يحمل هذا العنوان في طياته خلفية عميقة تحيلنا إلى الرياضيات التي تخضع كل لغات الجنس البشري لقوانينها. وجد علماء اللغة أن الأصوات التي يطلقها الشمبانزي بالإضافة إلى الحركات وتعابير الوجه تخضع إلى نفس القواعد الأساسية، ما يؤكد أن لعملية التطور جذورًا عميقةً في مؤسسات اللغة. حللت دراسة قامت بها (جامعة روهامبتون-University of Roehampton ) المئات من التسجيلات لقردة الشمبانزي في المحمية الغابيّة ببودونغو في أوغندا من أجل تحديد خصائص 58 نوعًا من حركاتها وتصنيفها. وبحث العلماء في هذه الدراسة عن إشارات لقاعدتين أساسيتين لكل أنواع التخاطب البشرية ألا وهي:

  1. قانون (زيف للاختصار-Zipf law of abbreviation).
  2. قانون منزراث لتعقيد الهياكل اللغوية.

أثبتت دراسات أخرى من قبل أنّ أصوات الشمبانزي مثل العطعطة واللهاث تخضع للقوانين المذكورة، لكن قردة الشمبانزي تتخاطب أيضا باستعمال التعابير المرئية ما يمثل منظومة لغوية أخرى يجب تحليلها على انفراد. يقترح قانون زيف علاقة عكسية بين مقدار استخدامنا للكلمة وترتيبها مقارنة ببقية الكلمات. مثلًا: ثاني أكثر كلمة مستعملة في أي لغة سوف تُستعمل بمقدار النصف مقارنة بأكثر كلمة مستعملة.

الشمبانزي الجنس البشري التطور التخاطب

الشمبانزي

يعود اكتشاف هذا النمط للعالم اللغوي (جورج كنغسلاي زيف- George Kingsley Zipf) والذي لاحظ أيضًا أننا نميل لاستعمال المفردات المختصرة أكثر من غيرها. مثلا أكثر خمس كلمات مستعملة في اللغة الإنجليزية هي(the, be, and, of, a) والتي تعتبر قصيرة مقارنة بـ( value, international, building, action) والتي تحتل الترتيب 500 من حيث أكثر الكلمات استعمالًا.

ويمكن تطبيق قانون زيف على جميع اللغات البشرية بالإضافة إلى طريقة تواصل الدلافين وقردة المكاك، وهو ما يشير إلى أنّ جوهر تخاطب العديد من الحيوانات يستند إلى مبدأ الفاعلية. ويمكننا الآن أن نضيف إلى القائمة التواصل غير اللفظي لدى قردة الشمبانزي بالرغم من أن ذلك لم يكن واضحًا جدًا في البداية.

لم يجد فريق الدراسة في البداية، عند تحليل 2137 نوعًا من الحركات، أية علاقة بين المدة التي تستغرقها قردة الشمبانزي للقيام بحركة ما ومقدار استعمال تلك الحركة. ولكن عندما صنّف الفريق الحركات في مجموعات وبعد تحديد المعدلات الزمنية لكل نوع من الحركات، اتضحت أنماط محددة لهم.

فقد اتضح أنّ لكل تعبير ترددًا معينًا، إذ كلما كانت المدة الزمنية التي يستغرقها الشمبانزي للقيام بالتعبير قصيرةً زاد استخدام هذا التعبير لديه بطريقة مطابقة لقانون زيف. تجدر الإشارة هنا إلى أن فريق الدراسة لم يجد أي علاقة بين الحركات التي يؤديها الشمبانزي بكامل جسده وقانون زيف للاختصار.

يقول الباحثون: «ليس من الضروري أن تنتج القوانين اللغوية الأساسية نفس الأنماط»، في إشارة إلى أنّ الحركات الجسدية لدى الشمبانزي يمكن أن تكون خاضعة لقانون زيف لكن بطريقة مخفية بقواعد وتصرفات أخرى. كما تشير الدراسة إلى وجود آثار لقانون منزراث لتعقيد الهياكل اللغوية في حركات الأقدام والأيادي لدى الشمبانزي، بالإضافة إلى وضعيات الجسد.

يقترح هذا القانون أن التراكيب اللغوية الطويلة مكونة من مفردات أقصر. كما أظهرت مقارنة مختلف مجموعات حركات الشمبانزي أنّ الحركات الطويلة مركبة من أخرى أقصر منها. ويطلق على أخصائيي اللغات الذين يعتمدون على علم الإحصاء في دراستهم اسم علماء اللغويات الكمية.

ويمثل قانوني زيف ومنزراث مثالًا يبرز كيف نميل إلى اختصار المفردات بغية إعطاء أكثر فاعلية للغة المستعملة. يمكن طرح المسألة بطريقة أخرى ألا وهي لماذا قد نقوم سواء نحن البشر أو قردة الشمبانزي ببذل مجهود أكبر من اللزوم عند التخاطب؟

بالرغم من أنّ طريقة تخاطب الشمبانزي ليست معقدة بقدر تعقيد لغات البشر، إلا أنّ الحركات والأصوات والتعابير لدى هذه القردة مقيدة بالجهد والزمن بطريقة تخوّلها بذل المجهود اللازم فقط. ويطمح الباحثون لدراسة قردة البونوبو بكل فضول لمعرفة إذا ما كانت القوانين سابقة الذكر تُطبق على أصناف رئيسية أخرى أم لا.

وتعود هذه الدراسة بالفائدة على البشر أيضًا، فقد بيّن الباحثون أن القوانين اللغوية يمكن تطبيقها على التعابير عند تصنيفها في مجموعات خلافًا للإيماءات المنفردة، وهو ما يشير إلى أننا قد تغافلنا عن جزء هام من طريقة تخاطبنا عند القيام بالتحاليل اللغوية.

وتدفعنا هذه الدراسة إلى التساؤل عن مدى إمكانية تطبيق مثل هذه القوانين اللغوية، وإمكانية وجود آثار وأسس لها على مستوى الجينات بعد أن بات من الجلي أننا نتشارك نفس قوانين التخاطب مع الشمبانزي والدلافين وقردة المكاك. وهل من الممكن أن نتشارك نفس قوانين اللغة مع كائنات من عوالم أخرى، أم أنها تختلف جذريًا بطريقة تماثل طرح فيلم Arrival.

اقرأ أيضًا:

المصدر

ترجمة: غيث بنحسن
تدقيق: سهى يازجي