بينما لا يزال العلماء يناقشون إمكانية السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، هناك عائق آخر يقف في طريق الوصول إلى النجوم.
تبقى محاولة الاستيطان على المريخ محدودة مقارنةً بحلم استيطان أنظمة نجمية أخرى.
إذ توجد تحديات هندسية واجتماعية كبيرة ينبغي التغلب عليها لإنشاء قاعدة على كوكب آخر ضمن النظام الشمسي، لكن في حال السفر بين النجوم، لا تقتصر العقبات على التقنية منها فحسب، بل تشمل أيضًا حدودًا علمية تفرضها فيزياء الكون.
يعرف الكثيرون أن سرعة الضوء في الفراغ تُعد الحد الأعلى للسرعة في الطبيعة، لكن الاقتراب من هذه السرعة صعب للغاية من منظور فيزيائي.
وفقًا لنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، من المستحيل لجسم له كتلة أن يصل إلى سرعة الضوء في الفراغ.
يلجأ كُتّاب الخيال العلمي الذين يرغبون بتصوير مستقبل للبشرية بين النجوم إلى مفاهيم مثل «الانحناء الفضائي» أو «الفضاء الفائق»، التي تسمح للمركبات بالسفر بسرعات تفوق الضوء دون المرور فعليًا بسرعته.
ما زال العلماء يناقشون مدى واقعية أفكار مثل الثقوب الدودية، ناهيك بالقدرة على التحكم فيها واستخدامها بطريقة عملية لتحقيق التنقل حسب الحاجة.
تتناول نوعية أخرى من الخيال العلمي سرعة الضوء أنها حاجز لا يمكن تجاوزه، لكنها تطرح سيناريوهات تسافر فيها مركبات ضخمة بسرعات تقترب كثيرًا من سرعة الضوء.
غالبًا ما يُستفاد من تأثيرات تمدد الزمن، إذ تمرّ السنوات ببطء على متن السفينة مقارنةً بمن تركوهم خلفهم. لكن في الواقع، تواجه مثل هذه المهمات تحديًا آخر يرتبط بالنسبية الخاصة ونادرًا ما يُذكر.
فمن تنبؤات أينشتاين أن الكتلة الظاهرية للأجسام تزداد كلما اقتربت من سرعة الضوء.
يُعد هذا أحد التفسيرات التي تشرح لماذا لا يمكن بلوغ سرعة الضوء: إذ تصبح الكتلة لا نهائية عند الوصول إليها.
لن يشعر الركاب على متن السفينة بهذه الزيادة في الكتلة –فلن تزداد أوزان أطرافهم مثلًا– لكن كلما زادت السرعة، أصبح تسريع الجسم أصعب.
حسب قانون نيوتن الثاني (القوة = الكتلة × التسارع)، تعني زيادة الكتلة انخفاض التسارع الناتج من قوة ثابتة.
تحقق العلماء من هذه الظاهرة تجريبيًا في مسرّعات الجسيمات مثل مصادم الهدرونات الكبير، إذ يمكن تسريع جسيمات دون ذرية لتقترب كثيرًا من سرعة الضوء. ومع اقترابها من هذه السرعة، تزداد الطاقة المطلوبة لتحقيق زيادات بسيطة في السرعة.
يمكن تنفيذ مثل هذه التجارب لأن الكتلة الساكنة لتلك الجسيمات ضئيلة للغاية. حتى عندما تبلغ كتلتها ملايين أضعاف الكتلة الأصلية، فإنها تبقى صغيرة بما يكفي للتعامل معها عمليًا.
لكن يتطلب تسريع مسبار صغير مثل فوياجر إلى سرعات مماثلة طاقةً تفوق القدرة التخيلية، فكيف إن كان المطلوب تسريع مركبة تحمل بشريًا بكامل أنظمة دعم الحياة؟
يُطلق الفيزيائيون على السرعات التي تبدأ عندها هذه التأثيرات بالظهور اسم «السرعات النسبية».
لا يوجد حد فاصل دقيق يحدد بداية هذه السرعات، ولا تعريف رسمي.
عند 10% من سرعة الضوء، تزداد الكتلة بنحو 0.5% فقط، وعند 50% تصبح أكبر بـ 15%، لكن عند 90% من سرعة الضوء، تتضاعف الكتلة أكثر من مرتين.
تزداد صعوبة الوصول إلى هذه السرعات عندما تعتمد المركبة على الدفع الذاتي، سواءً أكان باستخدام الصواريخ أم الدفع الأيوني أم غيرها من الوسائل.
فليست الحمولة وحدها من تزداد كتلتها، بل يشمل ذلك الوقود أيضًا.
يتطلب الوصول من 40% إلى 50% من سرعة الضوء طاقة –وقودًا- أكثر مما يتطلبه الانتقال من 0% إلى 10%، ذلك لأنها تدفع كتلة أكبر. على هذا، يجب أن تبدأ المهمة بحمل وقود أكثر، ما يضيف كتلة أكبر ينبغي تسريعها حتى في السرعات المنخفضة.
حتى إن كانت المركبة تعمل بالاندماج النووي وتُنتج كميات هائلة من الطاقة من كل غرام وقود، تبقى هذه الحلقة المفرغة عائقًا حقيقيًا، خصوصًا عندما نأخذ في الحسبان كتلة المفاعلات المطلوبة لتحويل الوقود إلى طاقة.
لذلك فإن الاقتراحات الواقعية الوحيدة لإرسال مركبات فضائية إلى أقرب النجوم في حياة البشر الحاليين، تعتمد على استخدام قوى خارجية مثل أشعة الليزر العملاقة لدفع مجسات خفيفة جدًا بسرعة 10 – 20% من سرعة الضوء.
لكن لا تحتمل هذه التصاميم سوى أوزان ضئيلة جدًا –بالكاد كاميرا وجهاز إرسال لاسلكي ومجس خفيف لالتقاط ضوء الليزر– أي أقل بملايين المرات من الحمولة اللازمة لحمل البشر.
اقتُرحت عدة مسارات للتغلب على هذه التحديات، من بين هذه الحلول تقنيات التجميد الحيوي لبعثات تدوم آلاف السنين، وسفن ضخمة تُولَد فيها أجيال وتموت قبل الوصول، وروبوتات ذات عمر افتراضي شبه سرمدي، أو مهمات تستغرق عقودًا وتسافر بسرعة أقل من عتبة التأثيرات النسبية الكبيرة.
لكن عند التأمل في الموارد الهائلة التي تتطلبها معظم هذه الخيارات –ربما باستثناء الروبوتات– لا تبدو «مفارقة فيرمي» -التي تتساءل لماذا لم نجد حضارات فضائية- بهذه الغرابة. ربما نظرت الكائنات الفضائية إلى المسافة والمدة الزمنية، ثم قررت ببساطة أن الأمر صعب جدًا ولا يستحق العناء.
اقرأ أيضًا:
ماذا سيحدث عند دخول مركبة فضائية بسرعة تفوق سرعة الضوء ثقبًا أسود؟
كيف سيبدو الكون في حال تمكنا من تجاوز سرعة الضوء؟
ترجمة: لور عماد خليل
تدقيق: باسل حميدي