تُضعف الحبسة القدرة على الفهم والتعبير اللغوي، وكذلك الكتابة والقراءة، وربما تُقترن مع اضطرابات الكلام، مثل عسر التلفظ أو عسر الأداء النطقي. يصاب الفرد عادة بالحبسة بشكل مفاجئ بعد إصابة في الدماغ، لكنها أيضًا قد تتطور ببطء نتيجة ورم في المخ أو مرض عصبي تدريجي.

معظم المصابين بالحبسة يكونون في منتصف عمرهم أو ما فوق، ولكن أي شخص معرض للإصابة، بما في ذلك الأطفال. وفقًا للمنظمة العالمية للحبسة، يعاني نحو مليون فرد بأمريكا اضطراب الحبسة في وقتنا هذا، ويصاب نحو 180 ألف آخرين سنويًا.

تنشأ الحبسة نتيجة تلف منطقة أو أكثر من مناطق اللغة في الدماغ، في الغالب نتيجة حدوث سكتة دماغية. وتحدث عندما ينقطع تدفق الدم إلى جزء من الدماغ نتيجة تجلط الدم، أو تسريب أو انفجار في الأوعية الدموية؛ فتموت خلايا الدماغ عندما لا تحصل على إمداداتها الطبيعية من الدم الذي يحمل الأكسجين والعناصر الغذائية الهامة.

أسباب أخرى لإصابات الدماغ تشمل ارتطام الرأس بشدة والأورام والتهابات الدماغ، والإصابات الناجمة عن طلقات نارية بالرأس، والاضطرابات العصبية مثل داء ألزهايمر.

أنواع الحبسة

تندرج الحبسة تحت فئتين واسعتين: حبسة الطلاقة، وحبسة فقد الطلاقة، وبداخل كلا المجموعتين عدة أنواع.

قد يؤدي تلف الفص الصدغي للدماغ إلى الإصابة بحبسة فيرنيك Wernicke’s aphasia، أكثر أنواع حبسة الطلاقة انتشارًا. قد يتحدث الأشخاص المصابين بها بجمل طويلة وكاملة لكن عديمة المعنى أو الهدف، مصطنعين كلمات جديدة ومضيفين كلمات غير ضرورية؛ ما يصعب على الآخرين فهم ما يحاولون قوله. وفي الغالب لا يدرك المصاب بحبسة فيرنيك أخطاءه الكلامية.

أما من أنواع حبسة فقد الطلاقة الأوسع انتشارًا، حبسة بروكا Broca’s aphasia، ويعاني المصابون بها ضررًا يصل رئيسيًا إلى الفص الجبهي للدماغ، وفي الغالب ضعفًا أو شللًا في الناحية اليمنى من الذراع والساق؛ يعود ذلك لأهمية الفص الجبهي للأداء الحركي أيضًا.

وربما يفهمون الحديث إلى حد ملائم؛ لذلك يدركون الصعوبات التي يواجهونها خلال مباشرتهم الحديث؛ ما يسبب لهم الإحباط بسهولة. فهم يعلمون ما يودون قوله، لكنهم كثيرًا ما يحتاجون إلى بذل جهد كبير للقدرة على إنتاج عبارات قصيرة، ويحذفون كلمات صغيرة مثل حروف العطف وأدوات التعريف.

يمكن لشخص مصاب بحبسة بروكا أن يقول مثلًا: «نزهة كلب»، قاصدًا بذلك: «سوف أذهب لتنزيه الكلب»، أو «كتاب كتاب اثنان طاولة» مشيرًا إلى وجود كتابين فوق الطاولة.

نوع آخر من الحبسة هو الحبسة الشاملة global aphasia؛ ينشأ نتيجة تلف أجزاء كبيرة من مناطق اللغة في الدماغ. يواجه الأشخاص المصابين بالحبسة الشاملة صعوبات شديدة في التواصل مع الآخرين، وقد تكون قدرتهم على التحدث وفهم اللغة محدودة للغاية؛ فربما يقولون بعض الكلمات أو العبارات مرارًا وتكرارًا، أو لا يقدرون على نطق بعض الكلمات على الإطلاق، ويتعذر فهمهم لجمل وكلمات بسيطة.

توجد أنواع أخرى من الحبسة ينشأ كل منها نتيجة تلف منطقة لغوية معينة بالدماغ.

يجد بعض المصابين بحبسة التوصيل conduction aphasia صعوبة في تكرار بعض الجمل والكلمات رغم أنهم يفهمون معناها ويمكنهم التحدث بطلاقة. بينما المصابين بحبسة التسمية anomic aphasia قد يواجهون صعوبة في تسمية الأجسام رغم أنهم يعرفون ماذا تكون وما غرضها.

يحدث أحيانًا نوع من الإصابات يسمى نوبة نقص تروية عابرة Transient ischemic attack؛ ينقطع فيه تدفق الدم إلى الدماغ مؤقتًا ثم يعود بسرعة، ويسترجع الفرد الذي مر به قدراته اللغوية في غضون ساعات أو أيام.

تشخيص الحبسة

عادة ما يكون الطبيب المعالج لحالة شخص مصاب بالدماغ هو أول من يتعرف على الحبسة. سيخضع عندها معظم الأفراد للتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT)؛ لتأكيد وجود الإصابة وتحديد موقعها بدقة.

يختبر الطبيب عادة قدرة المصاب اللغوية سواء على فهم اللغة أو التحدث بها، بملاحظته استجابة المصاب للأوامر والأسئلة، وتسمية الأشياء وإجراء محادثة.
إذا اشتبه الطبيب المعالج إصابة الفرد بالحبسة؛ يحوله إلى اختصاصي أمراض التخاطب الذي سيجري اختبارات شاملة لفحص قدرات التواصل، وإصدار تقرير شامل عن قدرة الفرد على التحدث والتعبير عن الأفكار، وفهم اللغة، والقراءة والكتابة.

كيف يمكن أن تتحسن حالة المصاب بالحبسة؟

بعد إصابة الدماغ تحدث تغيرات هائلة فيه تساعده على التعافي. يترتب على ذلك حدوث تحسن كبير في القدرة على التواصل وفهم واستخدام اللغة في الأشهر القليلة الأولى التي تلي الإصابة، وإن لم يتضمنها علاج. ولكن قد تظل الحبسة موجودة بعض الشيء في كثير من الحالات بعد فترة التعافي الأولية. في تلك الحالات يصبح علاج التخاطب مؤهلًا لمساعدة المصاب على استعادة قدرته على التواصل.

أشارت الأبحاث إلى أن القدرات اللغوية ومهارات التواصل قد تستمر في التحسن عبر السنين ويصاحبها أحيانًا نشاط جديد في أنسجة المخ القريبة من المنطقة المتضررة.

عمر المصاب وصحته، وسبب إصابته، والمنطقة المصابة، وامتداد الإصابة، جميعها عوامل تؤثر على مدى التحسن.

يهدف علاج الحبسة إلى تحسين قدرة الفرد على التواصل باستخدام ما تبقى من القدرات اللغوية واستعادة أكبر قدر ممكن منها، وتعلم وسائل أخرى للتواصل، مثل الإيماءات، واستخدام الصور أو الأجهزة الإلكترونية.

يركز العلاج الفردي على احتياجات الفرد الشخصية، بينما يتيح العلاج الجماعي فرصة العمل على مهارات التواصل ضمن مجموعات صغيرة.

زودت التقنيات الحديثة الأشخاص المصابين بالحبسة الكلامية بأدوات جديدة؛ يوفر اختصاصيو التخاطب الافتراضيين (عن بعد) مرونة حصول المصابين على العلاج في منازلهم عبر الحاسوب. تعد التطبيقات المولدة للكلام على الأجهزة المحمولة، مثل الأجهزة اللوحية، طريقة بديلة للتواصل لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في التحدث.

يشارك مرضى الحبسة على نحو متزايد في بعض الأنشطة الاجتماعية، مثل نوادي مناقشة الكتب، ومجموعات التكنولوجيا والفن والدراما. يساعد ذلك النوع من التجارب المرضى على استعادة الثقة بالنفس وتقديرهم الاجتماعي لذواتهم، إضافة إلى تحسين مهارات التواصل الخاصة بهم.

تتوفر في معظم المدن الكبرى نوادي السكتة الدماغية (Stroke clubs)؛ مجموعات دعم محلية كوّنها أشخاص سُبق وأن أصيبوا بسكتات دماغية. ويمكن لتلك النوادي مساعدة الفرد وعائلته على التكيف مع التغييرات في أسلوب الحياة بعد الاصابة بالسكتة أو الحبسة.

  • مشاركة الأسرة في فترة العلاج غالبًا ما تكون أمرًا حاسمًا؛ وذلك لأنها تمكنهم من معرفة أفضل طريقة يمكن استخدامها للتواصل مع فرد العائلة المصاب. ويتم تشجيع أفراد العائلة على عدة أمور، منها:
  •  المشاركة في جلسات العلاج، إن أتيح لهم ذلك.
  •  تبسيط الحديث باستخدام جمل بسيطة وغير معقدة.
  •  تكرار كلمات المحتوى أو تدوين الكلمات الرئيسية لتوضيح المعنى عند الحاجة.
  •  الحفاظ على أسلوب حوار طبيعي يليق بالبالغين.
  •  التقليل من مصادر الإلهاء أو التشتيت، مثل تلفاز أو راديو صاخب.
  •  تشجيع الفرد المصاب على المشاركة في المحادثات العائلية بأي طريقة تواصل سواء كان مستخدمًا إيماءات أو حديث أو الرسم أو الإشارة إلى شيء ما.
  •  سؤاله عن رأيه بما يتعلق بالشؤون العائلية، وإبداء التقدير بذلك الرأي.
  •  منحة متسعًا من الوقت للتحدث وتفادي تصويب كلامه.
  •  جعله يشارك بأنشطة خارج المنزل عن طريق البحث عن نوادي الدعم أو النوادي الاجتماعية القريبة التي سبق ذكرها.

يجرب الباحثون أنواعًا جديدة من علاج التخاطب لدى الأشخاص الذين يعانون الحبسة المزمنة أو أصيبوا بها مؤخرًا؛ لمعرفة إذا كانت الأساليب الحديثة قد تساعدهم على استرجاع أفضل للكلمات، والقواعد النحوية (بناء الجملة)، ونبرة الصوت، وجوانب أخرى من الحديث.

تتضمن بعض هذه الأساليب الحديثة تحسين القدرات الإدراكية التي تدعم معالجة اللغة، مثل الذاكرة قصيرة المدى، والانتباه. ويتضمن البعض الآخر أنشطة تحفز التمثيل الذهني للأصوات، والكلمات والجمل؛ ما يسهل الوصول إليها واسترجاعها.

يختبر الباحثون كذلك العلاج الدوائي كمنهج تجريبي لمعالجة الحبسة؛ تختبر بعض الدراسات ما إذا كان يمكن استخدام الأدوية التي تؤثر على الناقلات العصبية الكيميائية في الدماغ إلى جانب علاج التخاطب لتحسين استعادة وظائف اللغة المختلفة.

تركز أبحاث أخرى على استخدام وسائل تصوير متقدمة؛ مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، لبحث كيف تُعالج اللغة في الدماغ الطبيعي والتالف، وفهم عمليات استرجاع اللغة. قد يساعدنا ذلك النوع من الأبحاث على تعزيز معرفتنا بكيفية استعادة تلك المناطق المشمولة في التحدث وفهم اللغة نظامها بعد إصابة الدماغ. يمكن أن تسبب نتائج هذا النوع من الأبحاث مضاعفات على تشخيص وعلاج الحبسة واضطرابات عصبية أخرى.

تحفيز الدماغ غير الجراحي إلى جانب علاج التخاطب يعد مجالًا آخر أثار الاهتمام للبحث فيه مؤخرًا. أمثلة على ذلك، التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) والتحفيز الحالي المباشر عبر الجمجمة (tDCS)، اللذان استخدما في الأصل للمساعدة على فهم أجزاء الدماغ التي لها دور في معالجة اللغة والتعافي بعد السكتة الدماغية، والآن في تغيير النشاط الطبيعي للمنطقة المراد تحفيزها بالدماغ مؤقتًا.

يدرس العلماء ما إذا كان ذلك التغيير المؤقت في النشاط يتيح للمصاب إمكانية إعادة تعلم كيفية استخدام اللغة. تختبر تلك التقنيات حاليًا عبر تجارب سريرية ممولة من المعهد الوطني للصمم واضطرابات التواصل الأخرى (NIDCD)، إضافة إلى علاجات أخرى للحبسة.

اقرأ أيضًا:

تطور العنصر الأساسي لفهم اللغة منذ 40 مليون سنة

كيف يعالج الدماغ اللغة؟ و هل لغة الإشارة تعتبر لغة أيضًا؟

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: نايا بطاح

المصدر