يعمل شات جي بي تي على تحليل كميات هائلة من النصوص وتحديد الأنماط، وتوليفها لتوليد استجابات لمتطلبات المستخدمين. تُعد استعارات الألوان مثل «الشعور بالزرقة» و«رؤية اللون الأحمر» شائعة في اللغة الإنجليزية، ومن ثم تُشكل جزءًا من مجموعة البيانات التي يُدرَّب عليها شات جي بي تي.
لم يرَ شات جي بي تي قط سماءً زرقاء أو تفاحةً حمراء بالطريقة التي رآها البشر، مع أنه قد «قرأ» مليارات الكلمات حول معنى الشعور بالزرقة أو رؤية اللون الأحمر. هذا يطرح تساؤلات: هل التجارب المتجسدة -قدرة النظام البصري البشري على إدراك الألوان- تُمكّن الناس من فهم لغة الألوان بما يتجاوز الطرق النصية التي يُدركها شات جي بي تي؟ أم أن اللغة وحدها، لكل من الذكاء الاصطناعي والبشر، كافية لفهم استعارات الألوان؟
تُقدم نتائج جديدة من دراسة نُشرت في مجلة Cognitive Science، بقيادة البروفيسورة ليزا عزيز زاده وفريق من الباحثين، بعض الرؤى حول هذه الأسئلة وتثير المزيد منها. تقول ليزا، المؤلف الرئيس للدراسة: «يستخدم شات جي بي تي كمية هائلة من البيانات اللغوية لحساب الاحتمالات وتوليد استجابات شبيهة جدًا بالإنسان، لكن ما يهمنا هو استكشاف هل ذلك نوع من المعرفة غير المباشرة، مقارنةً بالمعرفة البشرية المبنية على التجارب المباشرة؟».
أجرى فريق البحث استطلاعات رأي واسعة النطاق عبر الإنترنت لمقارنة أربع مجموعات من المشاركين: بالغون يرون الألوان، وبالغون مصابون بعمى الألوان، ورسامون يعملون بانتظام مع أصباغ الألوان، وبرنامج شات جي بي تي. كُلِّفت كل مجموعة بتعيين ألوان لكلمات مجردة مثل «فيزياء»، وطُلب من المجموعات أيضًا فك رموز استعارات لونية مألوفة «كانوا في حالة تأهب قصوى» واستعارات غير مألوفة «كانت حفلة وردية للغاية»، ثم شرح أسبابها.
أظهرت النتائج أن البشر الذين يرون الألوان والذين يعانون عمى الألوان كانوا متشابهين بشكل مدهش في ارتباطهم بالألوان، ما يشير إلى أنه على عكس فرضية الباحثين، فإن الإدراك البصري ليس بالضرورة شرطًا للفهم المجازي. أظهر الرسامون تحسنًا ملحوظًا في تفسير استعارات الألوان الجديدة بشكل صحيح، هذا يشير إلى أن التجارب العملية باستخدام الألوان تفتح آفاقًا أعمق لتمثيلاتها المفاهيمية في اللغة.
ولّد برنامج شات جي بي تي ارتباطات لونية متسقة للغاية، وعندما طُلب منه شرح أسبابه، غالبًا ما أشار إلى ارتباطات عاطفية وثقافية بألوان مختلفة. مثلًا لتوضيح استعارة الحفل الوردي، أجاب شات جي بي تي أن «اللون الوردي غالبًا ما يرتبط بالسعادة والحب واللطف، ما يشير إلى أن الحفل كان مليئًا بالمشاعر الإيجابية والجيدة».
استخدم شات جي بي تي التفسيرات المجسدة بشكل أقل من البشر، وتعطل بشكل أكثر تكرارًا عند مطالبته بتفسير استعارات جديدة «جعله الاجتماع عنابي اللون» أو عكس ارتباطات الألوان «عكس الأخضر».
تُبرز دراسات كهذه محدودية نماذج اللغة فقط في تمثيل النطاق الكامل للفهم البشري مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي. قد تستكشف الأبحاث المستقبلية هل قد يساعد دمج المدخلات الحسية -مثل البيانات البصرية أو اللمسية- نماذج الذكاء الاصطناعي على الاقتراب من تقريب الإدراك البشري؟
«يُظهر هذا المشروع أنه ما زال هناك فرق بين محاكاة الأنماط الدلالية، وطيف القدرة البشرية على الاستفادة من التجارب المجسدة والمباشرة في تفكيرنا».
اقرأ أيضًا:
هل يقضي شات جي بي تي على محرك البحث غوغل؟
الصين تُطلق منافسًا لشات جي بي تي في حدثٍ أذهل الخبراء
ترجمة: محمد الشرقاوي
تدقيق: أكرم محيي الدين