فتح أفضل الكاميرات الرقمية المتوفرة في السوق الغالق مدة تقارب جزء من أربعة آلاف جزء من الثانية لالتقاط صورة واحدة فقط، ولكن تصوير النشاط الذري يتطلب سرعة أعلى بكثير.

في عام 2023، كشف العلماء عن طريقة مبتكرة لتحقيق سرعة غالق تبلغ تريليون جزء من الثانية، أي أسرع بنحو 250 مليون مرة من الكاميرات الرقمية التقليدية.

يتيح هذا التطور المذهل التقاط ظاهرة مهمة في علم المواد تُعرف باسم الاضطراب الديناميكي.

ببساطة، يحدث الاضطراب الديناميكي عندما تتحرك مجموعات من الذرات داخل المادة وتتراقص بطرق معينة خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك بسبب اهتزازات أو تغيرات في درجة الحرارة.

رغم أننا لا نفهم هذه الظاهرة بصورة كاملة حتى الآن، فإنها تؤثر مباشرةً في خصائص المواد وتفاعلاتها.

أصبح بإمكاننا الحصول على فهم أعمق لهذا الاضطراب، وذلك عبر نظام تحكم فائق السرعة في الغالق.

قد أطلق الباحثون على اختراعهم اسم «دالة توزيع الأزواج الذرية بزمن تعريض متغير»، أو vsPDF اختصارًا.

يقول عالم المواد سيمون بيلينج، من قسم علوم المواد في جامعة كولومبيا في نيويورك:

«باستخدام أداة vsPDF الجديدة، أصبح بإمكاننا رؤية هذا الجانب من المادة بوضوح. مع هذه التقنية، يمكننا الآن أن نرى الذرات التي تتراقص وتبتعد عن مواقعها المعتادة».

يتيح نظام الغالق فائق السرعة التقاط صور أكثر دقة للأجسام سريعة الحركة مثل الذرات المهتزة، فإذا استُخدمت سرعة غالق بطيئة في تصوير مباراة رياضية مثلًا، ستحصل على صورة مشوشة للاعبين. ينطبق الشيء نفسه على الذرات، فبدون السرعة الكافية، لا يمكن تصوير حركتها الدقيقة.

لتحقيق هذه السرعة الهائلة، تستخدم تقنية vsPDF النيوترونات بدل طرق التصوير التقليدية، فهي تتبع كيفية تصادم النيوترونات ومرورها عبر المادة لقياس مواضع الذرات المحيطة، مع تغييرات في مستويات الطاقة تماثل تعديلات في سرعة الغالق.

هذه الاختلافات الدقيقة في سرعة الغالق التي تصل إلى تريليون جزء من الثانية، ضرورية للتمييز بين الاضطراب الديناميكي والاضطراب الثابت؛ ذلك النوع من الحركة الذرية العشوائية الذي لا يسهم في تحسين وظائف المادة.

يضيف بيلينج: «يوفر هذا النظام طريقة جديدة تمامًا لفهم التعقيدات الخفية التي تحدث داخل المواد المعقدة، التي قد تكون ذات تأثير كبير في خصائصها».

اختبر الباحثون في الدراسة كاميرا النيوترونات الخاصة بهم على مادة تُعرف باسم «تيلورايد الجرمانيوم-GeTe»، وهي تُستخدم على نطاق واسع لتحويل الحرارة المهدرة إلى كهرباء أو العكس، بسبب خصائصها الفريدة.

كشفت الكاميرا أن المادة ظلت تحتفظ بهيكل بلوري في المتوسط عبر جميع درجات الحرارة، لكن عند ارتفاع درجة الحرارة ظهر اضطراب ديناميكي أكبر، وتحولت حركة الذرات إلى طاقة حرارية باتجاه يتطابق مع الاستقطاب الكهربائي الذاتي للمادة.

يسهم هذا الفهم الجديد في تطوير معرفتنا بالمواد الحرارية الكهربائية، ما يسهم في تطوير أجهزة أكثر كفاءة، مثل تلك التي تُستخدم في تشغيل مركبات الفضاء على سطح المريخ في غياب ضوء الشمس.

يمكن تعميق الفهم العلمي لهذه المواد المعقدة، باستخدام النماذج المستندة إلى الملاحظات التي سجلتها هذه الكاميرا المتقدمة.

مع ذلك، يلزمنا الكثير من الجهد قبل أن تصبح تقنية vsPDF أداة اختبار قياسية.

ختم الباحثون ورقتهم العلمية بقولهم: «نتوقع أن تصبح تقنية vsPDF أداة قياسية للتوفيق بين الهياكل المحلية والمتوسطة في مواد الطاقة».

اقرأ أيضًا:

إحدى أسرع كاميرات العالم تلتقط حركة الإلكترون

كيف تعمل الكاميرات الرقمية؟

ترجمة: ماسه فؤاد كريم

تدقيق: يامن صالح

مراجعة: ميرڤت الضاهر

المصدر