كلما ازدادت مستويات الذكاء العاطفي لدى الشخص، كلما ازداد الاتصال بين مشاعر الشخص ومشاعر الآخرين.

يوجد العديد من أنواع الذكاء، فبعض الأشخاص أذكياء في الكتب والمعرفة، وبعضهم أذكياء في الحياة العملية، وبعضهم جيدون في الرياضيات، في حين يتمتع الآخرون بموهبة التعبير بالكلمات.

أيًا كان نوع الذكاء الذي يتمتع به الشخص، هناك جانب آخر يجب النظر إليه، ألا وهو الذكاء العاطفي.

قد يتمتع الشخص بالذكاء العاطفي فقط، وقد يتمتع بالذكاء العاطفي والإبداع في الرياضيات مثلًا، أو قد يكون الشخص ناجحًا بأعماله لكن مع ذكاء عاطفي سيئ.

ما الذكاء العاطفي؟

يعني الذكاء العاطفي أن يكون الشخص على اتصال بعواطفه وعواطف الآخرين، أي أن يكون قادرًا على تحديد وإدارة وتوقع مشاعره ومشاعر الآخرين.

اقترح المعالج النفسي «دانيال غولمان» مصطلح «الذكاء العاطفي» عام 1995.

يعرَّف الذكاء العاطفي بأنه القدرة على اكتشاف العواطف وفهمها واحتوائها وضبطها. ويشير مصطلح «الذكاء العاطفي» إلى كيفية إدراك الشخص لعواطف الآخرين والاستجابة لها، وإلى كيفية إدارة عواطفه الخاصة، وفهم كيف ينظر لها الآخرون.

لماذا يُعد الذكاء العاطفي مهمًا؟

قد يساعد الذكاء العاطفي على إبقاء الشخص هادئًا ومتزنًا تحت الضغط، وإدارة اللحظات الصعبة بتمهل، والقدرة على التعامل مع أي شخص يقابله.

ذلك أنه كلما ازداد الذكاء العاطفي، تحسن فهم المشاعر الذاتية ومشاعر الأشخاص المحيطين، وقد يساعد ذلك على التعامل مع الناس تعاملًا أفضل، وجعل الشخص أكثر تعاطفًا وثباتًا حتى خلال الأوقات الصعبة.

كلما كان الشخص أفضل في فهم مشاعره الخاصة وتسميتها وتحديد سبب شعوره بهذه الطريقة، كان بإمكانه معرفة شعور الآخرين معرفةً أفضل.

يمنح الذكاء العاطفي الرؤية لطرح الأسئلة، بدلًا من افتراض أن كل شخص قد يشعر بالطريقة ذاتها التي نشعر بها.

مم يتكون الذكاء العاطفي؟

حدد غولمان خمسة مكونات رئيسية للذكاء العاطفي:

  •  الوعي بالذات: أي فهم المشاعر الذاتية والعواطف الخاصة، والأمور التي تثير هذه العواطف.
  •  التنظيم الذاتي: معرفة كيفية ضبط العواطف الذاتية والاندفاعات.
  •  التحفيز: الشعور بالإلهام لوضع الأهداف وتحقيقها، وتطوير النفس كي ينمو الشخص.
  •  التقمص العاطفي: القدرة على فهم الآخرين، رغم اختلاف الآراء والتجارب والعواطف.
  •  المهارات الاجتماعية: الانخراط والتفاعل جيدًا مع الآخرين، مثل المحادثات والبيئات الجماعية.

تقسم الدكتورة توريك الذكاء العاطفي إلى أربع فئات رئيسية، اثنتان منها شخصية «ذاتية»، واثنتان يتعلقان بالعلاقة مع الآخرين، وهي:

  •  الوعي الذاتي.
  •  الإدارة الذاتية.
  •  الوعي الاجتماعي.
  •  إدارة العلاقات.

يعد التعامل مع الذات والتعامل مع الآخرين أمرَين متلازمَين، ومرتبطَين ببعضهما بدرجة كبيرة. فكلما كان الشخص قادرًا على التعامل مع مشاعره الخاصة، كان قادرًا على فهم الآخرين إذ يشعرون بأمر مماثل.

الوعي الذاتي:

يشير الوعي الذاتي إلى قدرة الشخص على التعرف على مشاعره الخاصة وفهمها، وتتضمن ما يمر به الشخص وتجاربه وكيفية شعوره.

بعض الأمثلة عن الوعي الذاتي، التي تُعد نصائح لتحسين الوعي الذاتي:

  •  القدرة على تحديد المشاعر وتسميتها.
  •  معرفة السيناريوهات والبيئات التي قد تثير المشاعر المتنوعة.
  •  ملاحظة الشخص للإشارات الجسدية المتعلقة بمشاعره، إذ قد يُصاب الشخص مثلًا باضطراب في معدته عندما يكون متوترًا.
  •  إدراك تأثير البيئة الخارجية في المزاج.
  •  طرح أسئلة تعكس المشاعر في تلك اللحظة، مثل سؤال «كيف أشعر الآن؟» و«ما الذي يجعلني أتفاعل بهذه الطريقة؟».
  •  التفكير في العواطف للحصول على فهم أفضل لها، مثل كتابة اليوميات، والتحدث عنها في العلاج.

الإدارة الذاتية:

يشير هذا الجانب من الذكاء العاطفي إلى القدرة على تنظيم العواطف التي نشعر بها، مثلًا هل نهاجم الآخرين عندما نكون غاضبين؟ هل يفسد تعليق مؤلم يومنا كله؟ أو هل تُستَخدم مهارات التجاوز، مثل التنفس العميق والتحدث الإيجابي مع النفس، وأخذ فترات راحة عندما نحتاج إليها؟

أمثلة عن ضبط المشاعر:

  •  تجنُّب المبالغة في المشاعر، أو اتخاذ قرارات متهورة عند الشعور بمشاعر قوية، مثل الغضب.
  •  الحفاظ على التوازن ورباطة الجأش تحت الضغط.
  •  التكيف والمرونة عند تغير الظروف.
  •  الحفاظ على نظرة إيجابية عند مواجهة صعوبات الحياة.
  •  الوعي بالمشاعر، لكن دون الخضوع لها.

الوعي الاجتماعي:

يتعلق الوعي الاجتماعي بالتعرف على مشاعر الآخرين وفهمها، والقدرة على نقل المشاعر الخاصة للآخرين.

إذا استطاع الشخص أن يعرف ما الذي يجعله يشعر بطريقة معينة، فهو يستطيع أيضًا أن يفهم ما الذي يجعل شخصًا آخر يشعر الشعور ذاته.

كلما كان الشخص على اتصال مع عواطفه الخاصة، استطاع أن يدرك أن ما يجعله يشعر بشعور ما، قد يجعل شخصًا آخر يشعر بطريقة مختلفة تمامًا.

إدارة العلاقات:

كلما كان الشخص متجاوبًا مع مشاعر الآخرين، كان زميلًا وصديقًا وقائدًا أفضل. إذ يساعد الذكاء العاطفي على التواصل بفعالية أكبر مع الآخرين وحتى التعامل مع الصراعات التي تحدث معهم.

لا يرتبط الذكاء الفكري كثيرًا بالقدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين، فإن مدى الذكاء في الرياضيات لا يرتبط دائمًا بمدى القدرة على حل النزاعات أو بالقدرة على التفكير في حلول مرنة ومبتكرة، وهنا يأتي دور الذكاء العاطفي. فعند التفكير في الصفات التي تشكل قائدًا جيدًا، يتبادر إلى الذهن مهارات التواصل ومهارات حل المشكلات. أي أن وجود الذكاء العاطفي العالي يكمل أي نوع آخر من الذكاء والمهارات الموجودة لدى الشخص.

كيفية تحسين الذكاء العاطفي:

يعد الذكاء العاطفي أمرًا قد يتحسن الجميع به، ويمكنهم ممارسته.

قد يأتي الذكاء العاطفي طبيعيًا لدى بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، لكنه مجموعة من المهارات التي قد تتطور بمرور الوقت.

قد يساعد تحسين معدل الذكاء العاطفي على التعامل مع الضغوط اليومية والتواصل مع الآخرين.

تشارك الدكتورة توريك بعض النصائح لتعزيز الذكاء العاطفي:

الاحتفاظ بدفتر اليوميات:

كي يستطيع الشخص أن يفهم مشاعره فهمًا أفضل، يجب أن يبدأ بتوثيقها. ليس من الضروري أن تكون لديه مهارات عظيمة بالكتابة «أو حتى جيدة» للاحتفاظ بالمدونات.

وفقًا لتوريك، يعد تتبع الأفكار والعواطف وطرق تجربة الأشياء أمرًا جيدًا يساعد على اكتساب الرؤية لكيفية الشعور الذاتي وعلى تنمية الوعي الذاتي.

ويساعد ذلك على التقمص العاطفي تجاه الآخرين، متضمنًا فهم الطريقة التي يدرك الآخرون بها الأمور، ما قد يساعد الشخص على تحسين علاقاته.

ممارسة التأمل واليقظة الذهنية:

لكي يفهم الشخص نفسه، يجب عليه أن يقضي وقتًا حقيقيًّا في الاستماع إلى نفسه والانتباه لها.

تعد بعض الممارسات مثل اليقظة الذهنية والتأمل، طُرقًا يمكن من خلالها تحقيق انسجام أكبر مع النفس.

قد تساعد هذه الطرق أيضًا على فهم المشاعر الذاتية وتنظيمها ذاتيًا بشكل أفضل، وتعلم التفكير قبل التفاعل.

قد تساعد أنواع مختلفة من التأمل في تهدئة العقل وتقليل التوتر والقلق.

إن ممارسة اليقظة الذهنية تجعل الشخص واعيًا وحاضرًا -بصرف النظر عما يفعله – سواءً أكان يتناول الغداء أو يدير اجتماعًا.

التعلم من التجارب الخاصة:

للمساعدة على معرفة كيفية التواصل بشكل أفضل مع الآخرين، تذكر إذا كان هناك شخص ما قد طلب رأيك بقضية ما، وجعلك تشعر بالتقدير والدعم وبأنك مسموع حينها. يمكنك التفكير كيف صاغ ذلك الشخص سؤاله، ثم فكر بكيفية صياغة سؤال مماثل لشخص آخر. قد نستعمل نصائح القادة العظماء، والأشخاص الذين يتواصلون جيدًا في تفاعلاتنا الخاصة.

التمرين:

يشبه تحسين الذكاء العاطفي تحسين اللياقة البدنية، فهو شيء يجب العمل عليه عمدًا وباستمرار. مع أن الاتصال مع المشاعر الذاتية هو نصف المعركة، لا يمكن إهمال النصف الآخر، وهو العلاقة بالآخرين. يجب التحقق من صقل مهارات الذكاء العاطفي عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع الآخرين، وليس فقط الإدراك الذاتي. أي يجب على الشخص ممارسة مهارات التواصل الخاصة به، وألا يخاف من طرح الأسئلة.

العمل على مهارات الاستماع النشطة:

يمكن التدرب على الاستماع النشط بإعطاء المحادثات التركيز والاهتمام الكامل، وبذل جهد حقيقي لفهم ما يقوله الشخص الآخر ومن أين يأتي الكلام. يتضمن الاستماع النشط أيضًا الانتباه إلى لغة الجسد والإشارات اللفظية الأدق مثل النبرة، التي قد تساعد على فهم كيفية شعور الناس بالكلمات التي يقولونها.

اقرأ أيضًا:

كيف يؤثر تدخين الماريجوانا في الذكاء العاطفي؟

أربع علامات تدل على الذكاء العاطفي

ترجمة: قيثارة درويش

تدقيق: لين الشيخ عبيد

المصدر