قد ترتبط الالتهابات لدى الأم في أثناء الحمل بالتوحد، وذلك حسب ما اقترحت الدراسات السابقة، لكن ربما ليس بطريقة سببية.

توصلت دراسة جديدة إلى أن الالتهاب في أثناء الحمل قد يكون مرتبطًا بإنجاب طفل مصاب بالتوحد؛ وذلك لأن أمهات الأطفال المصابين بالتوحد عرضة للإصابة بالالتهاب.

تقترح النتائج أن «الالتهاب الشائع في أثناء الحمل لا يبدو أنه يزيد من خطر إصابة أطفالهم بالتوحد».

وهذا ما يقوله الباحث في الدراسة مارتن برينج، طبيب نفسي وطالب دكتوراه في الصحة العامة العالمية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم في السويد: «من المحتمل ألا تؤثر الوقاية من التهابات الأمهات في انتشار مرض التوحد بين السكان».

لقد ربط عدد كبير من الأبحاث السابقة إصابة الأم في أثناء الحمل بالتوحد والإعاقة الذهنية عند الأطفال. ومع ذلك، فقد ظل غير مؤكد ما إذا كان الأول هو سبب الأخير. على سبيل المثال، يرتبط كل من التوحد والإعاقة الذهنية بمتغيرات جينية قد تؤثر في جهاز المناعة، لذلك قد تكون أمهات الأطفال المصابين بأي من الحالتين أكثر عرضة للإصابة بالتهاب خطير.

حللت الدراسة الجديدة بيانات 549،967 طفل، بما في ذلك 267،995 فتاة، يعيشون في مقاطعة ستوكهولم وقد ولدوا بين عامي 1987 و2010. لقد تعرض حوالي 34000 من الأطفال لعدوى أمومية تتطلب رعاية صحية متخصصة، وذلك فقًا لبيانات من سجل المرضى الوطني السويدي وسجل الولادة الطبي الوطني.

يعاني 3.3% من الأطفال المستهدفين التوحد، مقارنة مع 2.5% من الأطفال غير المستهدفين، وهو ما يعني زيادة بنسبة 16% في فرصة الإصابة بالتوحد.

ولكن ارتبطت أيضًا التهابات الأم في العام السابق للحمل بفرصة أكبر بنسبة 25% للإصابة بالتوحد.

يقول برينج: «قد لا تكون الأمهات المصابات بالتهاب في أثناء الحمل قابلات للمقارنة مع الأمهات غير المصابات بالالتهاب، فقد تكون هناك اختلافات منهجية على مستوى المجموعة».

من بين 394093 طفلًا من المجموعة الذين لديهم إخوة وأخوات، يقول برينج: «لم يكن الأشقاء الذين تعرضوا لالتهاب الأمهات أكثر عرضة لخطر الإصابة بالتوحد مقارنة بأشقائهم الذين لم يتعرضوا للإصابة». في الواقع، يبدو أن التهاب الأم في أثناء الحمل مرتبط بفرصة أقل بنسبة 6% للإصابة بالتوحد لدى هؤلاء الأشقاء. فصّل العلماء النتائج التي توصلوا إليها على الإنترنت في 7 سبتمبر في The Lancet Psychiatry.

يقول ستيفن بوكا، أستاذ في علم الأوبئة في جامعة براون في بروفيدنس في جزيرة رود ولم يشارك في هذه الدراسة: «إن النظر إلى الأشقاء والالتهابات الحاصلة قبل عام من الحمل نهج منهجية إبداعية تساعد في تفكيك الأسئلة المتبقية حول الارتباط والسببية المحتملة».

«عندما نأخذ هذه الأساليب المنهجية الأخرى في عين الاعتبار ، تكون قوة الارتباط بالتوحد أكثر تواضعًا مما أُبلغ عنه سابقًا».

يقول الباحثون عن النتائج إن التهاب الأم في أثناء الحمل قد يكون مرتبطًا بالتوحد، ولكن ربما ليس بطريقة سببية. يقول برينج: «إن نتائج بحثنا تتعارض مع وجهة النظر الراسخة بأن التهابات الأمهات تسبب التوحد».

«أمهات الأطفال المصابين بالتوحد أكثر عرضة للإصابة بالالتهابات عمومًا، وليس فقط في أثناء فترة الحمل. لذلك يبدو أن هناك عوامل غير معروفة -وراثية أو بيئية أو مزيج من الاثنين- تزيد من قابلية هؤلاء الأمهات للإصابة بالالتهاب».

على النقيض من ذلك، لم يستطع الباحثون استبعاد علاقة سببية محتملة بين إصابة الأم بالتهاب في أثناء الحمل والإعاقة الذهنية. مقارنةً بالضوابط، فإن النساء المصابات بالالتهاب في أثناء الحمل لديهن فرصة أكبر بنسبة 37% بإنجاب طفل معاق ذهنيًا، في حين أن الإصابة في العام السابق للحمل كانت مرتبطة باحتمال أكبر بنسبة 9% فقط لنفس النتيجة.

اقترحت بيانات الأخوة أن الالتهاب في أثناء الحمل كان مرتبطًا بفرصة أكبر بنسبة 15% لإنجاب طفل يعاني من إعاقة ذهنية.

يحذر العلماء من أن النتائج التي توصلوا إليها لا تستبعد احتمال أن تُسبب الالتهابات النادرة أو الخفيفة نسبيًا -التي لا تتطلب الرعاية الصحية المتخصصة- الأمراض كالتوحد أو الإعاقة الذهنية. فعلى سبيل المثال، لقد ربط العمل السابق قطعيًا بين الالتهاب النادر مثل الحصبة الألمانية وزيكا والفيروس المضخم للخلايا وزيادة احتمال الإصابة بالإعاقة الذهنية.

يقول بوكا: «لا يزال هناك احتمال حقيقي بأن الوقاية من الالتهاب قد تكون فعالة بين بعض المجموعات الفرعية، على وجه الخصوص أولئك المعرضين لخطر جيني للتوحد».

«لقد وجدت الأبحاث السابقة أيضًا أن الأجسام المضادة في جسم الأم التي تتفاعل مع الجهاز العصبي المركزي قد تزيد من فرص إصابة الطفل بإعاقة ذهنية».

كما يقول مايكل بينروس، الأستاذ ورئيس الأبحاث في الطب النفسي البيولوجي الدقيق في جامعة كوبنهاغن في الدنمارك، الذي لم يشارك في هذه الدراسة: «لا تزال التحقيقات المتعلقة بالالتهاب المحدد والأجسام المضادة التفاعلية للجهاز العصبي المركزي في جسم الأم خلال أثلاث مختلفة من الحمل وارتباطها بالتوحد والإعاقة الذهنية مبررة في الدراسات واسعة النطاق».

يرغب برينج وزملاؤه في المستقبل في التحقيق حول الآثار المحتملة لـ COVID-19، حيث أُجريت الدراسة الجديدة قبل الوباء كما يقول. ويضيف أنه سيكون من المثير للاهتمام أيضًا التحقيق في سبب تعرض أمهات الأطفال المصابين بالتوحد لفرصة أكبر للإصابة بالالتهاب.

نُشرت هذه المقالة أصلًا على موقع Spectrum الرائد لأخبار أبحاث التوحد.

اقرأ أيضًا:

فحص العين يمكن أن يكشف عن طيف التوحد واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة

ما العلاقة بين التوحد والصرع؟

مراجعة: سميرة طارق غزولين

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر