دراسة جديدة تجد أن الروبوتات البشرية لديها عيوب كبيرة في التصميم بحاجة للإصلاح

10 ديسمبر 2025
11 مشاهدة
0 اعجاب

 دراسة جديدة تجد أن الروبوتات البشرية لديها عيوب كبيرة في التصميم بحاجة للإصلاح


عندما نرى روبوت أطلس من Boston Dynamics وهو يتمرن، أو آخر الروبوتات الشبيهة بالبشر من شركة Figure وهي تشغّل الغسالة، يصبح من السهل أن نُصدق إن ثورة الروبوتات بدأت بالفعل. ويبدو أن التحدي الوحيد المتبقي هو تحسين برمجيات الذكاء الاصطناعي لتتمكن هذه الآلات من التعامل بكفاءة مع بيئات الحياة الواقعية، لكن أكبر الشركات في هذا المجال تعرف بوجود مشكلة أعمق، فما هي؟


في ضوء التعاون البحث الذي تدعو له شركة سوني، أشار قسم الروبوتات فيها مسألة أساسية تعيق أداء آلاتها الحديثة -سواء الشبيهة بالبشر أو المقلدة للحيوانات-، إذ تمتلك هذه الروبوتات عددًا محدودًا من المفاصل، وهو ما يخلق فجوة بين حركاتها وحركات الكائنات التي تحاكيها، ويقلل كثيرًا من قيمتها….


تدعو سوني إلى ابتكار آليات هيكلية مرنة جديدة، وبمعنى آخر أجسام مادية أذكى، لإحداث الحركة الديناميكية التي تفتقدها الروبوتات حاليًا. فتكمن المشكلة الأساسية بأن الروبوتات الشبيهة بالبشر مصممة غالبًا لتعتمد على برمجيات تتحكم بكل شيء مركزيًا. وهذا النهج القائم على (العقل أولًا) يؤدي إلى آلات ذات حركات غير طبيعية جسديًا.


يتحرك الرياضي برشاقة وكفاءة لأن جسده يشبه سمفونية من المفاصل المرنة، والعمود الفقري المطاطي، والأوتار التي تعمل كالنوابض. أما الروبوت الشبيه بالبشر في المقابل، فهو تركيب صلب من المعدن والمحركات، متصل بمفاصل ذات حرية حركة محدودة. ولمواجهة وزن جسدها وزخم الحركة، تضطر الروبوتات في كل ثانية لإجراء ملايين التصحيحات الصغيرة والمستهلكة للطاقة فقط لتجنب السقوط. ولهذا السبب، حتى أكثر الروبوتات الشبيهة بالبشر تقدمًا لا يمكنها العمل إلا لساعات قليلة قبل أن تنفد بطارياتها.


لتوضيح ذلك، يستهلك روبوت Optimus من تسلا نحو 500 واط من الطاقة في الثانية للمشي البسيط فقط. بينما يمشي الإنسان مشيًا سريعًا (وهو الأكثر إجهادًا) باستخدام نحو 310 واط فقط في الثانية. هذا يعني أن الروبوت يستهلك تقريبًا 45% طاقة أكثر لإتمام مهمة أبسط، وهو ما يُعد هدرًا كبيرا للطاقة.


تراجع العائدات


هل هذا يعني أن الصناعة بأكملها تسير في الطريق الخاطئ؟ من حيث النهج الأساسي المتبع، الإجابة هي نعم. فرغم سنوات من التطوير، تظل هذه الروبوتات في الغالب منصات بحثية، وليست منتجات تجارية، وهنا تتعدد الأسباب.


تتطلب الأجسام غير الطبيعية دماغًا يشبه الحاسوب العملاق وجيشًا من المحركات القوية، ما يجعل الروبوتات أثقل وأكثر استهلاكا للطاقة، ويزيد من حدة المشكلة التي تسعى لحلها. قد يكون التقدم في الذكاء الاصطناعي مذهلًا، لكنه يؤدي إلى تراجع العائدات.


يُعد روبوت Optimus من تسلا مثلًا ذكيًا بما يكفي لطي قميص، لكن هذه التجربة في الحقيقة تُظهر ضعف قدراته الجسدية، فالإنسان يستطيع طي القميص دون الحاجة للنظر كثيرًا، معتمدًا على حاسة اللمس للشعور بالقماش وتوجيه حركاته. يعتمد روبوت Optimus على رؤيته المتقدمة ودماغه الذكي لتخطيط كل حركة صغيرة بعناية لأن يديه الصلبتين نسبيًا ضعيفتا الحساسية، ومن المرجح أن يقف عاجزًا أمام قميص متجعد على سرير غير مرتب، لأنه يفتقر للذكاء الجسدي الذي يسمح له بالتكيف مع حالة العالم الواقعية غير المتوقعة.


يبدو روبوت أطلس الكهربائي بالكامل من Boston Dynamics أكثر إثارة للإعجاب بسبب مدى الحركة شبه الخارق، لكن ما لا تظهره مقاطع الفيديو الشهيرة لحركاته البهلوانية هو الأشياء التي لا يستطيع القيام بها. فمثلًا، لا يستطيع المشي بثقة على صخرة مغطاة بالطحالب، لأن قدميه لا تستطيع الإحساس بالسطح لتتكيف معه. ولا يستطيع دفع نفسه عبر شجيرات كثيفة، لأن جسده لا يمكنه الانحناء ثم العودة مجددًا.


لماذا لا يتبنى قادة الصناعة مقاربة مختلفة؟


من الأسباب المحتملة أن شركات الروبوتات الكبرى اليوم هي في الأساس شركات برمجيات وذكاء اصطناعي، وخبرتها تكمن في حل المشكلات عبر الحسابات الرقمية. وسلسلة التوريد العالمية الخاصة بها مهيأة لدعم ذلك بمحركات دقيقة، وحساسات، ومعالجات متطورة.


صناعة أجسام روبوتية ذات ذكاء جسدي تتطلب نظامًا تصنيعيًا مختلفًا قائمًا على المواد المتقدمة وعلوم الحركة البيولوجية، وهو ما لم ينضج بعد بما يكفي للعمل على نطاق واسع.


عندما يبدو عتاد الروبوت مثيرًا للإعجاب حقًا، يصبح من المغري تصديق أن تحديث البرمجيات التالي سيحل أي مشكلات متبقية، بدلًا من مواجهة المهمة المكلفة والصعبة لإعادة تصميم الجسم وسلسلة التوريد اللازمة لبنائه.


الأجسام المستقلة


تعمل كثير من الفرق الأكاديمية حول العالم على هذا التحدي بوصفه محور اهتمام مجال الذكاء الميكانيكي (MI)، ومنها فريقان في جامعة لندن ساوث بانك. وينطلق هذا المجال من الملاحظة أن الطبيعة قد أتقنت تصميم أجسام ذكية منذ ملايين السنين. وتستند هذه الأجسام إلى مبدأ يعرف باسم (الحساب المورفولوجي)، أي أن الأجسام قادرة على إجراء حسابات معقدة تلقائيًّا.


تفتح قشور ثمرة الصنوبر في الظروف الجافة لإطلاق البذور، ثم تغلق عندما تكون رطبة لحمايتها. ويُعد هذا المثال استجابة ميكانيكية بحتة للرطوبة دون أي تدخل من دماغ أو محرك.


أما أوتار ساق الأرنب في أثناء الجري فتعمل مثل نوابض ذكية، تمتص الصدمات تلقائيًّا عندما تلمس القدم الأرض، ثم تطلق الطاقة لجعل حركته مستقرة وفعالة، دون الحاجة لبذل الكثير من الجهد من العضلات.


أما اليد البشرية فلحمها الطري يمتلك ذكاء تلقائيًّا يسمح لها بالتكيف مع أي شيء تمسكه، تعمل أطراف أصابعنا مثل مزيت ذكي، تضبط الرطوبة للحصول على مستوى الاحتكاك المثالي مع أي سطح.


دمج الميزتين في يد روبوت Optimus سيجعلها قادرة على حمل الأشياء باستخدام جزء بسيط من القوة والطاقة المطلوبة حاليًا. فالبشرة نفسها ستصبح الحاسوب.


الذكاء الميكانيكي (MI) يدور حول تصميم الهيكل المادي للآلة لتحقيق التكيف التلقائي، أي القدرة على الاستجابة للبيئة دون الحاجة لمستشعرات نشطة أو معالجات أو طاقة إضافية.


الحل لمأزق الروبوتات الشبيهة بالبشر ليس التخلي عن التصاميم الطموحة الحالية، بل بناؤها وفق هذه الفلسفة المختلفة. عندما يكون جسد الروبوت ذكيًا جسديًا، يمكن لدماغه الذكي التركيز على ما يبرع فيه حقًا: وضع استراتيجيات عالية المستوى، والتعلم، والتفاعل مع العالم بطريقة أكثر معنى.


أثبت الباحثون بالفعل قيمة هذا النهج، فمثلًا الروبوتات المصممة بأرجل تشبه النوابض التي تحاكي أوتار الفهد المخزنة للطاقة، قادرة على الجري بكفاءة مذهلة.


عمل فريق بحث آخر على تطوير مفاصل هجينة تجمع بين الدقة العالية والقوة للمفصل الصلب وخصائص التكيف وامتصاص الصدمات للمفصل المرن. بالنسبة للروبوت الشبيه بالبشر، قد يعني هذا إنشاء كتف أو ركبة تتحرك بطريقة أشبه بالإنسان، ما يتيح درجات حرية متعددة لتحقيق حركات معقدة تشبه الحياة الواقعية.


مستقبل الروبوتات لا يكمن في صراع بين الأجهزة والبرمجيات، بل في دمجهما معًا. وبتبني الذكاء الميكانيكي، بوسعنا ابتكار جيل جديد من الآلات القادرة أخيرًا على الخروج بثقة من المختبر والدخول إلى عالمنا الواقعي.



المصادر:


الكاتب

أمير المريمي

أمير المريمي
مراجعة

محمد حسان عجك

محمد حسان عجك
ترجمة

أمير المريمي

أمير المريمي
تدقيق

زين حيدر

زين حيدر



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة