يربط كثيرون بين الأسبرين ولحاء الصفصاف، لكن لا تأتي أقراص الأسبرين أبدًا من الأشجار. يُعرف الأسبرين بأنه من أشهر الأدوية المتاحة دون وصفة طبية، غير أنّ ثمة مفاهيم خاطئة شائعة بشأنه. فصحيح أن لحاء الصفصاف أدّى دورًا مهمًا في تاريخ الأسبرين، إلا أنه لا تُصنع الأقراص المتداولة اليوم من لحاء الشجر بل من البنزين المشتق من النفط.

لم يُصنع الأسبرين يومًا من لحاء الصفصاف مباشرةُ. فأول من أنتج حمض الأسيتيل ساليسيليك -المعروف باسم الأسبرين- استخدم مادة الساليسين الموجودة طبيعيًا في نباتات مثل الصفصاف، وحلوى المروج، والآس.

لكن في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العلماء بإنتاج حمض الأسيتيل ساليسيليك صناعيًا، بتحويل البنزين إلى فينول، ثم الفينول إلى حمض الساليسيليك. وهذا هو النوع الوحيد من الأسبرين الذي طُرح تجاريًا.

ظهر الأسبرين للمرة الأولى في مطلع القرن العشرين دواءً ثوريًا يخفف الألم ويقلّل الحمى، وعُدّ إنجازًا كبيرًا في الكيمياء الحديثة.

لكن الجدل حول الجهة التي تستحق الفضل في اختراعه أصبح قضية سياسية بعد صعود النازيين إلى الحكم في ألمانيا ما أدى إلى محاولات لتجاهل مساهمة كيميائي يهودي.

الصفصاف في التاريخ القديم والتجارب المبكرة

للنباتات التي تحتوي على مادة الساليسين تاريخ طويل في الطب. فالألواح السومرية التي تعود إلى 4 آلاف عام تربط بين الصفصاف وتسكين الآلام، وتشير إلى ذلك أيضًا بردية “إيبرس” المصرية التي تعود إلى نحو عام 1500 قبل الميلاد.

وتوصي المصادر الطبية الصينية واليونانية القديمة باستخدام الصفصاف لعلاج بعض الحالات، بما في ذلك كتابات تُنسب إلى الطبيب الإغريقي الشهير أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد.

شكك بعض العلماء المعاصرين في فعالية هذه العلاجات، إذ إن تناول كميات كافية من الصفصاف للحصول على جرعة مفيدة من الساليسين قد يسبب آلامًا حادة في المعدة.

في الواقع، حين بدأ قس إنجليزي في القرن الثامن عشر تجارب باستخدام الصفصاف لتسكين الألم، لم يكن هدفه العودة إلى المعرفة الطبية القديمة، بل كان يستند إلى نظرية عُرفت لاحقًا باسم “عقيدة التوقيعات”، وهي نظرية تبيّن لاحقًا أنها خاطئة.

تفترض هذه العقيدة أن الطبيعة تُقدّم إشارات حول كيفية علاج الأمراض. وكان القس إدوارد ستون يعتقد أن العلاجات يمكن أن تُستمد من البيئة ذاتها التي تتسبب في المرض. وبما أن فكر ذلك العصر كان يربط بين الحمى والمستنقعات، بدأ ستون يبحث عن علاج للحمى في تلك المناطق.

انتهى الأمر بستون إلى طحن لحاء الصفصاف وتحويله إلى مسحوق، وبدأ بإعطائه للمصابين بالحمى. وفي عام 1763، قدّم تقريرًا للجمعية الملكية في إنجلترا، قال فيه إن المسحوق أظهر نتائج واعدة في تخفيف الحمى.

الأسبرين الحديث

حدث التحوّل الأبرز في تاريخ الأسبرين عام 1853، حين استخدم الكيميائي الفرنسي شارل فريديريك غيرهارت الساليسين
المستخرج من لحاء الصفصاف لإنتاج حمض الأسيتيل ساليسيليك، أو الأسبرين، للمرة الأولى.

يقول جو شوارتز، أستاذ الكيمياء ومدير “مكتب العلوم والمجتمع” في جامعة ماكغيل الكندية: «كان غيرهارت أول من أنتج حمض الأسيتيل ساليسيليك، لكن طريقته لم تكن فعّالة، ولم يكن بالإمكان تكرارها، ولذلك لم يكن للأسبرين أهمية تجارية آنذاك».

لم يُطرح الأسبرين في الأسواق تجاريًا حتى تسعينيات القرن التاسع عشر، عندما طوّر علماء في شركة باير الألمانية شكلاً تجاريًا فعالًا من حمض الأسيتيل ساليسيليك.

سجلت باير براءة اختراع للدواء، وبدأت ببيعه تحت الاسم التجاري “أسبرين”، لكنها فقدت لاحقًا حقوق استخدام الاسم علامةً تجارية.

ثم أصبح تحديد الكيميائي المسؤول عن تطوير الدواء محل جدل، خاصة في ظل السياسات المعادية للسامية في ألمانيا النازية.

الجدل حول أسبرين باير أول سرد تاريخي معروف لتطوير شركة باير للأسبرين ورد في حاشية من كتاب عن تاريخ الهندسة الكيميائية نُشر عام 1934.

ونسبت الحاشية الفضل إلى الكيميائي فيليكس هوفمان، قائلة إن معاناة والده من الألم المزمن دفعته لتطوير دواء فعّال لا يسبب اضطرابًا في المعدة مثل العلاجات السائدة آنذاك.

استند هوفمان في تطويره للأسبرين إلىعملية كيميائية ابتكرها الألماني هيرمان كولبه، تقوم على تحويل البنزين إلى فينول، ثم إلى حمض الساليسيليك.

وفي عام 1897، استخدم هوفمان الحمض الناتج لإنتاج حمض الأسيتيل ساليسيليك. لكن، بحسب شوارتز، هذه ليست القصة الكاملة.

يقول شوارتز: «في الحقيقة، كان آرثر أيشينغرون -رئيس هوفمان- هو من طلب منه تحويل حمض الساليسيليك إلى مادة أقل تسببًا لاضطرابات الأمعاء».

ولأن أيشينغرون كان يهوديًا، لم يُذكر اسمه في حاشية عام 1934، التي نُشرت بعد عام من وصول أدولف هتلر والحزب النازي إلى السلطة.

ويضيف شوارتز: «كتب أيشينغرون لاحقًا رسالة إلى شركة باير من أحد معسكرات الاعتقال، شرح فيها تسلسل الأحداث بدقة، وكيف أنه هو من وجّه هوفمان لصناعة الأسبرين».

ونشر أيشينغرون أيضًا بحثًا في مجلة فارمزي، كرّر فيه تأكيده أنه صاحب الفكرة، وليس هوفمان. ومنذ ذلك الحين، أكدت دراسات لاحقة الدور المحوري الذي أدّاه في تطوير الأسبرين.

اقرأ أيضًا:

الأسبرين: الاستخدامات والجرعات والآثار الجانبية

الأطباء يحذرون : الأسبرين قد يسبب نزيف داخلي

ترجمة: أميمة الهلو

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: باسل حميدي

المصدر