جرب أن تسأل نموذجك اللغوي الكبير المُفضَل أن يخمن رقمًا بين واحد وخمسين وشاهد ماذا سيحدث!

إليك شيء شديد الغرابة لاحظه بعض الأشخاص. لدى روبوتات الدردشة المعتمدة على النماذج اللغوية الكبيرة، نزعة غريبة لإعطاء نفس الرقم عندما طُلب منها توليد رقم عشوائي.

فعندما طُلب منها تخمين رقم بين الواحد والخمسين، فإن الكثير من تلك النماذج اللغوية أجابت بـ 27 في كل مرة.

يمكنك تجريب الأمر بنفسك على نموذجك اللغوي المفضل لديك. فقد أظهر اختبار أجراه موقع IFLScience أن روبوتات الدردشة مثل ClaudeAI، وشات جي بي تي، والذكاء الاصطناعي الخاص بالمتصفح بينج، جيميني، كلهم أعطوا نفس الرقم 27 عندما طُلب منهم تخمين رقم بين 1 و50.

أجرى مستخدمو موقع ريديت تجارب أوسع بكثير. إذ طلب العديد منهم من هذه النماذج توضيح أسباب اختيارها لهذا الرقم، وكانت التبريرات متفاوتة. مثلًا، ورد التفسير التالي من النموذج اللغوي الخاص بأحد المستخدمين:

«بالأخذ في الاعتبار مدى الأرقام بدأت بتحديد طلب المستخدم وهو تخمين رقم بين 1 و50. فوضعت خطة لتوليد عدد صحيح عشوائي ضمن هذا النطاق. ثم أعرض الرقم الناتج على المستخدم.

تحديد الرقم العشوائي

ولدت رقمًا عشوائيًا، وهو 33. وهذا يتناسب مع طلب المستخدم بتخمين رقم بين 1 و50. والآن أنا مستعد لتقديم النتيجة.

تخميني هو 27!»

بمعنى آخر، تقدم بعض النماذج تفسيرات تبدو منطقية من حيث اختيار رقم متوسط في النطاق، مع تجنب الأرقام البارزة مثل مضاعفات 5 أو 10، التي قد تبدو غير عشوائية.

«أظهرت الدراسات أن الأشخاص حين يُطلب منهم اختيار رقم عشوائي، غالبًا ما يختارون 17 أو 37 لأنها تبدو عشوائية. ولكن لأن هذه الأرقام باتت معروفة جدًا أنها اختيارات عشوائية شائعة، اخترت رقمًا يبدو غير متوقع ولكن ليس غريبًا جدًا مثل 27».

لكن لا ينبغي أخذ كلام النماذج اللغوية أنه حقيقة مؤكدة. فهي في النهاية تختار كلماتها بطريقة ترضي المستخدم، وليس بناءً على فهم حقيقي أو حقائق ثابتة.

أجريت دراسات لمعرفة مدى كفاءة النماذج اللغوية في توليد أرقام عشوائية، وهي مهمة صعبة على جميع الآلات. وأظهرت النتائج أنها تميل إلى تفضيل أرقام معينة على غيرها، خاصةً الأعداد الأولية.

جاء في ورقة بحثية حول هذا الموضوع «الطبيعة الاحتمالية للنماذج اللغوية الكبيرة تُعد جوهرية في طريقة عملها. فعند توليدها للنصوص، تُختار كل كلمة -أو رمز- من بين توزيع احتمالي يعتمد على الكلمات السابقة المخزنة في نماذجها اللغوية المدربة عليها، ما يمنحها قدرًا من التنوع والابتكار. ومن المتوقع أن تنطبق هذه العملية العشوائية على كل المهام، متضمنةً توليد رقم واحد عشوائي».

«لكن الأرقام لا تُفهم بوصفها قيمًا عددية بالنسبة إلى النماذج اللغوية، بل رموز أو وحدات لغوية، إذ ينظر إلى خصائصها لا معناها الحسابي. أي إن الرقم 2 ليس له أي معنى أضافي مميز عن الرقم 3 أو الرمز +، أو حتى كلمة حصان، فكلها مجرد رموز لها تمثيلات في الفضاء الكامن لنموذج التعلّم اللغوي، اختيار بين مجموعة اختيارات».

وجدت الدراسة أنه عند طُلب اختيار رقم عشوائي بين 1 و5، تميل النماذج اللغوية لاختيار رقم 3 أو 4. أما في النطاق من 1 إلى 10، فكانت الأرقام الأكثر تكرارًا هي 5 و7، وفي النطاق من 1 إلى 100، اختارت النماذج اللغوية في الغالب الأرقام 37 أو 47 أو 73، وكلها أعداد أولية، عدا الرقم 4 في التجربة الأولى.

من المثير للدهشة أن البشر أنفسهم ليسوا محايدين تمامًا عند اختيارهم لأرقام عشوائية. كشفت دراسة شملت 200 ألف مشارك أن الناس يميلون لاختيار أرقام تحتوي على الرقم 7، مثل 7، و73، و77، و37.

الأكثر إثارة، أنه عندما سُئل المشاركون عن الرقم الذي يعتقدون أنه سيكون الأقل اختيارًا من بين الأرقام، اختاروا 73 و37! مع أن الأرقام الأقل اختيارًا فعليًا كانت مضاعفات الرقم 10 (مثل 30، 40، 50…)، التي يُنظر إليها لا شعوريًا أنها منتظمة جدًا بحيث لا تبدو عشوائية.

«يميل البشر عادةً لتفضيل الأرقام الكبيرة على الصغيرة. ورغم عدم وجود دراسة مباشرة تناولت هذه الظاهرة، أظهرت نتائجنا في مختلف النطاقات هذا الانحياز تكرارًا».

إن طلب رقم عشوائي من النماذج اللغوية الكبيرة يختلف تمامًا عن طلب تخمين رقم عشوائي. مع أن هذه النماذج لا تزال بعيدة كل البعد عن القدرة على توليد أرقام عشوائية بشكل عشوائي حقًا، فإن اختيار الرقم 27 تخمينًا قد لا يكون أمرًا سيئًا تمامًا، نظرًا لما يبدو من ميل البشر أنفسهم إلى محاولة الظهور بمظهر غير متوقع، بطريقة متوقعة للغاية.

مع ذلك، فإن تكرار اختيار الرقم 27 يشير إلى وجود شيء ما أعمق بكثير. يشرح دانيال كانغ، أستاذ مساعد في جامعة إلينوي: «تؤثر بيانات التدريب في سلوك النموذج بدرجة كبيرة. ومن العوامل الأخرى التي تؤثر في مخرجات النموذج: آلية التعلم المعزز عبر التغذية الراجعة من البشر، وآلية أخذ العينات. يُشتبه في أن آلية التعلم المعزز عبر التغذية الراجعة من البشر على وجه الخصوص قد تؤدي إلى ما يُعرف بانهيار الأنماط، وقد تكون مرتبطة مباشرةً بهذه الظاهرة».

اقرأ أيضًا:

باحثون من شركة آبل: الذكاء الاصطناعي في الغالب مُجردّ وهم

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي حلّ المعادلات الرياضية التي عجز العلماء عن حلّها؟

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر