمراض القلب
ترجمة: أريج حسن إسماعيل
تدقيق: إيمان جابر