يبدو أن أزمة الرقائق الإلكترونية العالمية، أو أزمة نقص أشباه الموصلات، قد أثرت في الجميع، علمًا أن هذا الأمر كان متوقعًا.

توجد رقائق السيليكون في كل جهاز هذه الأيام، وهذا يتضمن الهواتف والحواسيب وأدوات المطبخ وحتى السيارات. تزداد جميع هذه التقنيات تطورًا، ما جعل المعالجات المتقدمة تُستخدم في كل جهاز.

هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الأزمة، فقد حدثت أزماتٌ في تصنيع الرقائق الإلكترونية عدة مرات من قبل، إحداها كان عام 1988 بسبب الطلب الهائل، ومجددًا عام 2000 بسبب نقص تصنيع عدة منتجات من قبل شركة إنتل. وأيضًا عام 2011، عندما تسبب حدوث زلزالٍ في اليابان بأزمة نقصٍ حادة في تصنيع رقائق بوابة NAND المنطقية والشاشات.

تحدث هذه الأزمات نتيجة مشكلات في سلاسل الإمداد العالمية أو أسباب متعلقة بتوفر الأيدي العاملة. ولكن بدلًا من أن تتخذ الشركات العاملة -التي تعتمد على هذه الرقائق كثيرًا في مجالاتها- تدابير صناعية تحد من تأثير هذه الأزمات، تُرك كل شيءٍ على حاله.

والآن وبعد حصول آخر أزمة، التي بدأت عام 2020، أصبح القطاع التقني بأكمله ضحية، وهذا يشمل كل شيء من السيارات وحتى أفضل كروت الشاشة المستخدمة وأحدثها في صناعة أجهزة الألعاب، وبات الجميع يسأل الآن: ما أزمة الرقائق العالمية هذه؟ ولماذا تحدث؟ وكم ستستغرق من الوقت حتى تزول ونشهد تحسنًا من جديد؟

ولا يمكن الإجابة على جميع هذه الأسئلة، لكننا جمعنا كل المصادر لنحاول شرح ما حدث حتى انتهى بنا المطاف هنا.

ما أزمة الرقائق الإلكترونية العالمية؟

تؤثر أزمة الرقائق الإلكترونية العالمية في قطاع تصنيع أشباه الموصلات وكافة القطاعات التي تعتمد على هذه النواقل المميزة وذلك يحدث عندما يعجز صُناع أشباه الموصلات عن تلبية حاجات القطاعات الأخرى من تصنيع عددٍ كافٍ من الرقائق. وهذه الرقائق في غاية الأهمية في القطاع التقني عامةً، فهي تُستخدم في كل جهازٍ إلكترونيٍ حديث في العالم.

أما بالنسبة للدّارات المتكاملة فهي تُصنع بتشكيل طبقاتٍ متداخلة من السيليكون بوضع رقائق متناهية الصغر فيها أشباه موصلات. أدى هذا الاختراع إلى حدوث ثورة في مجال تصنيع الإلكترونيات -وكان له تأثير على العالم- مدة 70 سنة، ولكن الدارات المتكاملة خلقت مشكلةً عويصة بنفس الوقت.

إن أي خللٍ غير متوقع في عملية تصنيع هذه الدارات قد يُسبب أزمات نقصٍ هائلة في كل أنواع المواد الاستهلاكية الإلكترونية أو حتى تلك التي تحتاج لعناصر إلكترونية خلال مرحلة التصنيع. وهذا له تأثيرٌ على كل شيء مثل جودة خدمات السكك الحديدية في المدن وحتى سرعة وصول الطعام إلى المتاجر الكبرى.

لأزمة الرقائق تأثيراتٌ تتعدى نقص توفر البضائع الاستهلاكية الشائعة مثل أفضل الشاشات والحواسيب والأجهزة اللوحية.

نحن الآن في خضم إحدى هذه الأزمات لأن المستهلكين مروا بأزمات نقص كافة أنواع البضائع على مدى السنتين السابقتين، لدرجة أن هذه الأزمة هي المحرض الأساسي وراء حدوث تضخم وارتفاع أسعار كافة المشتريات في العالم.

ما الذي سبب هذه الأزمة؟

السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة العالمية هو تفشي فيروس كورونا COVID-19، الذي أصبح جائحة في أواخر عام 2019 وحتى الآن.

نتج عن هذه الجائحة أمران أساسيان: الأول هو تعطيل سلاسل الإمداد العالمية بسبب نقص الأيدي العاملة، والثاني هو زيادة نسبة الطلب على أجهزة الحاسوب نتيجة اعتماد الاقتصاد المبني على العمل من المنزل بنسبة 13%.

وفي مجال الحوسبة تحديدًا، ازدادت أزمة الرقائق الإلكترونية سوءًا نتيجة زيادة شعبية العملة الرقمية. وكان للأشخاص الذين يقومون بتعدين العملات الرقمية الدور في شح المعالجات وكروت الشاشة بسبب زيادة الطلب لهذه القطع، ما جعل إمكانية حصول الشخص العادي عليها أكثر صعوبة.

سببٌ آخر وراء الأزمة هو موجات الجفاف التي أصابت تايوان. وأهمية تايوان تكمن في كونها أحد المراكز الرئيسية المصنعة للرقائق الإلكترونية في العالم وموقع الشركة التايوانية المُصنعة لأشباه الموصلات (TSMC)، وهي إحدى أهم الشركات الموزعة لأشباه الموصلات. أثرت موجات الجفاف على إنتاج المياه شديدة النقاوة، التي تُستخدم في تنظيف المصانع وسبائك السيليكون التي تُصنع منها رقائق السيليكون بكميات كبيرة.

وأثرت مجموعة عديدة من الأحداث أيضًا على تفاقم هذه الأزمة ومنها التوترات السياسية بين الصين وأميركا، وحدوث عواصف ثلجية في تكساس، وحرائق المصانع اليابانية، وإغلاق المصانع في شنغهاي لتفشي فيروس كورونا، وقيام الحرب الروسية الأوكرانية الحالية.

متى ستنتهي أزمة الرقائق الإلكترونية العالمية؟

تنبأ العديد من الخبراء الذين يعملون في شركات إنتل وAMD عن موعد تعافي قطاع تصنيع أشباه الموصلات من هذه الأزمة. وبالإجماع وجدوا أنها ستستمر طيلة عام 2023.

وضح المدير التنفيذي لشركة إنتل بات غيلسنجر: «ازداد الطلب ازديادًا رهيبًا على هذه الرقائق بنسبة 20% سنةً بعد سنة، وتسبب تعطيل سلاسل الإمداد بحدوث فجوةٍ حادة، مع بقاء الطلب مرتفعًا. وسيستغرق الأمر عدة سنوات حتى تعود الأمور لطبيعتها كليًا».

يرى الشريك المؤسس لشركة ديل والمدير التنفيذي مايكل ديل أيضًا أن هذا النقص سيستمر لعدة سنوات. وتشاركهم نفس الرأي المديرة التنفيذية لشركة AMD ليزا سو، إذ ترى أن هذا النقص سيخف في أواخر عام 2022، وتقول: «تسبب هذا الوباء بزيادة الطلب أكثر ممّا كنا نتخيل». وتدعم التقارير التي نشرتها شركة غارتنر، المعنية بتحليل المستجدات في هذا المجال التوقعات المطروحة وتشير التقارير إلى أن هذه الأزمة ستستمر طيلة 2022 أيضًا.

في الوقت الحالي، تحاول شركات TSMC و Quanta Computer -وهم الموردون الوحيدون لبعض أفضل أنواع أجهزة ماكنتوش- فتح معامل جديدة وتغيير موقع التصنيع لزيادة إنتاج الرقائق الإلكترونية، لكن هذه العملية تحتاج إلى أعوام حتى تُثمر نتائجَ تحد من هذه الأزمة. وتحاول شركة TSMC العمل في مواقع جديدة في الولايات المتحدة، لكن هذه العملية بطيئة أيضًا.

لكن يوجد بصيصٌ من الأمل، فقد أدت بعض التطورات مؤخرًا إلى تحسن ملحوظ. إذ عاد تصنيع المعالجات وبطاقات العرض أفضل من قبل، وهذان يعدان مؤشرين أساسيين لمدى سوء الأزمة، وأحد الأسباب وراء ذلك هو انخفاض الطلب على العملات الرقمية عمومًا وتخفيف تعدين عملة الإثيريوم.

ساهم في تحسن الأوضاع أيضًا عودة مصانع تصنيع الرقائق إلى العمل عبر الإنترنت بعدما توقفت عند انتشار الجائحة، بالإضافة إلى أن الحاجة إلى قوة عاملة تستطيع العمل من المنزل والذهاب إلى مكان العمل معًا وما رافق ذلك من ارتفاع الطلب على التقنيات الحديثة قد سُدت ومن غير المحتمل أن يرتفع الطلب على تحقيق هكذا شروط كما حدث في عام 2020.

ولكن مع ظهور منتجاتٍ تقنية جديدة كل عام، ودخول عناصر الحاسبات في المنتجات والخدمات التي كانت سابقًا تُعد متشابهة، فمن المستحيل القول إن كان التعافي من الأزمة قد حدث بالفعل، أو حتى إن كان ممكنًا.

اقرأ أيضًا:

توقع حدوث نقص في أشباه الموصلات مع غزو روسيا لأوكرانيا

كل ما تود معرفته عن شركة TSMC أحد أهم شركات العالم

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: أميمة الغراري

المصدر