تتكون المملكة المتحدة من أربعة أقاليم أساسية، هي إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، ولطالما كانت العلاقة بين إنكلترا والأقاليم الثلاثة الأخرى في المملكة المتحدة متوترة جزئيًا، والسبب أن إنكلترا هي القوة المسيطرة دومًا، وقد جمعت باقي الأقاليم تحت جناحها بالفتح العسكري أو الاتحاد السياسي. أما كيفية حصول ذلك، فهي القصة التي يرويها هذا المقال.

بدايات المملكة المتحدة: إنكلترا تستولي على ويلز وتفشل في فتح اسكتلندا

ظهرت مملكة إنكلترا سنة 927 م، وألحقت بها أول إقليم آخر بالفتح العسكري؛ ففي نهايات القرن 13 م، فتح الملك إدوارد الأول إمارة ويلز غربًا وألحق أراضيها بمملكته، ثم غزا مملكة اسكتلندا شمالًا، ما أشعل لهيب أول حرب استقلال اسكتلندية (الحرب التي حكى عنها فيلم بريف هارت أو قلب شجاع).

انتهت أول حربي استقلال خاضتهما اسكتلندا باحتفاظها بسيادتها، بينما بقيت ويلز أرضًا محتلة. ومنذ عهد إدوارد الأول، منح ملوك إنكلترا لقب «أمير ويلز» لأولياء عهدهم دلالةً على سيطرتهم على هذا الإقليم، واستمر هذا التقليد حتى اليوم؛ إذ يحمل ولي العهد تشارلز لقب أمير ويلز، وحملت زوجته الراحلة ديانا لقب أميرة ويلز إبان زواجهما.

لم تصبح ويلز جزءًا من مملكة إنكلترا رسميًا حتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن 16 م. في عهد الملك هنري الثامن، أصدرت إنكلترا قانون الاتحاد الذي وسع مجال القوانين والأنظمة الإنكليزية لتشمل ويلز، وكان هذا أول اتحاد سياسي كبير في المملكة التي ستصبح لاحقًا المملكة المتحدة.

بريطانيا العظمى: اتحاد إنكلترا واسكتلندا

حين توفيت الملكة إليزابيث الأولى سنة 1603 م، كان أقرب وريث للعرش هو ابن عمها ملك اسكتلندا جيمس السادس، الذي حاز الآن لقب «جيمس الأول ملك إنكلترا» أيضًا، فأصبح الملك نفسه يحكم المملكتين: إنكلترا واسكتلندا، لكنهما احتفظتا باستقلالهما السياسي عن بعضهما فكان لكل منهما برلمان خاص. شهد القرن التالي محاولات عديدة فاشلة لدمج المملكتين، وانتهت هذه المحاولات سنة 1707 م بتوحيدهما تحت اسم «بريطانيا العظمى» إبان حكم الملكة آن (الملكة التي حكى قصتها فيلم ذا فيفوريت أو المفضلة).

يرى كريستوفر واتلي؛ أستاذ التاريخ الاسكتلندي في جامعة داندي، ومؤلف كتاب «الاسكتلنديون والوحدة: في الماضي والحاضر»، أن هناك أسبابًا عديدة وراء تحقيق هذه الوحدة أحدها وقوع اسكتلندا في الدين بعد محاولتها تأسيس إمبراطورية استعمارية في الأمريكيتين مثلما فعلت إنكلترا والبرتغال وإسبانيا، فيقول: «أدرك الاسكتلنديون أن وضعهم، وفق السياسة الواقعية، يتطلب دعم قوة بَحرية إن أرادوا تأسيس أسواق وصِلات عبر البحار، وهذه القوة هي إنكلترا».

إضافةً إلى ذلك، رأى الاسكتلنديون في الاتحاد طريقةً تمنع آل ستيوارت الكاثوليك من إحياء الملكية المطلقة، وتؤمن مستقبل اسكتلندا تحت ظل ملكية دستورية بروتستانتية، أما إنكلترا فقد تخوفت من وقوف اسكتلندا في صف فرنسا في حرب الخلافة الإسبانية إن لم تتحقق الوحدة. وهكذا وافقت إنكلترا -عام 1707 م- على منح اسكتلندا الأموال اللازمة لتسديد ديونها ومرر برلمانا الدولتين قانون الاتحاد لتصبحا أمة واحدة.

اتحاد بريطانيا العظمى بأيرلندا ثم انسحاب أيرلندا الجنوبية

نتذكر كيف كان جيمس السادس ملك اسكتلندا هو جيمس الأول ملك إنكلترا، حسنًا لقد كان أيضًا جيمس الأول ملك أيرلندا؛ ففي أربعينيات القرن 16 م أصبحت أيرلندا مملكة خاضعة لإنكلترا، ففي عام 1542 م نص قانون العرش الأيرلندي على أن يكون ملك إنكلترا هو ملك أيرلندا، وكان أول من حمل اللقبين معًا هو هنري الثامن، أما آخر من فعل ذلك فقد كان جورج الثالث، الذي أشرف على خلق المملكة المتحدة المكونة من بريطانيا العظمى وأيرلندا عام 1801 م.

يقول واتلي إن إنكلترا اتخذت اتحادها عام 1707 م مع اسكتلندا نموذجًا لاتحاد بريطانيا العظمى مع أيرلندا سنة 1801 م، لكن الاتحاد مع أيرلندا لم يستمر طويلًا كذاك الذي مع اسكتلندا، فبين عامي 1919 و1921، حارب الجيش الجمهوري الأيرلندي من أجل الاستقلال عن المملكة المتحدة، وقد انتهت حرب الاستقلال بتقسيم أيرلندا إلى قسمين: شمالي وجنوبي، عام 1922 م.

بقيت المنطقة الشمالية جزءًا من المملكة المتحدة التي غيرت اسمها إلى «المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية»، بينما أصبحت المنطقة الجنوبية «الدولة الأيرلندية الحرة» لكنها ظلت جزءًا من الكومنولث البريطاني، وفي عام 1937 م صارت المنطقة الجنوبية الأمة الأيرلندية ذات السيادة، أو «جمهورية أيرلندا» وانضمت للاتحاد الأوروبي عام 1973 وما زالت عضوًا فيه حتى اليوم.

صعود القومية

تلا الحرب العالمية الثانية صعود الشعور القومي بويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، واتخذ صورة الأنشطة المتنوعة والصدام العنيف وتأسيس أحزاب سياسية تنادي بالاستقلال عن المملكة المتحدة. وفي ديسمبر 2019، ازدادت النقاشات حول استقلال اسكتلندا وإعادة توحيد أيرلندا بعد أن أكدت الانتخابات بقاء رئيس الوزراء وقائد حزب المحافظين بوريس جونسون في سدة الحكم واستمراره بخطة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست) اتباعًا للاستفتاء الذي أجري في يونيو 2016 م.

لم يساند معظم الاسكتلنديين والأيرلنديين الشماليين البريكست بقدر ما سانده الإنكليز، وإحدى طرق بقاء الإقليمين في الاتحاد الأوروبي هي إعلان الاستقلال عن المملكة المتحدة، وفي حالة أيرلندا الشمالية فهذا قد يعني إعادة توحيدها بجمهورية أيرلندا.

استفتت اسكتلندا شعبها بشأن الاستقلال عام 2014 م، فاختار 55% من المصوتين البقاء ضمن المملكة المتحدة. ولكن تغير الكثير منذ ذلك الوقت، فبعد انتخابات 2019 قالت وزيرة اسكتلندا الأولى (رئيسة وزرائها) نيكولا ستارجن إنها ستتخذ خطوات لإجراء استفتاء ثانٍ بخصوص الاستقلال، ويعلق واتلي بقوله: «إن اتحاد عام 1707 م هو الآن أقرب ما يكون إلى الزوال مقارنةً بأي وقت آخر».

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن حروب الوردتين

بريكسيت – ما الذي تعرفه عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعلاقته باقتصادها؟

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر