علاج مبتكر لمرض السكري يوصل الإنسولين عبر كريم جلدي!

اكتشاف جديد عن آلية العلاج بالإنسولين قد يؤدي إلى إنهاء استخدام الحقن المؤلمة التي يعتمد عليها كثير من مرضى السكري.

تمكن العلماء من إثبات فعالية علاج موضعي بالإنسولين باستخدام الفئران والخنازير الصغيرة وعينات من الجلد البشري المزروع في المختبر. كان يُعتقد منذ زمن طويل أنه إنجاز مستحيل نظرًا إلى كبر حجم جزيئات الإنسولين وكونها جزيئات محبة للماء، ما يمنعها من اختراق الطبقات الدهنية الخارجية للجلد. 

كتب فريق يقوده علماء من جامعة تشجيانغ في الصين: «قد يتيح المركب الجزيئي المخترق للجلد توصيل الإنسولين عبر الجلد بطريقة غير باضعة، ما يخفف عن مرضى السكري عبء الحقن تحت الجلد، وقد يسهّل أيضًا استخدام غيره من العلاجات البروتينية والبيبتيدية بالامتصاص من طريق الجلد».

لامتصاص الأدوية عبر الجلد فوائد عديدة، إذ يمكن تحقيقه بسهولة في المنزل، إضافةً إلى أنه خالٍ من الألم ويضمن وصولًا تدريجيًا ولطيفًا للدواء داخل الجسم، لكنّ الجلد بطبيعته يعمل حاجزًا يحمي الجسم من دخول المواد الضارة، فطبقته الخارجية المعروفة باسم الطبقة المتقرنة تتكون من عدة طبقات من خلايا جلد ميتة متماسكة معًا بواسطة الدهون والزيوت (الليبيدات). 

تتجاوز الأدوية الموضعية طبقات الجلد بفضل جزيئاتها الصغيرة التي تنزلق بسهولة عبره، إضافةً إلى قدرتها على التفاعل مع الدهون.

أما الإنسولين، الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات الغلوكوز، فلا يملك أيًا من هذه الخصائص، فجزيئاته كبيرة نسبيًا ومحبة للماء، ما يجعلها غير متوافقة كيميائيًا مع زيوت الجلد، وبدلًا من اختراق هذه الزيوت أو تجاوزها، ترتد عنها. تبدو هذه مشكلة لا حل لها، لكن الباحثين افترضوا أن خاصية أخرى في الجلد قد تساعد الإنسولين على اختراقه، وهي الحموضة، فالجلد يتميز بوجود تدرج في قيمة الأس الهيدروجيني pH، يبدأ بدرجة حموضة طفيفة في الطبقات السطحية ويقترب تدريجيًا من التعادل في الطبقات الأعمق.

من ثم انطلق الباحثون لتصميم نظام توصيل يستفيد من هذا التدرج ليسمح للإنسولين بالعبور مرافقًا لمركبات يستطيع الجلد امتصاصها.

وكانت النتيجة قائمة على مركب جزيئي (بوليمر) يُسمى poly[2-(N-oxide-N,N-dimethylamino)ethyl methacrylate] أو اختصارًا OP، أظهرت اختبارات سابقة أنه مركب متوافق حيويًا، تختلف خصائصه مع تغير مستويات الأس الهيدروجيني pH. 

يحمل OP شحنة موجبة تمكنه من الالتصاق بالحموض الدهنية على سطح الجلد حيث الوسط مائل للحموضة، لكن عند الوصول إلى وسط متعادل يفقد OP تلك الشحنة ويتحرر من الحموض الدهنية، وبذلك يكون قد عبر حاجز الجلد إلى داخل الجسم.

وعند ربط هرمون الإنسولين بهذا المركب في صورة معقد يُسمى OP-1، يتمكن الهرمون من العبور معه إلى الداخل. 

في عينات الجلد البشري والفئران المصابة بالسكري، كان مركب OP-1 أكثر فعالية في نقل الإنسولين عبر الجلد مقارنةً بالإنسولين وحده أو بصحبة جزيء آخر وهو PEG الذي يُستخدم في التطبيقات الدوائية على نطاق واسع.

أعاد العلاج في الفئران المصابة بالسكري مستويات الغلوكوز في الدم إلى المستوى الطبيعي خلال ساعة واحدة، بفعالية مماثلة لحُقَن الإنسولين، وبقيت المستويات مستقرة مدة 12 ساعة.

كانت الخطوة التالية تجربة العلاج على خنازير صغيرة مصابة بالسكري، وهي كائنات أقرب بيولوجيًا إلى البشر من الفئران، وكانت النتائج متشابهة، إذ انخفضت مستويات الغلوكوز في الدم إلى الوضع الطبيعي خلال ساعتين، وبقيت مستقرة أيضًا مدة 12 ساعة. 

يتراكم OP–I فور دخوله الجسم في الأنسجة الرئيسية المسؤولة عن تنظيم الغلوكوز، وهي الكبد والنسيج الشحمي والعضلات الهيكلية، حيث تقوم الخلايا بامتصاص المركّب وتطلق الإنسولين بداخلها، يعمل OP–I على تفعيل مستقبلات الإنسولين ويعزز إدخال الغلوكوز واستقلابه، كما يفعل الإنسولين المحقون تمامًا.

بل بطريقة أكثر استمرارية من الإنسولين المحقون، مؤديًا إلى تأثير علاجي أيسر وأكثر بقاءً.

مع أن الأمر يحتاج إلى تجارب بشرية أوسع للتحقق، لم يجد الباحثون أي علامات تدل على حدوث التهاب، ما يشير إلى أن العلاج قد يسبب آثارًا جانبية بالحد الأدنى، إن وُجدت.

تعني هذه النتائج أن الحقن المتكررة للإنسولين ستصبح شيئًا من الماضي يومًا ما، بل قد تعمل هذه التقنية مع أدوية أخرى أيضًا.

يرى الباحثون أن ربط الإنسولين بالمركب الجزيئي OP يُعد وسيلة متعددة الاستخدامات لتوصيل الجزيئات الحيوية الكبيرة مثل الببتيدات والبروتينات والأحماض النووية عبر الجلد، مع تطبيقات علاجية واسعة، ما يشجع على إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية.