في دراسة جديدة، اختبر الباحثون كيف يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي أن يتواصلوا معًا لمحاكاة تطور اللغة لدى البشر.
في التجربة، كُلف أحد وكلاء الذكاء الاصطناعي بإرسال رمز يُمثل لونًا معينًا، في حين حاول الوكيل المتلقي استعادة اللون المطابق لذلك الرمز. وكان كلا الوكيلين يحصل على مكافأة مشتركة حال نجحا في تحديد اللون الصحيح. سُمح لنماذج الذكاء الاصطناعي بالتعلم من بعضها عبر الأجيال، ما أسفر عن نظام لتسمية الألوان يُشبه إلى حد بعيد أنظمة لغات الألوان لدى البشر، مع أن هذه النماذج لم تتفاعل مع تلك اللغات سابقًا.
طور نظام الذكاء الاصطناعي، خلال عملية التعلم، لغة منظمة بطريقة تُشبه إلى حد بعيد اللغة البشرية. وبالطريقة ذاتها التي نتعلم بها من الأجيال السابقة، تتحسن نماذج الذكاء الاصطناعي أيضًا عندما تبني معرفتها على تجارب النماذج الأقدم.
هذا ما أظهرته دراسة أجرتها جامعة تشالمرز للتكنولوجيا وجامعة جوتنبرغ في السويد، إذ استكشفت الآليات الكامنة وراء تطور اللغة البشرية، وقدمت رؤى مهمة لمستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي.
تُظهر الدراسة أن نماذج اللغة المبنية على الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي تزداد قدرةً على محاكاة اللغة البشرية، ويُعتمد عليها أداةً لإنتاج النصوص. لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام أن هذه النماذج قادرة أيضًا على مساعدتنا في فهم كيفية تطور اللغات البشرية.
في إطار التجربة، استُخدم مزيج فريد من طريقتين: استُخدم التعلم المعزز، إذ تُكافأ النماذج على السلوكيات الصحيحة مما يعززها. من جهة أخرى، أُتيح للنماذج أن تتعلم من تجارب الأجيال السابقة.
«اكتشفنا أن نماذج الذكاء الاصطناعي طورت طريقة منظمة للغة تُشبه اللغة البشرية، وأن آلية تعلم اللغة تتطابق بشكل لافت مع الطريقة التي نتعلم بها نحن البشر».
تُقدم هذه النتائج رؤى معمقة لفهم كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي، إلى جانب فهم أعمق لتطور اللغة البشرية.
تشترك جميع اللغات البشرية في سعيها لتحقيق الفعالية. وفقًا لنظرية راسخة في العلوم المعرفية، تتكون اللغات استجابةً لحاجة الإنسان إلى التواصل بفعالية، مع ضرورة تحقيق توازن بين الغنى المعلوماتي والبساطة التي تسهل تعلم اللغة. فكلما زادت كمية المعلومات المراد نقلها، زادت الحاجة إلى دقة التعبير.
من الأمثلة المعروفة أن اللغات في المناطق الباردة غالبًا ما تحتوي على عدد أكبر من الكلمات الخاصة بالثلج والجليد، مقارنةً باللغات المستخدمة في المناطق الدافئة. لاختبار هذه النظرية، صمم الباحثون وكلاء ذكاء اصطناعي عُرض عليهم طيف من الألوان وقائمة من الرموز العشوائية التي لم يكن لها أي معنى مسبق. بمرور الوقت، أصبحت هذه الرموز مرتبطة بألوان محددة، وبدأت تُستخدم لتوصيل المعنى للوكيل الآخر.
«اخترنا الألوان لأنها موضوع دُرس بعمق في علم اللغة، ولدينا كم هائل من البيانات حول كيفية تسمية الألوان في لغات مختلفة، حتى في لغات معزولة لم تحتك بلغات أخرى. تُظهر هذه البيانات أن تصنيف الألوان يختلف بين اللغات، سواء في عدد الكلمات المستخدمة أو في الجزء من الطيف اللوني الذي تصفه».
من خلال المكافآت والتعلم عبر الأجيال، حقق الباحثون تقدمًا واضحًا في تطوير نظام لغوي. فعندما يستخدم أحد الوكلاء رمزًا للإشارة إلى لون، يحاول الوكيل الآخر تخمين اللون الصحيح. وكلما اقترب الاثنان من تحديد دقيق للون، زادت النقاط المُكتسبة مكافأةً.
في المرحلة التالية، أنشأ الباحثون أجيالًا جديدة من وكلاء الذكاء الاصطناعي، وبدأوا بالتخلص تدريجيًا من الجيل القديم. سُمح للجيل الجديد بالوصول إلى لغة الجيل السابق والتواصل من خلالها. ثم بدأ الوكلاء الجدد بالتواصل فيما بينهم مستخدمين تلك اللغة أساسًا للتطوير.
«الفكرة كانت أن نُتيح لوكلاء الذكاء الاصطناعي تعلم اللغة أولًا من الأجيال السابقة، ثم تطويرها عبر التفاعل فيما بينهم. تمامًا مثلما يتعلم الأطفال من حديث الأهل، ثم يطورون لغتهم الخاصة في أثناء التفاعل مع أقرانهم».
وقد أدى هذا النهج إلى تطوير نظام لتسمية الألوان يُشبه لغات الألوان البشرية، مع أن وكلاء الذكاء الاصطناعي لم يُعرضوا على تلك اللغات مُسبقًا.
«الجانب المثير في الأمر هو أن الجمع بين حل المشكلات داخل اللعبة والتعلم من الأجيال السابقة هو ما أوجد لغة فعالة تُشبه اللغة البشرية. أما عندما اقتصرت النماذج على التواصل بهدف حل اللعبة فقط، فقد تطورت لغات معقدة للغاية».
«حاولنا أيضًا تجربة العكس: أن تتعلم النماذج فقط من الأجيال السابقة دون التعرض لحل المشكلات، فنتجت لغات بسيطة جدًا».
تُشير هذه النتائج، بحسب كارلسون، إلى أن قدرتنا على التعلم من الآخرين والتواصل معهم تُعد عاملًا جوهريًا في تطور اللغة.
«عندما نتعلم من الآخرين دون أن نفهم أهمية ما نتعلمه، يكون احتمال تطوير المعرفة ضعيفًا. أما عندما نحتاج إلى استخدام ما تعلمناه في حل المشكلات والتقدم، فحينها تتكون لغات منظمة وفعالة».
يأمل الباحثون أن تُسهم هذه النتائج في تقديم رؤى جديدة في مجال أبحاث اللغة، إضافةً إلى الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب.
«تُسهم هذه المعارف في تعميق فهمنا لآليات اللغة البشرية بشكل أفضل، وتُعمق فهمنا لكيفية عمل نماذج اللغة الكبيرة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ما يُمهد الطريق لتطويرها على نحو أكثر إنتاجية وفائدة».
اقرأ أيضًا:
شركة ميتا استخدمت الإنجيل لتعليم الذكاء الاصطناعي التحدث بأكثر من 1000 لغة
إيلون ماسك يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون أذكى من البشر بحلول عام 2025
ترجمة: ماسة فؤاد كريم
تدقيق: يامن صالح