منذ ما يزيد عن خمسة عقود، تمكن البشر من تحقيق أكبر إنجازاتهم في التاريخ، وتمثّل هذا الإنجاز بالنجاح في الهبوط على سطح القمر، واستمرت رحلات أبولو في الهبوط على سطح القمر ما بين فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وقد نجحت هذه الرحلات في تحطيم قيود كوننا كائنات أرضية لا يمكنها العيش في مكان آخر، إلى كائنات فضائية يمكنها النجاة على القمر كونه أقرب جيراننا الفضائيين.

في عام 1969 حينما نجح رائدا الفضاء نيل أرمسترونغ وباز ألدرين في الوصول إلى القمر وتمكنا من المشي على سطح القمر؛ تعلقت آمال الكثير من البشر في الرحلات المستقبلية، وكانت كلها تتلخص في حدوث أهداف أكبر في الرحلات القادمة، ولسوء الحظ لم يتمكن أي رائد فضاء من المشي على سطح القمر منذ رحلة أبولو 17. وفضلت وكالات الفضاء منذ ذلك الوقت إرسال روبوتات لاستكشاف القمر بدلًا من إرسال رواد من البشر. وكان أقصى ارتفاع وصل إليه البشر منذ ذلك الحين هو 200 أو 300 ميل فوق سطح الأرض بوصولهم إلى محطة الفضاء الدولية.

المريخ أم القمر؟

تفضل الكثير من وكالات الفضاء إرسال بعثات إلى المريخ، وتخطط معظمها لاستعمار الكوكب الأحمر بأكمله. أما إذا أخذنا في الاعتبار المعوقات التي قد تنطوي عليها مثل هذه الخطط الطموحة، فبوسعنا القول أنه لا يزال أمامنا عدة عقود قبل أن نتمكن من استعمار الكوكب الأحمر. ولهذا يصبح من الأسهل علينا أن نخطط لوضع أقدامنا من جديد على سطح القمر، على أن تكون رحلاتنا القادمة أكثر تأثيرًا، وتعمل على تأسيس قواعد بشرية على سطح القمر يمكن لرواد الفضاء أن يعيشوا فيها ويعملوا بداخلها أسابيع أو ربما شهورًا طويلة.

وحينما نطرح فكرة القاعدة القمرية هنا، فنحن لا نعني أن تكون القاعدة بمثابة مدينة متكاملة ذات عاصمة، وإنما نعني أن تكون القاعدة القمرية معملًا كبيرًا بوسع العلماء أن يعملوا بداخله على فترات متباعدة زمنيًا مثلما يحدث على متن محطة الفضاء الدولية.

تأسيس قاعدة بشرية على القمر: الأهداف والأسباب - لماذا يجب علينا أن نبني قاعدةً بشريةً على القمر؟ كيف يعمل الجسم البشري في الفضاء؟

لماذا يجب علينا أن نبني قاعدةً بشريةً على القمر؟

أحد الأسباب التي تدفعنا إلى بناء قاعدة على سطح القمر أنها سوف تكون معملًا كبيرًا ونقطة انطلاق لرحلات مستقبلية نحو كوكب المريخ وغيره من الكواكب القريبة منا.

القرب من الأرض

يبعد القمر عن كوكب الأرض 384 ألف كيلومتر، وهو بهذا يشكل فرصةً عظيمةً لنا لتأسيس قاعدة بشرية تنطلق منها الرحلات المستقبلية نحو كواكب أخرى.
سافرت رحلات أبولو نحو القمر في ثلاثة أيام فقط، أما الوصول إلى كوكب المريخ فقد يستغرق بضعة شهور أخرى، والوصول إلى القمر بهذه السرعة سيجعل إطلاق رحلات الإغاثة من الأرض سريعةً إذا حدث خطأ ما.

توفير التواصل اللحظي السريع

التواصل مع رواد الفضاء، يعتمد في الغالب على إشارات تكون عبارةً عن موجات إلكترومغناطيسية تقارب سرعتها سرعة الضوء أي ما يقارب 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وبذلك قد تستغرق الرسالة 1.3 ثانية لكي تصل إلى الأرض من القمر. وهو توقيت مثالي، بالمقارنة مع التواصل مع رواد الفضاء على المريخ مثلًا. فعلى كوكب المريخ، قد يستغرق وصول رسالة ما من 5 إلى 20 دقيقة. أما تأخير لثانية أو أكثر فيسمح بتواصل الرواد بالصوت أو عن طريق الفيديو لحظيًا مع محطات المتابعة الأرضية.

يجب علينا فهم كيف يعمل الجسم البشري في الفضاء

إذا كنا نطمح أن نعيش في الفضاء الفسيح بعيدًا عن الأرض، يجب أن نفكر في القمر كخطوة أولى في طموحنا ذاك، فالذهاب إلى القمر وتدبير أمر بقائنا عليه فترةً طويلةً قد يسهّل علينا استعمار كواكب أخرى مثل المريخ. فالحياة على القمر مدةً طويلةً تساعدنا على فهم كيف يعمل الجسد البشري ويتفاعل مع الجاذبية المنخفضة. وقد ندرس كيف تؤثر الحياة على القمر أو على كوكب غريب في صحتنا وطريقة نومنا وصحتنا النفسية، ويجب علينا دراسة كيف يتأقلم الجسم البشري مع هذه البيئة الغريبة وتقلباتها الجوية وغيرها من العوامل. ويمكن اعتبار هذه القاعدة القمرية موقعًا مثاليًا للرصد الفلكي. فقد يستمر الرصد أثناء النهار على القمر مدة تصل لأيام أرضية كاملة وذلك نظرًا لدوران القمر حول نفسه ببطء.

ويبقى السؤال هنا هل نخطط حقًا لتأسيس قاعدة بشرية على سطح القمر؟ الإجابة هي نعم بالتأكيد. وأحد هذه المخططات العملاقة هي مشروع أرتميس الذي تسعى لتحقيقه وكالة ناسا الفضائية.

مشروع أرتميس:

في عام 2019، أعلنت وكالة ناسا عزمها على البدء في تنفيذ مشروع أرتميس. ومن الأهداف طويلة المدى لهذا المشروع العمل على تأسيس قاعدة بشرية على القمر، وقد وضعت ناسا تصورها للبدء في هذا المشروع بحلول عام 2024 وسوف تهبط فيه أول امرأة في التاريخ على سطح القمر.

من سوء الحظ أن رحلات أبولو كانت سريعةً وعاجلةً، ربما كان الهدف منها استعراض الإمكانيات التكنولوجية التي توصل لها البشر. أما عن رحلات القرن الحادي والعشرين المتمثلة في مشروع أرتميس الضخم، فستكون أكثر شمولًا وتأثيرًا، ومن أهداف هذه الرحلة إبقاء رواد الفضاء على القمر لأسابيع متتالية.

وأوضحت ناسا أن أحد الأهداف الرئيسية لمشروع أرتميس هو العودة إلى القمر مرةً أخرى وجعله نقطة انطلاق لرحلات مستقبلية طموحة، مثل استعمار كوكب المريخ، فمن الأرخص عمليًا أن يسافر رواد فضاء إلى القمر لا المريخ.

بوابة الفضاء

من مميزات مشروع أرتميس هو تأسيس بوابة مشرعة على الفضاء، هذه البوابة ستكون منصةً يذهب منها وإليها رواد الفضاء، وستكون قاعدةً تدور حول القمر بهدف إعادة تزويد الرحلات بما ينقصها من غذاء ووقود ومواد ضرورية للبقاء على سطح القمر فترات طويلة، وتهدف هذه البوابة الفضائية أيضًا إلى أن تكون في مدار يمسح لها بإطلاق بعثات إلى الفضاء العميق بعيدًا عن القمر.

الصراع العالمي نحو تأسيس قاعدة قمرية:

لا يمكننا اعتبار الولايات المتحدة وحدها من تسعى إلى تأسيس قاعدة قمرية، إذ تسعى دول أخرى مثل الصين إلى تأسيس قاعدة مدارية قمرية خلال عشر سنوات قادمة، وعلى نفس النهج تسير وكالات فضائية أخرى في الهند واليابان وروسيا وكندا وكلها دول أرسلت رحلات إلى القمر أو تسعى إلى إرسالها في المستقبل.

سوف يتحول القمر بالتدريج من مجرد منارة اعتادت أن تبدد ظلام ليالينا لملايين السنين إلى مكان تهبط منه وإليه رحلات مستقبلية فضائية واعدة، وسيمكّننا القمر أيضًا من النجاة في حالة حدوث أي كوارث على الأرض واستعمار كواكب أخرى في نظامنا الشمسي.

اقرأ أيضًا:

لماذا نريد العودة إلى القمر ؟

ما السبب في اختبار تقنيات قاعدة المريخ على القمر أولًا؟

ترجمة: هبة الحارس

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أحلام مرشد

المصدر