يتكوَّن جسم الإنسان من عشرات التريليونات من الخلايا، وتُنتَج خلايا جديدة باستمرار مع تقدُّم الخلايا القديمة في العمر وموتها. لكن في بعض الحالات، لا يتوقّف نمو الخلايا وتكاثرها كما ينبغي.
فتبدأ خلايا شاذة في الانقسام بسرعة مفرطة، ما يُلحق الضرر بالأنسجة السليمة ويتداخل مع وظائف الجسم الحيوية. ويُعرف هذا النمو غير المنضبط وتراكم الخلايا غير الطبيعية باسم السرطان.
يوجد أكثر من 200 نوع مختلف من السرطان، ويُشخَّص سنويًا نحو 20 مليون حالة إصابة جديدة على مستوى العالم. ويُعدّ سرطان الرئة الأكثر شيوعًا عالميًا، إذ يتسبب في وفاة نحو 1.8 مليون شخص كل عام، ليكون بذلك السرطان الأكثر فتكًا على الإطلاق.
تتنوّع خيارات علاج السرطان الحديثة تبعًا لجملة من العوامل، من بينها عمر المريض وحالته الصحية العامة، إلى جانب نوع السرطان ومرحلته. وقد يوصي الأطباء في بعض الحالات باستراتيجية علاجية واحدة، بينما تتطلّب حالات أخرى مزيجًا من أكثر من علاج.
تشمل العلاجات: التدخل الجراحي لاستئصال الأورام، والعقاقير التي تستهدف بروتينات محددة في الخلايا السرطانية، إلى جانب العلاج الكيميائي أو الإشعاعي لتقليص حجم الورم ومنع انتشاره. وتوجد أيضًا علاجات تُفعّل جهاز المناعة لدى المريض لمحاربة أنواع معينة من السرطان، وتُعرف باسم العلاجات المناعية.
ما الذي يسبب السرطان؟
ينشأ السرطان نتيجة طفرات في الحمض النووي للخلايا تؤدي إلى تكاثر غير منضبط لها. وفي معظم الحالات، ينتج تطوّر السرطان عن تفاعل معقّد بين عوامل وراثية وبيئية.
بعض الطفرات الجينية الموروثة، أي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، بينما تنشأ طفرات أخرى من أخطاء تحدث في أثناء انقسام الخلايا. وتزيد الطفرات الوراثية من احتمالية تحوّل خلايا معيّنة إلى خلايا سرطانية، لكنها لا تعني بالضرورة الإصابة بالسرطان.
قد تُلحق العوامل البيئية ضررًا بالحمض النووي وتُسهِم في نشوء السرطان، ومنها التعرّض للإشعاع المؤذي أو المواد الكيميائية الموجودة في الملوّثات.
يزداد خطر الإصابة بالسرطان مع التقدّم في العمر، إذ تتراجع قدرة الجسم تدريجيًا على رصد الخلايا ذات الحمض النووي التالف والتخلّص منها. وتُسهم الشيخوخة أيضًا في تراكم الأضرار الخلوية، والالتهابات المزمنة منخفضة الشدة، وانخفاض كفاءة الجهاز المناعي، وجميعها عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان.
تختلف السرطانات التي تصيب البالغين عن تلك التي تُصيب الأطفال بنوع الخلايا المتأثرة. فغالبًا ما تنشأ الأورام السرطانية لدى البالغين في الخلايا الظهارية التي تُبطّن الأسطح الداخلية والخارجية للجسم. أما سرطانات الأطفال فتميل إلى النشوء في الخلايا الجذعية، وهي خلايا غير متمايزة قادرة على التطوّر إلى أنواع مختلفة من أنسجة الجسم، وتؤدي دورًا أساسيًا في إصلاح الأنسجة والحفاظ على صحتها.
من الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان؟
قد يُصاب أي شخص بالسرطان في أي مرحلة عمرية؛ فقد شُخِّصت بعض الحالات النادرة لدى حديثي الولادة. وتُعزى نسبة تتراوح بين 5% و10% من حالات السرطان إلى طفرات جينية موروثة تنتقل عبر الأجيال. وتؤدي هذه الطفرات إلى زيادة احتمالية الإصابة بأنواع معينة من السرطان، لكنها لا تعني بالضرورة الإصابة المؤكدة بالمرض.
ترتبط كثير من السرطانات بطفرات جينية موروثة، من بينها سرطانات الثدي والرحم والبروستات والعظام، وبعض أنواع اللوكيميا (ابيضاض الدم) واللمفوما (سرطان الغدد اللمفاوية).
وعمومًا، يُسجَّل لدى الذكور معدلات إصابة بالسرطان ووفيات أعلى من الإناث.
وترتبط بعض أنواع السرطان بعوامل خطر محددة، ويؤدي التعرّض المزمن والمتكرّر لها إلى زيادة خطر الإصابة. فمثلًا، قد يُصاب شخص سليم بالسرطان بعد التعرّض للإشعاع أو مواد كيميائية أو فيروسات معيّنة، كما هي الحال في المجتمعات القريبة من مصادر الخطر البيئي، كالمصانع ومحطات الطاقة التي تُخلّف تلوثًا بيئيًا.
عوامل نمط الحياة التي قد تزيد خطر الإصابة
توجد عوامل حياتية قابلة للتعديل قد تسهم في رفع احتمالية الإصابة بالسرطان.
فمثلًا، قد يزيد التعرّض المطوّل لأشعة الشمس فوق البنفسجية دون استخدام واقٍ شمسي مناسب خطر الإصابة بسرطان الجلد.
ويرتبط الاستخدام المتكرّر للتبغ -كالتدخين- بسرطانات الرئة والحنجرة والفم والمريء، إضافة إلى سرطانات أخرى في أجزاء مختلفة من الجسم.
ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم الحمراء والأطعمة المُعالجة بسرطان القولون والمستقيم وسرطان المعدة.
وتُشير الأدلة إلى وجود 13 نوعًا من السرطان على الأقل مرتبطة بالسمنة، من بينها سرطانات الكبد والكلى والقولون والغدة الدرقية.
ما أعراض السرطان؟
تختلف أعراض السرطان باختلاف موضعه في الجسم ومدى تقدّم الحالة. ومن الأعراض العامة:
- الإرهاق المستمر.
- الألم المزمن.
- فقدان غير مبرر للوزن.
- فقدان الشهية.
- الحمى والتعرّق الليلي.
- وجود دم في البول أو البراز.
- كدمات أو نزيف بدون سبب واضح.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ظهور هذه الأعراض لا يعني بالضرورة وجود سرطان، فقد تكون ناجمة عن حالات صحية أخرى.
قد تُشير بعض الأعراض إلى أنواع معيّنة من السرطان، ومن هذه الأمثلة:
- الشامات التي يتغيّر حجمها أو شكلها أو ملمسها قد تكون مؤشرًا على سرطان الجلد.
- قد تدل الكتل في نسيج الثدي أو تغيرات الجلد المحيطة بالحلمة على سرطان الثدي، الذي قد يصيب الذكور والإناث على حد سواء.
- قد تكون القروح الفموية المستمرة علامة على الإصابة بسرطان الفم.
- قد يُشير الصداع المزمن المقاوم للعلاجات الاعتيادية إلى وجود ورم في الدماغ.
كيف يُعالج السرطان؟
تتعدد خيارات علاج السرطان، وقد يُستخدم علاج واحد في بعض الحالات، بينما تتطلب حالات أخرى الجمع بين عدة أنواع من العلاجات. وتُصنّف العلاجات إلى نوعين رئيسيين: العلاجات الموضعية التي تستهدف الورم أو مناطق محددة في الجسم، وتشمل الجراحة والعلاج الإشعاعي. والأخرى هي العلاجات الجهازية التي تؤثر في الجسم بأكمله كالعلاج الكيميائي.
الجراحة:
تُعدّ الجراحة خيارًا فعّالًا عند وجود ورم صلب متركز في منطقة محددة من الجسم، كما هو الحال في سرطان الثدي. وفي بعض الحالات يُتخذ إجراء وقائي بإزالة نسيج سليم لكنه هشّ مهدد بالتحوّل السرطاني.
العلاج الإشعاعي:
يعتمد على تعريض الخلايا السرطانية لجرعات مرتفعة من الإشعاع بهدف تدمير الحمض النووي داخلها، ما يؤدي إلى قتلها أو تقليص حجم الورم. ويتضمن هذا العلاج عادةً عدة جلسات تمتد على مدى أسابيع.
العلاج الكيميائي:
يستخدم أدوية تُعطى بانتظام بهدف إبطاء نمو الخلايا السرطانية أو إيقافه وذلك بالتأثير في دورة حياتها.
قد يُعطى العلاج الكيميائي عن طريق الفم، أو عبر الوريد، أو موضعيًا على الجلد، أو عبر الحقن. وقد يترافق العلاج مع آثار جانبية (مثل تساقط الشعر والتعب والغثيان) نظرًا لتأثيره في خلايا الجسم كافة وليس الخلايا السرطانية فقط.
العلاج الهرموني:
تستند بعض السرطانات في نموها إلى وجود هرمونات معيّنة في الجسم، مثل بعض أنواع سرطان الثدي وسرطان البروستات.
يعمل العلاج الهرموني على تثبيط إنتاج هذه الهرمونات أو تعطيل تأثيرها، ما يساعد على إبطاء نمو الورم وتخفيف الأعراض.
العلاج المناعي:
يصعب على الجهاز المناعي أحيانًا تمييز الخلايا السرطانية عن الخلايا السليمة بسبب قدرتها على التشبه بها أو الاختباء منها.
يساعد العلاج المناعي على تحفيز الجهاز المناعي ليتعرّف على الخلايا السرطانية ويدمّرها، وذلك باستخدام أدوية خاصة.
بعض هذه العلاجات يُضعف الخلايا السرطانية لتسهيل القضاء عليها، وتشمل العلاجات المناعية أيضًا:
- استخدام أجسام مضادة صناعية.
- تعديل خلايا مناعية مأخوذة من المريض.
- لقاحات تستهدف السرطان.
- العلاج بالخلايا الجذعية (زرع نقي العظم).
يُستخدم هذا الأخير في سرطانات الدم أساسًا، إذ تؤدي جرعات عالية من الإشعاع أو العلاج الكيميائي إلى تدمير الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم. وهنا تساعد زراعة نقي العظم أو العلاج بالخلايا الجذعية على استعادة هذه الخلايا الأساسية.
علاجات أخرى:
- العلاج الضوئي الديناميكي: يتضمن استخدام دواء يُفعّل بضوء خاص لقتل الخلايا السرطانية.
- العلاج الحراري (الحراريّة): يُستخدم فيه التسخين الموضعي (مثل الموجات فوق الصوتية أو الليزر أو الموجات الراديوية) لتدمير الخلايا السرطانية.
اقرأ أيضًا:
أي أنواع السرطان أكثر تسببًا في الوفيات؟
يطور الباحثون تقنية جديدة لإعادة الخلايا السرطانية إلى خلايا طبيعية
ترجمة: حيان الحكيم
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك