هل تعاني التعلق القلق؟ العلامات والعلاج بخطوات بسيطة

26 ديسمبر 2025
14 مشاهدة
0 اعجاب

هل تعاني التعلق القلق؟ العلامات والعلاج بخطوات بسيطة

 

يلاحظ بعض الأشخاص شعورًا متكررًا بعدم الاستقرار داخل علاقاتهم، ورغبةً دائمة في الحصول على تطمينات تؤكد قيمتهم لدى المقربين منهم، كما تتولد لديهم أفكار تشاؤمية مفادها أن علاقاتهم مهددة بالانهيار في أي لحظة. وهي سمات قد تُعزى إلى نمط التعلق القلق.


يتناول هذا المقال خصائص هذا النمط من التعلق وآليات التعامل معه، بما يتيح لمن يعانونه قدرًا أكبر من الانسجام في علاقاتهم المختلفة.


يشير عدد من المتخصصين في علم النفس إلى أن هذا النمط يرتبط بشعور دائم بانعدام الأمان العاطفي، وبحاجة مستمرة إلى تأكيد المكانة لدى الآخرين، فضلًا عن ميل إلى تبني أفكار كارثية بشأن مصير العلاقات. وتوضح المختصة النفسية كندرا ماثيس ماهية نمط التعلق القلق وكيف يمكن التكيف مع معظم العلاقات الإنسانية.


ما نمط التعلق القَلِق؟


يُعد نمط التعلق القَلِق أحد أنماط التعلق غير الآمن، ويتميز برغبة قوية في بناء روابط عاطفية عميقة، وخوف من الرفض أو التخلي، إضافةً إلى احتياج متزايد للدعم والتطمين. ويُعرف هذا النمط أيضًا بالتعلق المنشغل، نظرًا إلى ارتباطه بمستويات منخفضة من تقدير الذات والحاجة الشديدة إلى الحب والاهتمام.


أسباب التعلق القلق


يُعتقد أن هذا النمط يتشكل في مرحلة الطفولة نتيجة رعاية غير ثابتة أو متناقضة.


توضح اختصاصية علم النفس الإكلينيكي كندرا ماثيس أن الطفل الذي يتلقى استجابة واحتواء في أوقات معينة، ثم يواجه تجاهلًا أو غيابًا في أوقات أخرى، يطور نموذجًا ذهنيًا يرى من خلاله العلاقات بوصفها أمرًا يصعب التنبؤ به، ومن هنا تنشأ حاجته المستمرة إلى التطمين.


تشير أبحاث علم النفس إلى عوامل أخرى قد تسهم في نشوء نمط التعلق القلق، من بينها:


·     التعرض لتجاهل مفاجئ أو انقطاع في التواصل.


·     مواجهة فقد غامض لا يحظى فيه الشخص بإغلاق عاطفي عند انتهاء العلاقة.


·     تراكم مشاعر الاستياء الناتجة عن تجارب وعلاقات سابقة.


·     التعرض لصدمات نفسية.


توضح ماثيس أن الفرد قد يشهد تحولًا جذريًا في رؤيته للعالم ومعتقداته نتيجة حدث كبير، ما قد يؤدي إلى تغير نمط التعلق لديه، وإن نشأ بنمط تعلق آمن خلال طفولته وبداية شبابه.


علامات نمط التعلق القلق


يتجلى نمط التعلق القلق في مجموعة من المؤشرات، من أبرزها:


·     انشغال مفرط باحتياجات الطرف الآخر.


·     تقديم احتياجات الآخر على الاحتياجات الشخصية.


·     خوف مستمر من الرفض أو الهجر.


·     تراجع الشعور بالقيمة الذاتية.


·     حاجة قوية إلى التطمين والشعور بالمحبة.


·     أنماط متكررة من القلق أو التوتر المتصاعد.


·     شعور بالشك أو الغيرة داخل العلاقات.


·     صعوبة في وضع حدود صحية أو الحفاظ عليها.


·     صعوبة في التعبير عن المشاعر أو فهمها.


تشير ماثيس إلى أن «نمط التعلق القلق غالبًا ما يخلق دورة متذبذبة من المشاعر. إذ يتصاعد القلق حتى يتلقى الفرد قدرًا من التطمين من الطرف الآخر، ثم يعود الهدوء لفترة مؤقتة قبل أن تُعيد أي ضغوط جديدة داخل العلاقة إشعال التوتر من جديد».


كيف يؤثر نمط التعلق القلق في العلاقات؟


يحمل هذا النمط جانبين متناقضين. ففي فترات الضغط، قد يبدو الشخص متشبثًا أو شديد التعلق، ويتجه إلى سلوكيات تهدف إلى الحصول على التطمين، وهو ما قد يدفع الشريك أحيانًا إلى الابتعاد. أما عندما تكون العلاقة مستقرة، فيظهر الفرد حساسية عالية لاحتياجات الطرف الآخر، ويسعى إلى تلبيتها حتى قبل احتياجاته الخاصة. ونتيجة لهذه السمات، يشيع سلوك «إرضاء الآخرين» لدى أصحاب نمط التعلق القلق.


تشير ماثيس إلى أن هذا السلوك يرتبط عادةً بخوف عميق من الرفض أو الهجر، ما قد يعزز مشاعر الغيرة أو انعدام الثقة داخل العلاقة، إلى جانب شعور دائم بعدم الاستقرار في ما يتعلق بالقيمة الذاتية.


على مستوى العلاقات غير العاطفية، مثل الصداقات أو علاقات العمل، قد يمر الأفراد الذين ينتمون إلى هذا النمط بموجات من القلق أو بأفكار كارثية تتعلق بانتهاء العلاقة لمجرد وقوع خلاف بسيط.


توضح ماثيس أن مثل هذه التجارب قد تولد شكوكًا مستمرة حول القيمة الذاتية ومكانة الفرد داخل حياة الأشخاص المقربين منه، لا سيما عند الخوف من احتمال التعرض للهجر.


كيفية التعامل مع نمط التعلق القلق


عندما تطغى الجوانب السلبية في العلاقة، يمكن للأفراد الذين ينتمون إلى نمط التعلق القلق اتخاذ خطوات تسهم في تحسين تفاعلاتهم وتعزيز قدرتهم على التعامل مع الخلافات. يقوم التعامل مع هذا النمط على مداواة الجروح المرتبطة بالماضي، إلى جانب وضع حدود صحية للعلاقات الحالية والمستقبلية.


توضح ماثيس أن «جزءًا كبيرًا من معالجة نمط التعلق القلق يتمثل في بناء الوعي الذاتي والتعرف على أنماط السلوك الفردية المرتبطة بالمعتقدات الأساسية لدى الشخص».


تحديد المثيرات


يُعد تحديد المثيرات المرتبطة بنمط التعلق القلق خطوة أساسية لفهم أسبابها وطرق التعامل معها. من أكثر هذه المثيرات شيوعًا: التغيرات المفاجئة في سلوك الطرف الآخر، أو الظروف غير المتوقعة التي تخل بالنمط اليومي، أو أي تهديد مُتصور للعلاقة، مثل عودة شريك سابق إلى دائرة التواصل.


تشير ماثيس إلى أن التعرف المباشر على الأفكار التي تولد هذه المشاعر القوية ليس أمرًا يسيرًا، غير أن ملاحظة التحول السريع في الحالة الجسدية أو العاطفية تُعد مؤشرًا مهمًا. وقد يظهر ذلك في صورة موجة من القلق، أو تسارع في ضربات القلب، أو شعور بالانقباض في المعدة.


التعبير عن المشاعر


يمكن التعبير عن المشاعر بطريقة لا تدفع الآخرين إلى الابتعاد ولا تُحملهم اللوم، وذلك باستخدام صياغات تعبر عن التجربة الذاتية. فبدل إلقاء اللوم على الطرف الآخر، يمكن توضيح الشعور الشخصي المرتبط بالموقف. يسهم هذا الأسلوب في تقليل الحساسية الدفاعية لدى الطرف المقابل، ويعزز الوعي الذاتي بالمصادر الحقيقية للمشاعر.


التعبير عن الاحتياجات


لكل فرد احتياجات ينبغي أن تجد موقعًا داخل العلاقة. وإذا كانت حساسية الشخص تجاه الرفض أو القلق مصدرًا متكررًا للضيق، فقد يُفيده بناء وسائل دعم مشتركة. مثلًا، إذا ارتفع القلق عند مغادرة الشريك المنزل أو عند تأخر صديق في الرد، يمكن تخصيص لحظة قصيرة لمناقشة خطط اليوم أو تبادل لحظة دافئة، ويمكن طلب توضيح بسيط عند التوافر لتخفيف حدة القلق.


يعد التحدث عن هذه التجارب ومنح الآخرين مساحة الثقة حين يُبدون احترامًا للاحتياجات خطوة تساعد على بناء علاقات أكثر توازنًا واستقرارًا.


تعزيز السلوكيات الإيجابية


عندما يُبادر الآخرون بسلوك يخفف القلق، سواء بقصد أو دون قصد، فإن الإشارة إلى أثرهم الإيجابي تسهم في تحسين التواصل. ولأن نمط التعلق القلق يظهر عادة في لحظات الخلاف، فإن الالتفات أيضًا إلى اللحظات الإيجابية والتعبير عن الامتنان يعزز جودة التفاعل بين الأطراف.


تهدئة الذات


لا يمكن تحميل الآخرين مسؤولية المشاعر الداخلية. فرغم أهمية احترام الحدود المتبادلة، تبقى المسؤولية الشخصية عن ردود الفعل عنصرًا أساسيًا للنمو. وتوضح ماثيس أن الهدف من تهدئة الذات لا يكمن في إزالة المشاعر تمامًا، بل في خفض حدتها لتصبح أكثر قابلية للإدارة.


يمكن التعامل مع الأفكار الكارثية أو التوقعات السلبية عبر كتابة اليوميات، أو استخدام تقنيات الاسترخاء، أو البحث عن مصادر دعم معنوي بديلة مثل التطوع أو ممارسة نشاط محبوب، بدل الاعتماد المستمر على تطمين الآخرين. ومع الوقت، قد تعزز هذه الممارسات القدرة على تحمل المسافة الجسدية والعاطفية داخل العلاقات.


أهمية العلاج النفسي


نظرًا إلى صعوبة التعامل مع هذه التحديات ذاتيًا، يُنصح بالاستعانة بمعالج نفسي قادر على تقديم الدعم والتوجيه. ويساعد العلاج على تعلم تحديد المثيرات، وتحسين التواصل، وتطوير استراتيجيات تهدئة الذات، واكتساب أساليب تعزز الشعور بالقيمة الذاتية.


التعايش مع نمط التعلق القلق


التخلص من الأنماط غير الصحية وفهم العوامل التي تُشكل السلوك تستغرق وقتًا. ومع الاعتماد على التواصل الواضح واستراتيجيات التكيف السليمة، تخف تدريجيًا حدة الآثار المترتبة على هذا النمط. وقد يكتشف بعض الأفراد أن نمط التعلق قابل للتغير.


تشير ماثيس إلى إمكان اكتساب نمط تعلق آمن عبر الوعي الذاتي وتطوير الذات، وتوضح أن التواصل مع أشخاص يمتلكون نمط تعلق آمن قد يسهم في دعم هذا التحول.



المصادر:


الكاتب

رحاب القاضي

رحاب القاضي
ترجمة

رحاب القاضي

رحاب القاضي
تدقيق

مؤمن محمد حلمي

مؤمن محمد حلمي
مراجعة

أكرم محي الدين

أكرم محي الدين



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة