في مكان ما في مجرتنا، توجد محركات قادرة على دفع شظايا ذرية إلى سرعات تقترب من سرعة الضوء. ويُعد الموت الانفجاري للنجوم مكانًا طبيعيًا للبحث عن مصادر هذه الجسيمات الكونية عالية الطاقة، لكن عندما يتعلق الأمر بأقوى الجسيمات، تنتاب الباحثين بعض الشكوك.

توجد نظرية مفادها أن المستعر الأعظم مصدر لانبعاثات الأشعة الكونية في أعلى طاقاتها، وقد عمل فريق دولي صغير من الفيزيائيين على كثير من عمليات المحاكاة التي قد تُسهم في إنقاذ هذه النظرية، إذ تشير النتائج إلى وجود فترة وجيزة قد يتحول في أثنائها نجم منهار إلى أقوى مُسرّع جسيمات في الكون. لقد مسح العلماء السماء لأكثر من قرن، بحثًا عن ظواهر قد تفسر تلك التدفقات المستمرة نسبيًا من النوى الذرية والإلكترونات التي تمطر كوكبنا.

يشبه تتبّع مسار هذه الجسيمات محاولة التقاط زجاجة من الشاطئ والتحديق في الأفق بحثًا عن موطنها الأصلي؛ فشحنات معظم الأشعة الكونية تجعلها رهينة لمحيط مضطرب من المجالات المغناطيسية المنتشرة في المجرة وخارجها، ما يدفع الباحثين للبحث عن أدلة غير مباشرة.

لطالما درس العلماء المستعر الأعظم المعروف باسم نجم تايكو، الكائن في الجوار القريب من مجرتنا على بعد بضعة آلاف من السنين الضوئية، وذلك بحثًا عن دلائل فيزيائية قد توضح كيفية تسريع الجسيمات المشحونة.

انبهر علماء الفلك بتألق النجم المفاجئ في عام 1572 الذي نعلم اليوم أنه الصرخة الأخيرة لقزم أبيض أنهى حياته بانفجار نووي حراري كارثي. وقد اصطدمت موجة الحرارة والإشعاع الناتجة بطبقة الغازات المحيطة، بينما انهار قلب النجم تحت وطأة ثقله، مولّدًا مجالات مغناطيسية هائلة.

نشر الباحثون تحليلهم لهذه المجالات عام 2023، ووجدوا أن قدرتها على توليد الأشعة الكونية كانت أصغر بكثير من تلك المتوقعة في النماذج الحالية. ومع إن ذلك لا يستبعد احتمال أن تكون النجوم المنهارة مسرّعات جسيمات، فهو يثير تساؤلات حول مقدار الطاقة التي قد توفرها فعلًا.

تصطدم الأرض من حين لآخر بجسيمات أقوى بألف مرة من أي شيء استطاعت تقنيتنا توليده حتى اليوم. هذه الطاقات، التي تُقاس بوحدة بيتا-إلكترون فولت (PeV)، يُعتقد أنها ناتجة عن محركات كونية افتراضية تُعرف باسم PeVatrons.

قد تكون النجوم المحتضرة هي تلك المحركات الغامضة التي طالما بحثنا عنها، وذلك بحسب علماء الفيزياء الفلكية روبرت بروس من جامعة بوتسدام في ألمانيا، وإيوري سوش من المركز الإسباني لأبحاث الطاقة والبيئة والتكنولوجيا، وجوناثان ماكي من معهد دبلن للدراسات المتقدمة.

يحتاج النجم المحتضر أولًا إلى طرد كمية كافية من المادة لتشكيل غلاف كثيف من حوله. وعند لحظة انفجار المستعر الأعظم، تصطدم موجة الصدمة سريعة التمدد بهذه البيئة الكثيفة، ما يولّد اضطرابًا مغناطيسيًا كافيًا لتسريع النوى والإلكترونات إلى مستويات طاقة تصل إلى PeV. ويؤكد الباحثون أن العامل الحاسم هو التوقيت؛ لأن الغلاف المحيط يكون كثيفًا بما يكفي لتوليد هذا الاضطراب خلال العقد الأول أو الثاني فقط بعد الانفجار، ما يتيح للجسيمات الوصول إلى أعلى طاقاتها.

يكتب الفريق: من المحتمل أن بقايا المستعرات العظمى حديثة النشأة التي تتطور في بيئات كثيفة هي وحدها التي تفي بالشروط اللازمة لتسريع الجسيمات إلى طاقات PeV. ولو أن نجم تايكو تأخر في انفجاره بضعة قرون فقط، لربما تمكّن علماء الفيزياء الفلكية من تسجيل وابل من الأشعة الكونية بأعلى طاقاتها. وربما تُتيح لنا النهاية العنيفة المقبلة لنجم قريب آخر الفرصة الحاسمة لفكّ لغز PeVatrons أخيرًا.

اقرأ أيضًا:

في سبق علمي، لاقط الأشعة الكونية يتمكن من رصد موجات تسونامي

الثقوب السوداء قد تقودنا إلى حل لغز الأشعة الكونية

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: يامن صالح

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر