في حين أن الفوائد الصحية لاقتناء الحيوانات الأليفة ما زالت قيد البحث، لا شك أن الملايين منّا يستمتعون في مشاركة حياتهم مع حيوان أليف لما فيها من حب فائض! مثلًا، تساعد كلاب العلاج في إراحة المرضى عند أخذها للعيادات، وتساعد رياضة ركوب الخيل في تدريبات الحساسية، وتوفر القطط أحضانًا دافئة لأصحابها (بحسب مزاجها طبعًا)، وتسلينا الطيور ببعض الكلمات والرقصات المجنونة التي تتعلمها.

أمضيت طفولتي في جنة من الحيوانات الأليفة، مع القطط والكلاب والهامستر وغيرها الكثير. وبالرغم من حبنا الشديد لتلك المخلوقات، كان أهلي يُفضِّلون الحفاظ على شيء من البعد، وهذا ليس فقط لأن الحيوانات الأليفة تستهلك وقتًا ومالًا، بل لأنهم شعروا بأن التعلق العاطفي بالحيوانات هو أمرٌ عابث، إن لم يكن لا أخلاقي. عايش والديَّ في طفولتهما الحرب العالمية الثانية وواجها تجويعًا حد الموت وشهدا أحداثًا مرعبةً.

كانا ناجيين ولم يرغبا قط بصرف طاقتهما العاطفية على أي شيء سوى البشر. اعتقدت أنا وأخوتي أننا سينتهي بنا المطاف مثل والديَّ: أن نشعر بشيء من التكبر أو التعالي عندما يُطلِق بعض الأشخاص على أنفسهم صفات «الماما» و«البابا» لكلابهم. ولكن ما حصل هو العكس تمامًا: تعلقنا عاطفيًا بشدة بحيواناتنا الأليفة ولم يسعنا سوى أن نشعر بأنها جزء من عائلتنا.

أنا وكلبتي «بيلا»

أنا وكلبتي «بيلا»

منذ 3 أسابيع، مات حيوان أختي الشابة الأليف وهو خنزير غيني -كابياء خنزيرية- (نوع من القوارض) اسمه ثايمو. أسرّت لي أختي وعلامات الخجل على محياها بأنها تفكر بأمر ثايمو كل يوم، وأنها كانت تناديه بكل حب «رجلي الصغير». هل أطلقتُ أحكامًا عليها وعلى عاطفتها كما كانت أمي لتفعل؟ لا! على العكس، أثار الأمر فضولي لمعرفة ما الذي جعلها تشعر بهذا الفائض من الحب لمخلوق صغير وبسيط مثل ثايمو، فسألتها عن سبب تعلقها به وكانت ردة فعلها غاية في الإيجابية: «ثايمو ناجٍ. تبنيته من مركز كانت قد وضعته فيه امرأة لم تعد قادرة على رعايته.

في البداية، كان من المستحيل الإمساك به لأن الخنازير الغينية حيوانات تدافع عن نفسها بالهرب، ولكن عندما مرض ونَمت في فمه الدماميل، اهتممت به.

أثناء حياته معنا، كان علينا في بعض الأوقات إطعامه بالقوة لمدة ثلاثة أو أربعة أيام بسبب رفضه للأكل. قد يبدو الأمر مقرفًا، ولكن كانت سعادتي عارمة عندما بدأ بالاستجابة للدواء والطعام. نجا ثايمو واستأنس لي أثناء محنته. فبدلًا من أن يهرب مني، صار يركض نحوي ويأكل طعامه من كفي. نجاة ثايمو أمرٌ لطيف لا يُصدّق».

– «إذن حصل تعلقك به أثناء رعايتك له؟»

«أجل وهو تعلق بي أيضًا. كان يركض نحوي ويأكل من كف يدي. كان يريدني أنا أن أطعمه، وكنت أعرف طعامه المفضل: الحبق. بالرغم من أنه كان يحب أيضًا البقدونس والعنب والموز، فإن الحبق كان المفضل لديه. عندما كنت آتي نحوه حاملةً الحبق، كان يشب على قدميه ويأكل بكل سعادة… أعرف أنني أُسقِط كافة أنواع المشاعر على ثايمو، ولكنه كان يعرفني. عندما كنت أصعد الدرج لإطعامه، كان يميز خطوتي عن خطوات الآخرين وكانت ردود أفعاله تختلف إذ يصيبه الحماس فور معرفته بقدومي. أجمل هذه الحوادث هو تصفيره لي عن سماعه لصافرة مني. كنا نتواصل بطريقتنا الخاصة تبعًا لمشيتي وصافرتي».

– «هل تقولين إنه كان يعني لك الكثير لأنه كان قادرًا على تمييزك؟»

توقفت أختي هنا ودمعت عيناها، وتنهدت قائلةً:

«عندما مرض مجددًا ولم يعد يقوى على تنظيف نفسه، قمت بتحميمه. الخنازير الغينينة حيوانات نظيفة جدًا، وأنا متأكدة أنه شعر أفضل بعد حمامه ذاك. في آخر أيامه، لم يعد هناك ركض ولا تصفير. كانت الدماميل الجديدة في فمه مؤلمة جدًا هذه المرة. وفي يومه الأخير، أكل ورقة حبق واحدة من كفي. تلك الورقة كانت وجبته الأخيرة».

شعرتُ بألم أختي. كانت مميزة بالنسبة لثايمو كما كان مميزًا بالنسبة لها. بالرغم من صغر هذا الحيوان وبساطته، كانت بينهما علاقة ديناميكية معقدة تميزها خصائص وأنماط تواصل وترحيب خاصة بهما. كان جديرًا بكل دمعة ذرفتها أختي.

فلنتفق سويًا على ما يلي: ليس كل امرئ قادر على اقتناء حيوان أليف. للحيوانات الأليفة فوائد، ولكن قبل أي شيء هذه المخلوقات فُطِرت على العيش لحياتها فقط. ولكن إن كنت قادرًا على تحمل مسؤوليتها، فأنا أتفهم كليًا رغبتك باقتناء واحد منها. بوجودها حولنا، نحن نشعر بوحدة أقل وبصحة أكبر لأن هذه المخلوقات تمتعنا بفوائد عدة منها:

  1.  التمرين الرياضي: لا شيء يضاهي المشي أو الركض مع كلبك، وهذا ما وصفه رايتي ومانينغ في كتابهما Go Wild. يمشي البعض مع قططتهم وأرانبهم وطيورهم. يجدر الانتباه إلى قابلية الحيوان للاستمتاع بالتمرين معك.
  2.  تقديم الاهتمام: لا يوجد قصة تصف هذه الفائدة مثل القصة للمؤلف يان مارتيل Life of Pi والتي حُوِّلت إلى فيلم. في تلك القصة، ينجو شخص ما من حادث تحطم سفينة بسبب عنايته بنمر خطر. الخلاصة هنا هي أننا نصبح أقوياء عندما نساعد الآخرين ونتحمل المسؤولية خصوصًا وأن الحيوانات الأليفة تذكرنا بوجود هدف لحياتنا.
  3.  تقديم العناية: بعض الحيوانات الأليفة قليلة التواصل ولا تهتم لأمرنا تحديدًا. ولكن يمكن للاهتمام بها أن يكون هواية مميزة تسمح لنا بأن ننسى قليلًا أنفسنا وأن نستمتع بحالة نفسية مميزة تُدعى التدفق.
  4.  الإحساس بالأمان والاطمئنان: بعض الحيوانات الأليفة تنبهنا عند قدوم غرباء أو عند تغير الظروف. من المريح دائمًا أن يرافقك في الحياة مخلوق لا يحكم عليك ويمكنك الاتكال عليه عند الشدة. كتب رايتي ومانينغ في كتابهما Go Wild عن أهمية الإحساس بالأمان الذي يتولد عند النوم بجانب الآخرين مثل حيوانات الحراسة التقليدية كالكلاب. مجرد الاستماع لحيواناتنا تتنفس ليلًا كفيل بتوليد إحساس بالراحة لدينا جميعًا.
  5.  الإحساس بكونك ملحوظ: لدى البشر حاجة بأن يُلاحظوا لفرديتهم. نحتاج لنوع من الألفة خصوصًا أثناء تفشي وباء الكورونا وما سببه من عزلة. ذكرتُ عدة مرات في مقالاتي السابقة أن الوحدة قاتلة وأن نقيضها هو الإحساس بأنك ملحوظ وأنك تمتلك علاقات تجمعك بالآخرين تشعرك بالسعادة.
  6.  تجربة جديدة: بسبب سيطرة نمط الحياة الانعزالي، بات الكثير يعانون رعبًا وجوديًا. ولكن يمكن لهذا الشعور أن يتبدد عند الانخراط في علاقة مع حيواناتنا الأليفة تخرجنا من قالب العلاقات التقليدية وتضعنا في وسط تجربة عميقة تجمع جوهر المخلوقات والأشياء كافة.

يسهل على البشر الشعور بالوجدانية تجاه باقي الأشياء شرط أن تكون تلك الأشياء من المخلوقات الحية، وهذا ما قد تساعدنا حيواناتنا الأليفة في تحقيقه: الدخول إلى عالم من الوعي الكامل لما حولنا.

اقرأ أيضًا:

هل تهتم القطط في حال تخليك عنها؟

الحيوانات الأليفة تحمي كبار السن من الانتحار

ترجمة: زهراء حدرج

تدقيق: وائل حجازي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر