قد يكون الركض بشكل جانبي على سطح القمر الحل لخلق جاذبية اصطناعية شخصية.

إن استكشاف البشر لسطح القمر سيكون محتملًا جدًا في غضون العقد المقبل تقريبًا، وقد يبقون فيه لأسابيع وربما لأشهر في كل مرة يذهبون فيها إلى هناك.

هذه الحقيقة تصطدم بشيء نحن متأكدون منه، فعندما يقضي البشر وقتًا في بيئات منخفضة الجاذبية، سيمثل ذلك عبئًا على أجسادهم، فما العمل؟

درس العلماء تأثيرات الجاذبية الضئيلة والجاذبية المنخفضة على جسم الإنسان، وتكشف العديد من تلك الدراسات عن مشكلات عدة، مثل ضمور العضلات وفقدان العظام لمعادنها.

يعاني نظام القلب والأوعية الدموية من التأقلم مع الحالة الجديدة، ويقاسي الجهاز العصبي أيضًا التحكم في وضعية الجسم وحركته، وبينما تزداد معرفة الباحثين يومًا بعد يوم بتلك التأثيرات على الجسم البشري، تبقى تلك الحلول بعيدة المنال.

نُشرت ورقة بحثية جديدة في مجلة Royal Society Open Science، ومؤلفها الرئيسي ألبرتو مينيتي، أستاذ علم وظائف الأعضاء في جامعة ميلانو Milan، تقترح حلًا حديثًا بسيط التقنية لهذه المشكلات، وكان عنوان الورقة: «الجري الأفقي داخل الجدران الدائرية للمستوطنات القمرية: إجراء مضاد شامل للتكيف مع الجاذبية المنخفضة».

يشير مينيتي وزملاؤه إلى أن تعيين تدريبات محددة لمشكلات محددة قد لا يكون النهج الأفضل. بدلًا من ذلك، قد تكون تدريبات الجسم كاملًا أداة قوية لدعم صحة رواد الفضاء. بمعنى آخر، بدلًا من تدريب مجموعات عضلية مختارة فقط، يبدو أن السبيل الأفضل هو إشراك كامل الجسم في الحركة. ومع ذلك، تظهر مشكلة في ذاك النهج.

في ظل جاذبية القمر المنخفضة، يُظهر المشي المتأرجح والوثب المترنح في أثناء الجري ديناميكيات غير طبيعية للجسم عند السرعات الأعلى، ويُقصد بالديناميكيات غير الطبيعية أن رواد الفضاء لا يستفيدون كثيرًا من هذا النوع من التدريبات الرياضية، إذ يعيقها خلل التوازن بين طاقة الحركة وطاقة الوضع لمركز كتلة الجسم، ما يعني عدم إمكانية استخدامها للحصول على نفس النوع من التدريبات المتوفرة على الأرض. علاوة على ذلك، فإن الاحتياجات الأيضية للوثب المترنح تقل عند جاذبية القمر، ما يحد من التحفيز المحتمل للياقة القلب والجهاز التنفسي.

توجد بعض الحلول المحتملة لمساعدة رواد الفضاء على القمر في الحفاظ على صحتهم في ظروف الجاذبية المنخفضة، ومنها استخدام تقنية الطرد المركزي، لأن الحركة الدورانية فيها تحاكي الجاذبية، ما يشجع الجسم ليحتفظ بكتلة العضلات والعظام، لكن تلك التقنية غير عملية وتستهلك الكثير من الطاقة.
يقترح المؤلفون حلًا حديثًا آخر مبنيًا على ما يعرف بجدار الموت.

يسمح كل من الاحتكاك وقوة الجذب المركزي لراكب الدراجة على جدار الموت بالقيادة عموديًا على سطح الجدار.

يقول المؤلفون في بحثهم: «نقترح هنا حلًا حديثًا مفاده أن باستطاعة ساكني القمر الانخراط في الجري داخل الجدران الدائرية العمودية، ما يعني الجري بموازاة سطح القمر».

قد يعزز التدرب في جدار الموت، الحفاظ على كتلة العضلات وكثافة العظام ولياقة القلب والأوعية الدموية وزيادة التحكم العصبي.

لا تمكّن الجاذبية الأرضية القوية البشرَ من الجري حول جوانب جدار الموت، إذ يمكن فقط للمركبات الآلية والدراجات القيام بذلك، لكن الجاذبية الأضعف على القمر تجعل الأمر قابلًا للتطبيق العملي.

حاكى الباحثون جدار الموت القمري، واختبروا أداء الأشخاص الذين يركضون فيه، استأجروا جدار موت ليوم واحد، واستخدموا أحزمة من الحبال المطاطية لتقليل وزن أجسام المشاركين، وذلك محاكاةً لجاذبية القمر المنخفضة.

شارك في الاختبارات رجل يبلغ من العمر 36 عامًا، وامرأة تبلغ من العمر 33 عامًا. ضُبطت الحبال المطاطية كي يبلغ وزن كل مشارك سدس وزن جسمه. رُبط الحزام في جانب واحد من الجسد لتقليد ظروف القمر أكثر، ودُمجت بيانات كل مشارك في جدار الموت مع بيانات جهاز مشي رياضي لإعطاء نتائج واقعية، وسرعان ما حصل المشاركون على الحركة غير العادية المطلوبة للجري أفقيًا داخل جدار الموت، وهذا ما تبدو عليه التجربة في الصورة التالية بمجرد الدخول إلى جدار الموت والربط بالحزام.

قال المؤلفون: «تطلبت هذه العملية من 5 إلى 8 محاولات فقط، وسمحت لهما تلك المحاولات بالبدء في الجري دون مساعدة. أنهى المشاركان التجربة بإبطاء سرعتهما بأمان والنزول من الوضع الأفقي على الحائط إلى الوضع المنتصب العمودي على أرضية جدار الموت دون وقوع إصابات».

واستطردوا: «أوضحنا فكرتنا أن أساسيات استخدام جدار الموت نجحت في دعم صحة رواد الفضاء على سطح القمر، وأثبتنا لأول مرة أنه باستطاعة البشر الركض أفقيًا بأمان في ظروف الجاذبية المنخفضة داخل أسطوانة بحجم جدار الموت المماثل على الأرض، عبر جاذبية اصطناعية أعلى، ومولدة ذاتيًا ومدارة بسرعة البشر».

يثق الباحثون في أن فكرة جدار الموت قد تساعد رواد الفضاء في التعامل مع التأثيرات الجسدية المزمنة بسبب ضعف جاذبية القمر، وفي الوقت نفسه، يدركون أنهم استخدموا عددًا قليلًا في العينة المشاركة، إضافة إلى القيود الأخرى للدراسة.

أنهى الباحثون دراستهم بالقول: «في الختام، إننا واثقون من النتائج التي توصلنا إليها، ومدركون لصغر حجم العينة، إضافةً إلى التبسيط المخل لتطبيق علم الحركة على مثل هذه التجربة الميدانية غير المألوفة، ومدركون أيضًا الحاجة إلى دراسات مستفيضة لتحسين هذا البحث».

يوفر جدار الموت طريقة للحصول على فوائد الجري في جلسات تدريب قصيرة باستخدامه يوميًا، بما أن الجري العادي على القمر أمر مستحيل.

استطاع المشاركون الذين يستخدمون جدار الموت -في بضع دورات يومية قصيرة- خلق جاذبية اصطناعية جانبية عالية بما فيه الكفاية، وقد تستطيع الحفاظ على حالة مقبولة من اللياقة القلبية الحركية، إضافة إلى الإبقاء على مستوى مناسب من معادن العظام.

تلك الطريقة مفيدة لهم في التحرك والعمل في موقعهم، من أجل الاستعداد للرحلة الطويلة إلى المريخ، والعودة إلى الأرض بحالة جيدة.

هناك بساطة في الحلول منخفضة التقنية للمشكلات المحيرة، ومن المحتمل أن يكون جدار الموت البسيط هو الحل لجاذبية القمر المنخفضة بدلاً من جهاز معقد شره في استهلاك الطاقة مثل جهاز الطرد المركزي. وخلص الباحثون إلى أن كل هذا يتم باستخدام منشأة غير مكلفة وبسيطة بُنيت بالفعل في وحداتهم المأهولة دائرية الشكل.

اقرأ أيضًا:

كيف يؤثر انعدام الجاذبية على القلب؟ الجواب تحمله ذبابة فاكهة

دراسة تكشف عن تأثيرات الفضاء على البنية العظمية لرواد الفضاء

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: نور حمود

المصدر