في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح فريق من الرياضيين شمل كل من يو دينج من جامعة شيكاغو، وزاهر هاني وشاو ما من جامعة ميشيغان في حل جزء جوهري من المسألة السادسة لديفيد هيلبرت، أحد أبرز قضايا الرياضيات التي طرحها عام 1900؛ إذ كان هدف هيلبرت «أكسمة الفيزياء»، أي صياغة نظرياتها على أسس رياضية دقيقة بأقل قدر ممكن من الفرضيات.
توصل الباحثون في ورقتهم البحثية إلى كيفية توحيد ثلاث نظريات فيزيائية تفسر حركة السوائل من خلال ثلاث مستويات تحليلية:
- المستوى المجهري: تتكون السوائل من جسيمات صغيرة تتحرك وتتصادم في بعض الأحيان وتتبع مساراتها قوانين الحركة لدى نيوتن.
- المستوى الميزوسكوبي أو المستوى المتوسط: يُنظر إلى السلوك الجماعي لأعداد هائلة من الجسيمات؛ إذ يصبح من غير العملي تتبع حركة كل جسيم على حدة استنادًا إلى معادلة الفيزيائي النمساوي بولتزمان. فبدلًا من تتبع كل جسيم على حدة تعتمد هذه المعادلة على التنبؤ بالسلوك الاحتمالي لجسيم نموذجي.
- المستوى الماكروسكوبي: هنا لا يُنظر إلى السوائل على أنها مجموعات من الجسيمات المنفصلة، بل إلى كونها أوساط مستمرة متجانسة. يستخدم في هذا المستوى مجموعة مختلفة من المعادلات مثل معادلات نافييه ستوكس لوصف حركة السوائل والعلاقات بين خصائصها الفيزيائية بدقة من دون الحاجة إلى الرجوع للجسيمات أو التفاعلات الميكروسكوبية.
بالرغم من اختلاف مستويات التحليل السابقة، لكن جميعها يصف الظاهرة نفسها: كيفية تدفق السوائل. على هذا، يجب أن تستند كل نظرية إلى ما دونها في هذا التسلسل الهرمي؛ إذ يجب أن تنبثق معادلات نافييه ستوكس في المستوى الماكروسكوبي منطقيًا من معادلة بولتزمان في المستوى الميزوسكوبي، التي بدورها يجب أن تنبثق من قوانين نيوتن للحركة في المستوى المجهري.
هذا النوع من التأسيس البديهي أو الأكسمة دعا إليه هيلبرت في المسألة السادسة، وقد أشار صراحةً إلى أعمال بولتزمان فيما يتعلق بالغازات في صياغته للمسألة. في حال فشل العلماء في سد هذه الفجوة، فقد يشير ذلك إلى وجود سوء فهم أو قصور في فهمنا الحالي لتلك النظريات.
شكّل توحيد وجهات النظر الثلاث في ديناميكيات السوائل تحديًا في هذا المجال، لكن كل من “دينج وهاني وما” قد نجحوا في تحقيق ذلك. على هذا، فقد استند انجازهم إلى عقود من التقدم التدريجي المتراكم. مع ذلك، كانت معظم الإنجازات السابقة مشروطة بقيود معينة؛ إذ غالبًا ما كانت الاشتقاقات النظرية صالحة فقط فترات زمنية قصيرة أو في الفراغ أو في ظل شروط مبسطة أخرى.
يتكون البرهان الجديد عمومًا من ثلاث خطوات رئيسية: اشتقاق النظرية الماكروسكوبية من النظرية الميزوسكوبية، ثم اشتقاق النظرية الميزوسكوبية من النظرية المجهرية، وأخيرًا ربطهما معًا في اشتقاق موحد للقوانين الماكروسكوبية مباشرةً من القوانين المجهرية.
غير أن الباحثين الثلاثة تمكنوا من تحقيق قفزة نوعية؛ إذ برهنوا على أن سلوك عدد هائل من الجسيمات عند الحدود القصوى أي عندما يزداد عدد الجسيمات إلى ما لا نهاية ويصغر حجمها حتى يقترب من الصفر يتقارب نحو حل معادلة بولتزمان. على هذا، يشكل هذا البرهان خطوة محورية ويقيم جسرًا رياضيًا من خلال اشتقاق المستوى الميزوسكوبي من المجهري.
استطاع الباحثون تخطي العقبة الكبرى المتمثلة في الفترة الزمنية الطويلة التي تتم فيها نمذجة معادلات الرياضيات؛ إذ إن مع امتداد الزمن تزداد التصادمات ويصعب تتبع أثرها التراكمي.
إضافة إلى ذلك، دمجوا هذا الإنجاز مع الأعمال السابقة التي اشتقت فيها معادلات نافييه ستوكس من معادلة بولتزمان، ليشكلوا توحيدًا حقيقيًا لثلاث نظريات في ديناميكا السوائل. إذا ثبتت صحة هذا البرهان بعد مراجعة المجتمع العلمي، فإنه يمثل خطوة كبيرة في مشروع هيلبرت الطموح، ويفتح آفاقًا جديدة لتأسيس مزيد من نظريات الفيزياء على أسس الرياضيات الدقيقة.
اقرأ أبضًا:
كيف غيرت معادلة عبقرية محفورة على جسر تاريخ الرياضيات؟
واحدة من أبسط مشكلات الرياضيات قد تكون غير قابلة للحل
ترجمة: لور عماد خليل
تدقيق: ريمي سليمان