تصدرت أول عملية زراعة قلب خنزير معدل جينيًا في إنسان حديثًا عناوين الأخبار، لكنها أثارت أيضًا بعض التساؤلات الأخلاقية، تعلّقت معظمها بأخلاقيات زراعة الأعضاء ونقل الأعضاء بين الكائنات الحية (Xenotransplantation)، وقد أُجريَت العديد من البحوث في هذا المجال لأزيد من قرن، غير أنها أصبحت متاحة أكثر بفضل التطورات العلمية الأخيرة التي تتضمن تعديل الحيوانات جينيًا لكي لا يرفضها جسم المتلقي.

تدور المسائل الاعتيادية في مجال نقل الأعضاء بين الكائنات الحية حول مخاطر العملية، مثل نقل العدوى، وعلاج الحيوانات، وأخلاقيات تعديل الحيوانات جينيًا من أجل هذا الغرض، إلا أن جراحة زراعة قلب الخنزير الأخيرة قد أثارت مزيدًا من الأسئلة التي لم تتعلق بالمتبرع (الخنزير) بقدر ما تعلقت بالمتلقي.

اسم المتلقي هو «ديفيد بينيت»، رجل أمريكي من ولاية ماريلاند، يبلغ من العمر 57 عامًا، كان يعاني قصورًا قلبيًا وخيمًا، وقد بلغ مرحلة خطيرة من المرض، لينتهي به المطاف مع جهاز قلبي صناعي.

لم يكن بينيت مؤهلًا لزراعة القلب الاعتيادية، إذ رفضت العديد من المراكز الصحية وضعه على قائمة الانتظار للحصول على زراعة، إلى أن عُرض عليه الخيار التجريبي لزراعة قلب خنزير معدل جينيًا.

بعد انتشار الأخبار عن عملية الزرع، اتضح أن بينيت أُدين بطعن رجل يُدعى «إدوارد شوميكر» منذ 33 عامًا في حانة، وحُكِم عليه بالسجن عشرة أعوام، بينما عاش شوميكر ما تبقى من عمره على كرسي متحرك إلى توفي بعد 19 عامًا من الحادثة بسبب سكتة دماغية.

أفصحت شقيقة شوميكر عن تمنيها أن تكون زراعة قلب الخنزير من نصيب متلق جدير بها، ما أثار نقاشًا حول أحقية المدانين بجرائم خطيرة في زراعة الأعضاء.

صرامة المعايير

هذه ليست أول مرة يُطرَح فيها هذا السؤال الأخلاقي، إذ أثيرت نقاشات مماثلة مسبقًا، وقد فصلت فيها المحاكم والمؤسسة الطبية.

نظرًا إلى وجود عجز كبير في الأعضاء المتاحة للزراعة، ثمة حاجة إلى وضع معايير صارمة لأحقية الحصول على زراعة الأعضاء والالتزام بالشفافية الأخلاقية في أثناء تحديد كيفية تخصيص الأعضاء عند توفرها، تُبنى تلك المعايير عادةً على عوامل طبية تتنبأ تبعًا لحاجة المتلقي للعضو، أي احتمالية موته إذا لم يحصل على زراعة، وفائدة العضو، أي إلى أي مدى سيعمل العضو المزروع ويدوم، وقد كانت هذه العوامل ذاتها السبب في عدم أحقية بينيت بزراعة القلب الاعتيادية.

بيد أن برامج زراعة الأعضاء عادةً لا تبدي اهتمامًا للعامل الذي ذكرتْه شقيقة شوميكر، فهي لا تستبعد المدانين والمسجونين، وتفيد إرشادات تنظيم زراعة الأعضاء الأمريكي بأن وضع السجناء يجب ألا يحول دون حصولهم على فرصة زراعة الأعضاء.

يرجع السبب إلى قانون أخلاقي أساسي في الرعاية الطبية يقضي بأن العلاج يجب أن يُوفَّر بعدل وإنصاف، إذ إن الأطباء ليسوا مؤهلين لتمييز المذنبين من القديسين، ولا ينبغي أن نتوقع منهم اختيار أي من المرضى أحق، فالقرارات التي تحدد الطريقة المثلى لمعاقبة شخص مدان بجريمة تُتخَذ في المحاكم، حيث توجد قواعد وإجراءات دقيقة لتحديد إذا كان شخص ما مذنبًا بجريمة ما وعواقبها.

من الوارد أن تقرر دولة ما معاقبة المدانين بجرائم خطيرة بمنعهم من الحصول على بعض العلاجات الطبية الشحيحة أو العلاجات الثمينة الممولة من القطاع العام.

يجدر ذكر أن الرعاية الطبية في سجون الكثير من البلدان محدودة ولا تحظى بتمويل كافٍ، كسجون الفلبين مثلًا، غير أن منظمة الأمم المتحدة أصدرت قانونًا يسمى «قانون نيلسون مانديلا» ليحكم بأحقية السجناء في الحصول على رعاية طبية تساوي في معاييرها تلك الرعاية الطبية المتوفرة في المجتمع، وقد أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قانونًا في عام 1976، يحكم بأن منع الرعاية الطبية على السجناء يُعَد عقوبة قاسية وغير عادلة، بينما يحظى السجناء في المملكة المتحدة بصلاحية كاملة للحصول على العلاج من الهيئة الوطنية للصحة.

حتى لو كانت للسجناء أولوية أقل من غيرهم في الحصول على الرعاية الطبية، فإن هناك سببًا منفصلًا ينبغي علينا مراعاته في حالة متلقي زراعة قلب الخنزير الحديثة؛ إذ قضى بينيت مدة عقوبته قبل عملية الزراعة بسنوات عديدة، وليس من العادل أن نستمر في التمييز ضده في الحصول على العلاج.

مع إمكانية تفهم موقف عائلة الضحية المخالف، فإن معظمنا يرى أن للمدانين الذين قضوا عقوبتهم الحق في أن يحظوا بمعاملة عادلة، وفرصة أخرى للعودة إلى حياة عادية.

قد تحدّ طبيعة هذا التطور الأخير في مجال زراعة الأعضاء من المخاوف الأخلاقية المماثلة.

أحد الأسباب الرئيسية لطرح أسئلة معقدة حول تخصيص الأعضاء يرجع إلى نقصها، فقد قضى 470 شخصًا حتفه في المملكة المتحدة في العام الماضي لعدم حصولهم على زراعة.

إذا أصبح نقل الأعضاء بين الكائنات الحية خيارًا واقعيًا، فإنه قد يساعدنا في تجنب الموقف الصعب في المفاضلة بين مرضى فشل الأعضاء وأحقيتهم في الحصول على زراعة.

اقرأ أيضًا:

هندسة وراثية وعقار تجريبي وكوكايين! هكذا زرع الأطباء قلب خنزير في جسد إنسان

الخنازير المعدلة جينيا بالخلايا البشرية تمهد الطريق لزراعة الجلد مستقبلا

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر