الولايات المتحدة ترفع القيود عن الطيران التجاري الأسرع من الصوت، فهل نشهد كونكورد جديدة؟

9 ديسمبر 2025
18 مشاهدة
0 اعجاب

 الولايات المتحدة ترفع القيود عن الطيران التجاري الأسرع من الصوت، فهل نشهد كونكورد جديدة؟


 

تصبح في عالمنا المتطور أغلب الأشياء أسرع، لكن رحلات الطيران التجارية الطويلة ظلت استثناءً مدة طويلة، فهل يتغير ذلك مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص طيران يتجاوز سرعة الصوت؟

 

أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يسمح للطائرات التجارية بالطيران بسرعة تتجاوز سرعة الصوت عبر الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك للتخلي عن لوائح تنفيذية قديمة مفرطة التقييد وفق وصفه، وتخويل إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) بصياغة معايير حوكمة هذه الرحلات، ويتزامن هذا القرار مع سعي الشركات لتصنيع طائرات أسرع من الصوت وأهدأ، بيد أن القدرة على تحقيق ذلك ما تزال محط شكوك.

 

تطورت الطائرات الحديثة بما يسمح بالسفر إلى الجانب الآخر للعالم بسرعة أكبر مما كانت عليه في السبعينيات، فمع زيادة المسافات التي تقطعها الطائرات، أصبحت الرحلة من ملبورن إلى لندن تتضمن محطة انتظار واحدة بدل اثنتين مثلًا، ولكن الوقت الذي نقضيه في الطائرة لم يتغير كثيرًا، ولكن كثيرًا من مسارات السفر أصبحت أبطأ.

 

إن ذلك بسبب حاجز الصوت المحدد بسرعة 1,235 كيلومترًا بالساعة، والطيران بسرعة تتجاوز هذا الحد يسبب دوي اختراق حاجز الصوت (sonic boom) الذي يؤثر في المسافرين وقد يكسر النوافذ تحت الطائرة، ولهذا السبب ظهرت قيود عام 1973 التي يلغيها الأمر الإداري.

 

يسبب الاقتراب من سرعة الصوت أيضًا مشكلات تتعلق بالأمان وكفاءة استهلاك الوقود، فتجاوز 0.8 ماخ يجعل بعض جزيئات الهواء الذي يسري حول الطائرة أعلى من سرعة الصوت والبعض آخر أدنى، ما يزيد كثيرًا من قوة الإعاقة (drag) ويصنع موجات صدم تزيد عدم الاستقرار، ولذلك تحافظ رحلات الطيران التجارية على سرعات أقل من 1,000 كيلومتر بالساعة (إلا إذا كانوا محظوظين بريح خلفية).

 

ألهم التقدم في ديناميكا الرياح شركات (مثل بوم سوبر سونيك ولوكهيد مارتن) ليعتقدوا أن باستطاعتهم تحقيق رحلات طيران تتجاوز سرعة الصوت مع مشكلات أقل بكثير، وذلك بتوجيه موجات الصوت للأعلى أو إلغائها، وهذا هو العمل الذي أشار له الأمر التنفيذي في التصريح أن الحظر السابق كان «خانقًا للإبداع الأمريكي ويضعف قدرتها على التنافس الدولي ويترك القيادة للمنافسين الأجانب».

 

وجه الأمر مدير وكالة الطيران الفيدرالية الأمريكية إلى إبطال حظر الطيران أسرع من الصوت خلال 180 يومًا من تاريخ الأمر، ووضع معايير انتقالية بخصوص الضجيج، وقد مر أكثر من ثلث هذه الأيام منذ إصدار الأمر، وكان من الممكن لقرار مثل هذا جذب اهتمام واسع، ولكن قرارات البيت الأبيض الأخرى غطت عليه لما لها تبعات أقرب.

 

ستستمر القرارات الانتقالية من إدارة الطيران الفيدرالية عامًا، وستستغرق توجيهاتها المتعلقة بمعيار الضجيج المتعلق بالسفر أسرع من الصوت 18 شهرًا، وستتضمن المعايير عتبة الإقلاع والهبوط، وعملية تجاوز سرعة الصوت على المسار.

 

لا شك أن هذه العتبات ستثير الجدل، فاقترابنا -أو تحقيقنا- من التقنية اللازمة لجعل الطيران أسرع من الصوت أهدأ من الذي كان عليه في السبعينيات لا يعني أنها ستكون هادئة تمامًا، وحين تبرر إدارة ترامب حربها ضد طاقة الرياح جزئيًا على أساس ضوضاء دوران التوربين على بعد نصف ميل، هل ستكون الطائرات المتجاوزة لسرعة الصوت أهدأ من هذا؟

 

قد لا يكون هذا أكبر عائق لتحقيق أهداف الأمر الإداري، إذ أشار النص إلى أن التقدم يجعل الطيران الأسرع من الصوت ممكنًا وآمنًا ومستدامًا ومجدٍ تجاريًا، لكن هذا المعيار الأخير هو التحدي الأصعب فعليًا.

 

يتجاهل الأمر الإداري أن اللوائح لم تعق وجود رحلات طيران أسرع من الصوت من 1979عام إلى 2003، وذلك على خطوط الطيران البريطانية وعمليات فرنسا الجوية بواسطة طائرات كونكورد. كانت رحلات الطيران هذه عبر المحيط الأطلسي لأن الكائنات البحرية تفتقر إلى النفوذ السياسي إذا أزعجها الصوت، وتعود طائرات كونكورد لتحت سرعة الصوت عند الاقتراب من الهبوط لكي لا تؤثر في البشر.

 

ما حدث عمليًا أن كونكورد لم تستطع استرداد قيمة تطويرها، إذ أراد كل الناس رحلات أقصر عبر المحيط لكنهم وضعوا حدًا لما يريدون دفعه من أموال لذلك، ومع أن الانطباع العام يرى في هذه الرحلات تحفة هندسية، فإن تكاليف تشغيلها كانت هائلة، واعتمد استمرارها على عدد قليل جدًا من الرحلات المبتكرة والفخر القومي، وقد بدأ نبذها من خطوط الطيران عمليًا حتى قبل حادث تحطم عام 2000 الذي قتل كل المسافرين.

 

إن من أكبر العوامل هو كلفة البترول، فعند تصميمها كان البترول رخيصًا، لكن صدمة أسعاره عام 1973 -12 دولارًا للبرميل- زاد من الكلفة كثيرًا، إذ كانت تستهلك خمسة أضعاف مقارنة بمنافسيها لكل راكب لكل ميل. لم تكن هذه المشكلة خاصة بالكونكورد فقط، فحال الطائرات التجارية الأسرع من الصوت الأخرى لم يكن أفضل، إذ ألغت بوينج نسختها في 1971، وكانت طائرة الاتحاد السوفييتي توبولوف Tu-144 أسوأ التي استُخدمت 55 مرة فقط.

 

لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه سعر التعادل لتذاكر الطائرات الأسرع من الصوت المستقبلية، لكن من المؤكد أنها ستكون فاخرة وعالية -وإن لم يشمل السعر ضررها بحرارة الأرض أو بطبقة الأوزون-. تأتي كونكورد أيضًا مع تكاليف صيانة عالية ونِسب عمال أعلى لضمان أن يكون زمن الطيران الأسرع منعكسًا على الأرض أيضًا، ستواجه الطائرات الأسرع من الصوت الجديدة تحديات مشابهة.

 

تراهن الشركات على أن سبب النجاح سيكون بقدرة منتجهم على المنافسة في عالم يختلف عن حقبة الكونكورد، إذ يزداد فيه عدد الأشخاص فاحشي الثراء غير المتأثرين بالسعر. لكن على صعيد آخر، غالبًا ما يملك الأغنياء اليوم طائرات خاصة.

 

إذا كان يوجد سوق للسفر أسرع من الصوت سيكون على الأغلب للسفر الدولي بمسافات طويلة كفاية لتجعل توفير الوقت أثمن، وهذا ما لا تستطيع الكثير من الطائرات الخاصة أن توفره، وهذا شيء لا يمكن للأمر التنفيذي أن يساعد كثيرًا فيه.

 



المصادر:


الكاتب

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
تدقيق

محمد حسان عجك

محمد حسان عجك
ترجمة

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
مراجعة

ميرڤت الضاهر

ميرڤت الضاهر



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة