تُعد القارة القطبية الجنوبية موطنًا لنحو 20 مليون زوج متكاثر من طيور البطريق، مثل بطاريق أديلي بالقرب من جزيرة بوليت في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية. لكن ماذا يوجد تحت الجليد الذي تتمايل عليه هذه البطاريق كل يوم؟

قد تبدو القارة القطبية الجنوبية من الأعلى مساحة شاسعة من الأرض، باردة ومسطحة ومهجورة ،وهي كذلك فعلًا، لكن تحت ذاك اللوح الجليدي يكمن عالم خفي.

اكتشف العلماء مناطق متعددة تسكن فيها الكائنات البحرية، واكتشفوا أيضًا أنهارًا خفية وبحيرات وجبالًا ووديان وأنواعًا من البكتيريا البدائية، إضافةً إلى بقايا أنظمة بيئية قديمة.

نحو 90% من القارة القطبية الجنوبية مغطى بطبقة جليدية سميكة يبلغ متوسط عمقها 2.2 كم تقريبًا، كانت أنتاركتيكا أو القارة القطبية الجنوبية على هذا الحال منذ نحو 34 مليون عام.

اكتشف العلماء إلى الآن جزءًا بسيطًا مما كان يقبع أسفل هذه الكتلة الضخمة من الجليد. من الممتع أن نغوص في هذه العوالم السابقة، وأن نفهم كيف تكونت هذه القارة عبر الزمن، وما يمكن أن يعنيه هذا. ماذا يمكن أن يخبرنا هذا العالم عن تاريخ وجودنا على هذا الكوكب؟

اكتشف العلماء أول حفرية للكهرمان على سطح القارة القطبية الجنوبية، وهي بقايا غابة مطيرة كانت تغطي القارة منذ أكثر من 90 مليون عام، ويعتقدون أن من المحتمل العثور على المزيد من الكهرمان في عمليات التنقيب المستقبلية.

تضم القارة القطبية الجنوبية أيضًا أكثر من 400 بحيرة أسفل الجليد، ومنها بحيرة فوستوك، أكبر بحيرات قارة أنتاراكتيكا، وتقع على عمق أكثر من 2.5 ميل، أي ما يعادل نحو 4 كم من الجليد بالقرب من محطة فوستوك البحثية الروسية.

ما الذي يمكن أن يعيش هنا؟ ربما ميكروبات، لكن أيضًا بسبب الضغط الهائل من الجليد، ربما توجد أنواع من الحياة لا توجد في أي مكان آخر على سطح الأرض.

في بحث آخر، استخدم الباحثون تقنيات التصوير بالرادار لرؤية ما يوجد تحت سطح الجليد، وتشير النتائج إلى وجود شبكة معقدة من القنوات النهرية توجه المياه إلى داخل هذه البحيرات وخارجها.

هل يُصرف الماء طبيعيًا أسفل الجليد؟

لصعوبة تخيل صورة جسم مائي كامل تحت صفيحة جليدية، تخيل نهرًا يتدفق إلى بحيرة أو محيط، ثم أضف 4 كيلومترات من الجليد فوقه.

يجعل هذا الجليد الماء يتصرف بغرابة شديدة، بل ربما نجد الماء يتدفق صعودًا تحت الجليد القطبي، إذ إنه في هذه الحالة لا يخضع للجاذبية الأرضية بالقدر نفسه.

ومع ذلك، إن الكثير مما يوجد تحت الجليد ليس مثيرًا كما يبدو. إن الغالبية العظمى مما يوجد تحت الجليد هو مجرد صخور، صخر قاعدي بلوري وغرانيت. وتوجد مساحات واسعة جدًا من الرواسب الطينية المشبعة بالماء تحت بعض أجزاء الجليد.

تلك هي المناطق التي يتدفق فيها الجليد بسرعة كبيرة نحو المحيط، لأن الجليد في الأساس يطفو فوق خليط طيني رطب من الرواسب. قد لا يبدو ذلك جميلًا مثل الجبال والوديان، لكنه مهم جدًا لفهم كيفية تصرف الجليد وتحركه.

إن معرفة ما يجري تحت الغطاء الجليدي أمر بالغ الأهمية للتنبؤ بما سيحدث عند ذوبانه. توجد مناطق كاملة في القارة القطبية الجنوبية -مثل أجزاء كبيرة من غرب أنتاركتيكا- تقع تحت مستوى سطح البحر بسبب سماكة الغطاء الجليدي.

لا يوجد محيط هناك في الوقت الحالي، لأن الجليد يشغل كل المساحة. إذا كنت تتخيل أن الجليد في وعاء، فإنه حاليًا على الحافة تمامًا، ولكن فور أن يبدأ الجليد بالتراجع، فإنه سيعود إلى الوعاء، ولأن الجليد أقل كثافة من الماء، سيصبح أقدر على الطفو. عند هذه النقطة تمامًا سيطفو الجليد مثل مكعب ثلج عملاق.

فور أن تمتلئ المنطقة بأكملها، التي تقع تحت مستوى سطح البحر في المحيط، سيصبح الجليد أكثر قابلية للانهيار، ما سيسهم بشكل أكبر في ارتفاع مستوى سطح البحر. اللحظة التي يبدأ فيها الجليد بالتراجع عن الحافة هي لحظة حاسمة جدًا، ونحن في هذه اللحظة الآن.

إن القارة القطبية الجنوبية مكان غير مستقر إلى حد بعيد، إنها جميلة وواسعة وغامضة لكنها في الوقت نفسه خطيرة جدًا.

اقرأ أيضًا:

عشرات البراكين تختبئ تحت جليد القارة القطبية الجنوبية، فهل يمكن أن تثور؟

تحول الجليد إلى غطاء أخضر في القارة القطبية الجنوبية ينذر بمشكلة كبيرة

ترجمة: أحمد صبري عبد الحكيم

تدقيق: نور حمود

المصدر