فريق ياباني يبتكر طريقة جديدة لتحديد عمر الكواكب الغازية العملاقة
استخدم فريق بحث مشترك من جامعة ناغويا في اليابان والمعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية (INAF) طريقة جديدة لقياس عمر كوكب المشتري، ما يشير إلى إمكانية استخدام هذه الطريقة لتحديد الأزمنة التي تشكلت فيها كواكب المجموعة الشمسية.
تحديد عمر الكواكب هو أمر بالغ الصعوبة كما هو متوقع، إذ لم يتمكن الإنسان من تحديد عمر تقريبي للأرض حتى عام 1953، حين قاس عالم الجيوكيمياء كلير كاميرون باتيرسون نظائر الرصاص في عينات من النيازك، فاستطاع تضييق احتمالات عمر المجموعة الشمسية. وساعدت اختبارات لاحقة على أقدم بلورات الزركون على سطح الأرض في دعم هذه الاستنتاجات، محددة عمر كوكبنا بنحو 4.543 مليار سنة.
وقد وضح ذلك آدم بورغاسر، أستاذ علم الفلك والفيزياء الفلكية في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في مقال له على موقع The Conversation. إذ قال: «تُعدّ النظائر المشعة المفتاح لتحديد أعمار الكواكب في المجموعة الشمسية. فهذه الذرات الفريدة تُطلق الطاقة ببطء على مدى فترات زمنية طويلة. وبوصفها ساعات طبيعية، تساعد النظائر المشعة العلماء على تحديد أعمار المواد جميعها، بدءًا من الصخور وانتهاءً بالعظام والفخار».
وباستخدام هذه الطريقة، حدد العلماء أن أقدم نيزك معروف يبلغ عمره 4.57 مليار سنة، وهو قريب جدًا من قياس علم الزلازل النجمية للشمس الذي قدر عمرها بـ 4.58 مليار سنة. أما أقدم الصخور المعروفة على سطح الأرض، فأعمارها أصغر قليلًا إذ تُقَدّر ب 4.40 مليار سنة. وبالمثل، أظهر القياس الإشعاعي لعينات التربة التي أعيدت من القمر خلال رحلات أبولو أعمارًا تصل إلى 4.6 مليار سنة.
تُستخدم طرق أخرى لتقدير عمر الكواكب وأجرام المجموعة الشمسية، وتتضمن عدّ الفوهات الناتجة عن اصطدام النيازك، وتخمين العدد المتوقع للتصادمات خلال فترة زمنية محددة. تُعد هذه الطريقة مفيدة لأجرام مثل كوكب عطارد خاصةً، ويُعتقد أن لدينا منه عينة نيزكية واحدة فقط.
لا يتأثر سطح الكواكب الغازية العملاقة مطلقًا بصدمات النيازك. فقد تتعرض هذه الكواكب للاصطدامات باستمرار، وبينما قد نلاحظ الومضات الناتجة عن هذه التصادمات، فإنها لا تُحدث فوهات في الغلاف الغازي. وبالوسع استخدام طريقة الفوهات الاصطدامية في تقدير أعمار أقمار هذه الكواكب، لكنها ليست الطريقة الأمثل.
وبدراسة النيازك الغنية بالحديد، اكتشف العلماء وجود مجموعتين متميزتين من هذه الصخور. بناءً على ذلك، اقترحوا أن تكوّن كوكب المشتري كان السبب في هذا التمييز، ما يرجّح أن يكون المشتري أقدم كوكب في المجموعة الشمسية.
في دراسة جديدة، ابتكر الباحثون طريقة جديدة لتقدير عمر كوكب المشتري. وذلك بدراسة الكوندرولات، التي بدورها تُشكل معظم كتلة نيازك الكوندريت.
يوضح الفريق في البحث الذي نشروه: «الكوندرولات هي جسيمات كروية من السيليكات المتبلورة من المادة المصهورة، تشكل جزءًا كبيرًا من كتلة نيازك الكوندريت. عادةً ما يتراوح حجم الكوندرول بين 0.1–2 ملم، وتُقدر معدلات تبريدها ب 10–1,000 كلفن لكل ساعة. تتجاوز النسبة الحجمية لهذه الكرات 80% داخل نيازك الشوندريت العادية، وتشير هذه النسبة العالية إلى جانب الانتشار الواسع وشكلها الكروي أو شبه الكروي إلى أنها نشأت من عملية انصهار غير معروفة حدثت على نطاق واسع في السديم الشمسي».
حاول الفريق نمذجة كيفية تكوّن هذه الكوندرولات، فوجدوا أن تكوّنها الطبيعي ممكن نتيجة التصادمات بين الكواكب الأولية التي تحتوي على معادن متطايرة. وتبين أيضًا أن حجم الكرات ومعدل تكوّنها يعتمدان على مدى غنى الكواكب الأولية المتصادمة بالماء.
يقول البروفيسور سين-إيتي سيرونو في تصريح له: «عندما تصادمت الكواكب الأولية مع بعضها، تبخّر الماء على الفور إلى بخار سريع الاتساع. وقد عمل هذا كانفجارات صغيرة، وكسر الصخور السيليكاتية المصهورة إلى حبيبات مصهورة دقيقة نراها اليوم في النيازك» وذلك بوصفه باحثًا مشاركًا في هذه الدراسة من كلية الدراسات العليا لعلوم الأرض والبيئة في جامعة ناغويا.
لم تستطيع نظريات تكوّن الكوندرولات السابقة تفسير خصائصها دون افتراض ظروف محددة جدًا، بينما يتطلب هذا النموذج ظروفًا طبيعية حدثت في المجموعة الشمسية المبكرة عند ولادة كوكب المشتري.
وعند نمذجة تكوّن كوكب المشتري ونموه، وكيف أثّرت زيادة جاذبيته في تصادمات الكواكب الأولية، وجد الفريق أن الجدول الزمني الناتج يتوافق جيدًا مع الأعمار المستنتجة سابقًا للمجموعة الشمسية.
أضاف الدكتور دييغو تورّيني بوصفه الباحث المشارك من (INAF): «قارنا خصائص الكوندرولات المحاكاة ووفرتها مع بيانات النيازك، ووجدنا أن النموذج أنتج كوندرولات واقعية تلقائيًا».
يُظهر النموذج أيضًا أن تشكل الكوندرولات تزامن مع مرحلة التراكم المكثف لغاز السديم في المشتري للوصول إلى حجمه الهائل. وبما أن بيانات النيازك تشير إلى أن ذروة تكوّن الكوندرولات حدثت بعد 1.8 مليون سنة من بداية تكوّن المجموعة الشمسية، فهذا هو الزمن الذي وُلد فيه كوكب المشتري.
وهذا يعني أن كوكب المشتري تكون أسبق من باقي الكواكب. ومع ذلك، ما زال أمامنا الكثير من الأسرار التي تحتاج إلى الدراسة. إذ تُوجد الكوندرولات بأحجام وأشكال وأعمار مختلفة في النيازك. يقترح الفريق أن هذه التباينات الواسعة قد تكون نتيجة تأثير الكواكب الغازية العملاقة الأخرى مثل زحل ونبتون وأورانوس على الاصطدامات التي وقعت بين الأجسام في المجموعة الشمسية. وإذا ثبتت صحة الدراسة، فقد تساعدنا هذه الطريقة الجديدة بالاقتراب من تحديد الترتيب الزمني لتشكّل الكواكب في نظامنا الشمسي.
المصادر:
الكاتب
يزن عمران

مراجعة
محمد حسان عجك

ترجمة
يزن عمران
