ما مقدار الكربون الذي يمكن تخزينه تحت الأرض بأمان؟

18 ديسمبر 2025
22 مشاهدة
0 اعجاب

ما مقدار الكربون الذي يمكن تخزينه تحت الأرض بأمان؟


حتى وقت قريب كان استخلاص الكربون من الجو وتخزينه في الطبقات الصخرية الجوفية يُعد وسيلةً أساسية للحد من الاحتباس الحراري وعكس مساره، لكن بحثًا جديدًا نُشر في مجلة نيتشر أفاد بأن الأماكن المناسبة لهذه العملية هي أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، وبهذا لم يعد هذا الحل غير محدود.


وجد فريق من الباحثين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إمكانية تخزين الأرض 1,460 جيجا طن فقط من الكربون المحقون بأمان في أحواضها الرسوبية، وذلك بعد استبعاد الأماكن الخطرة. وهذا الحجم أقل بكثير من التقديرات السابقة، وحتى بتقدير تأثير حذف هذا الحجم من الكربون في المناخ، فهو كافٍ فقط لتخفيض الاحتباس الحراري بحدود 0.7 درجة مئوية وليس 6 درجات مئوية كما أشارت أبحاث أخرى.


وبحسب مدير قسم الأبحاث في معهد جرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة في كلية لندن الإمبراطورية يوري روجلي، يقول بوصفه أحد المساهمين في البحث: «لم يعد يُنظر إلى تخزين الكربون بوصفه خيارًا لا محدودًا لإعادة المناخ إلى مستوى الأمان، إذ يجب النظر إلى مساحات التخزين الجيولوجية الحالية بوصفها موردًا نادرًا، وإدارته بعناية ليتيح مستقبلًا آمنًا لمناخنا».


يشير مصطلح تخزين الكربون في هذه الدراسة إلى حقن ثاني أكسيد الكربون في خزانات تحت الأرض، ما يمنعه نظريًا من المساهمة في تغير المناخ، وللحصول على هذا الكربون طريقتان رئيسيتان، الأولى باحتجازه عند نقطة الانبعاث (مثل مدخنة مصنع أسمنت يعمل بالوقود الأحفوري)، والثانية باستخلاصه من الغلاف الجوي المحيط.


ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بوصفها المرجع العالمي الأبرز في هذا المجال، فإن تحقيق الأهداف المناخية الدولية يتطلب بالضرورة تطبيق بعض تقنيات تخزين الكربون.


لكن كمية الكربون التي يجب احتجازها تعتمد على عوامل عدة، منها مدى التزام الدول بخفض الانبعاثات مقارنةً بالتعويض عنها، خصوصًا في القطاعات التي يصعب نزع الكربون منها، إلى جانب سعي الدول التي ستتجاوز مستويات الاحترار البالغة درجة ونصف أو درجتين لاحقًا إلى خفض الحرارة مجددًا بإزالة الكربون من الغلاف الجوي، إذ تُعرف هذه الفكرة المثيرة للجدل باسم (تجاوز الهدف المناخي) وتتطلب سحب كميات أكبر من الكربون وتخزينها. وتشير بعض سيناريوهات الهيئة إلى إمكانية الحاجة إلى تخزين ما يصل إلى 2,000 جيجا طن من الكربون بحلول عام 2100.


أوضح الباحثون أن أية تقديرات سابقة، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، لم تأخذ بالحسبان عوامل الخطر الأساسية التي قد تجعل بعض المناطق غير ملائمة للتخزين. فبعد احتساب جميع المواقع المحتملة، استبعد الباحثون المناطق الضحلة جدًا أو العميقة جدًا أو المعرضة للزلازل، بالإضافة إلى المناطق المحمية بيئيًا والمناطق القريبة من التجمعات السكانية. وبذلك تقلصت القدرة النظرية لتخزين الكربون من 11,780 جيجا طن إلى نحو 1,460 جيجا طن فقط من ثاني أكسيد الكربون، 70% منها في اليابسة والباقي في قاع البحار.


استخدم الفريق معدل التحويل الذي تعتمده الهيئة الحكومية الدولية لترجمة هذه الكمية إلى أثر محتمل في المناخ، فوجدوا أنها تعادل انخفاضًا في الاحترار العالمي يتراوح بين 0.4 و0.7 درجة مئوية.


وأظهرت النتائج أيضًا تباينات جغرافية واضحة في القدرة على التخزين، فبينما تمتلك دول مثل الولايات المتحدة وكندا -أكبر المسؤولين تاريخيًا عن تلوث المناخ- مساحات واسعة لتخزين الكربون بأمان، تفتقر كثير من الدول الأوروبية إلى مثل هذه المساحات. وإذا أرادت هذه الدول جعل تخزين الكربون ركيزة في استراتيجياتها المناخية، فربما تضطر إلى البحث عن مواقع في دول لم تسهم كثيرًا في تغير المناخ، مثل بعض دول أفريقيا.


لكن سالي بينسون (بوصفها أستاذة علوم وهندسة الطاقة في جامعة ستانفورد التي لم تشارك في الدراسة) ترى أننا لا ينبغي أن نرى النتائج مقلقة، فبحسب سيناريوهات IPCC التي تمنح العالم احتمالًا بنسبة 50% للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، سيحتاج العالم إلى احتجاز نحو 9 جيجا طن من الكربون سنويًا (بافتراض الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050). وهذا يعني أننا قد لا نبلغ حد التخزين الآمن الذي حددته الدراسة قبل مرور أكثر من 160 عامًا.


وقالت بينسون: «من وجهة نظري، هذا خبر جيد نسبيًا. فقد تبنى الباحثون أكثر الافتراضات تحفظًا، ومع ذلك أظهر التحليل أن القدرة المتاحة كافية إلى حد كبير مقارنة بما نحتاج إليه فعليًا».


ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن الحاجة إلى التخزين قد تستمر حتى بعد بلوغ الحد النظري، خاصة إذا بقيت بعض القطاعات بحاجة إلى تعويض انبعاثاتها، مثل الزراعة أو الصناعات المعتمدة على الوقود الأحفوري. وقد تطلق نقاط التحول المناخي كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي أيضًا، ما يزيد الحاجة إلى إزالة الكربون مستقبلًا. لكن بينسون ترى أن هذه المخاطر ما تزال بعيدة الأمد، وتؤكد: «علينا استخدام جميع التقنيات المتاحة بأسرع ما يمكن».


من جانبها، قالت جينيفر ويلكوكس، أستاذة الهندسة الكيميائية وسياسات الطاقة في مركز كلاينمان للطاقة بجامعة بنسيلفانيا، إن تقديرات الدراسة ربما تكون متحفظة أكثر مما ينبغي، وأشارت: «إنها تقلل مما يمكن أن تحققه بأمان المشاريع التي يُدار ضغطها بعناية».


أما نعومي أوريسكيس، أستاذة تاريخ العلوم في جامعة هارفارد، فترى العكس تمامًا، إذ تعتقد أن الدراسة أغفلت العقبات الحكومية والاقتصادية والعلمية التي تواجه تطبيق تخزين الكربون على نطاق واسع. وتقول: «عندما نأخذ هذه العوامل بالحسبان يتضح أن القدرة الواقعية على التخزين، خصوصًا خلال العقد الحرج المقبل، أقل مما تشير إليه التقديرات».


ورغم الضجة الكبيرة المحيطة بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه، ما يزال حجم الكربون المُحتجز عند مصادر الانبعاثات لا يتجاوز 0.05 جيجا طن سنويًا. وحتى الآن، تُستخدم معظم هذه المشاريع لحقن الكربون في باطن الأرض بغرض زيادة إنتاج النفط والغاز، وهي عملية تُعرف باسم الاستخلاص المحسّن للنفط. أما الكمية التي تُزال مباشرة من الهواء فلا تتجاوز 0.01 ميجا طن سنويًا، أي أقل من الانبعاثات السنوية من الغازات الدفيئة لمؤسسة صغيرة، مثل كلية بودوين للفنون في ولاية مين الأميركية.


وتختتم أوريسكيس قائلة: «تتسق هذه النتائج الجديدة مع النمط الذي لاحظناه من قبل، والمتمثل في المبالغة في تقدير فعالية الحلول التي تتجاهل القضية الجوهرية، وهي ضرورة تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري».




المصادر:


الكاتب

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
مراجعة

محمد حسان عجك

محمد حسان عجك
ترجمة

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
تدقيق

سيف أبو أسعد

سيف أبو أسعد



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة