بعد أشهر عدة من الحجر الصحي، كثير منا أصبح يعاني ألمًا في الظهر لم يكن يعاني منه سابقًا. وهذا قد يكون له أسباب عدة؛ منها: زيادة التوتر في أثناء الجائحة، وقلة الحركة، وقضاء وقت طويل في وضعية واحدة.

يعتقد البعض بضرورة الراحة إذا كان هناك ألم في الظهر، ولكن النشاط يمكن أن يخفف الألم ويحمي من ألم الظهر مرة أخرى في المستقبل. وهذا لأن العمود الفقري معتاد على الحركة والانحناء، ما يحافظ على العظام والأنسجة الرخوة قوية ومرنة.

يمكن أن تساعد الحركة والتمارين الرياضية المنتظمة على تحسين واستعادة القوة والتحمل والمرونة، وتساعد على التعافي بسرعة أكبر من نوبة الآلام الحادة أسفل الظهر. وهذا هو السبب في أن الاستمرار في النشاط البدني من أكثر الطرق الموصى بها على نطاق واسع لعلاج ألم الظهر.

لماذا يفيدنا النشاط البدني؟

رغم النصح بالتمارين الرياضية والنشاط البدني على نطاق واسع للذين يعانون الألم، ما يزال الباحثون يختبرون الآلية وهدف تطبيقها، والمعدل الأفضل لممارستها حتى تخفف الألم.

كانت النظرة التقليدية إلى الآلية التي تساعد بها ممارسة الرياضة في تخفيف الألم تركز على الكيفية التي تؤثر بها التمارين على التراكيب المحيطة بالعمود الفقري، مثلًا بزيادة قوة العضلات في العمود الفقري والبطن. في حين أن هذه الأفكار مدعومة جزئيًا بالبحث، فإنها لا تفسر تمامًا لماذا يمكن أن تخفّف التمارين ألم الظهر.

هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن ممارسة الرياضة تؤدي إلى تغييرات مفيدة لوظائف معينة في الجهاز العصبي، بما في ذلك الدماغ. بشكل أساسي، يؤثر التمرين مباشرةً على كيفية تعاملنا مع الألم عبر تقليل حساسيتنا تجاه المحفزات المدمرة، وتُسمَّى هذه الظاهرة: تخفيف حس الألم الناجم عن التمارين.

في البحوث على البالغين الذين لا يعانون الألم، جولة واحدة من التمارين الهوائية المكثفة -مثل ركوب الدراجات أو الجري لمدة 15 دقيقة- قادرة على تحفيز هذه الآثار المخففة للألم مدة 30 دقيقة تقريبًا بعد ذلك.

تستند هذه التأثيرات المخففة للآلام إلى عدد من آليات التفاعل، أبرزها إطلاق مواد تسكين الألم المنتجة طبيعيًا في الجسم؛ مثل: الإندوكانابينويد، والأدرينالين، والنورأدرينالين، والإندورفين، والسيروتونين (داخل الجهاز العصبي وعبر الدورة الدموية).

لا يقتصر دور هذه الإشارات الكيميائية على تخفيف الألم مباشرةً، ولكن لها فائدة إضافية تتمثل في تحسين المزاج، وهي فائدة مهمة؛ لأن تجربة الألم تتأثر مباشرةً بأفكار المرء ومشاعره وبالسيطرة على الألم.

توجد آلية رئيسة أخرى يُعتقد أن تشارك في نقص التألم الناجم عن ممارسة التمارين، إذ تنطوي على تشكيل اتصالات جديدة ومفيدة داخل الجهاز العصبي، وهي عملية تُسمَّى: المرونة العصبية.

تعمل هذه التغيرات البنيوية في الجهاز العصبي على مقاييس زمنية أبطأ من التغيرات الكيميائية التي تحدث نتيجة نقص التألم الناجم عن التمارين، ولكن يُعتقد أنها تؤدي إلى انخفاض في الألم المرتبط بالحركة مع مرور الوقت.

ورغم استمرار البحث عن الآليات الدقيقة التي تدعم نقص التألم الناجم عن ممارسة الرياضة، فإن النبأ السار هنا هو أن ممارسة الرياضة رغم الألم تساعد في تنشيط هذه التأثيرات المخففة للألم.

تحركوا!

لحسن الحظ، لا يوجد نوع محدد من التمارين أو الأنشطة اللازمة لتخفيف آلام أسفل الظهر. والواقع أن الجمع بين النشاط البدني -الحصيلة التراكمية من الحركة التي نقوم بها يوميًا- والتمارين الرياضية قد يكون مفيدًا، بصرف النظر عن نوع التمارين.

ولكن هذا لا يعني أن نبدأ بالركض أو رفع الأثقال توقعًا بشفاء ألم الظهر. إن التخطيط لما نريد فعله مهم وفقًا للقدرات الحالية، ومن ثم زيادة الشدة تدريجيًا لتجنب الأذى. والأهم من ذلك فعل الأشياء التي يستمتع بها الشخص والتي من المرجح المواظبة عليها، فهذا سيساعد بصورة أفضل على تخفيف الألم أمًلا بألا يعود مجددًا.

وهناك أيضًا طرق كثيرة بسيطة يمكن بها التحرك أكثر يوميًا بتبادل أوقات قصيرة من النشاط طيلة اليوم؛ مثل صعود الدرج وهبوطه مرات عدة كل بضع ساعات. من الأفضل محاولة تقليص الوقت الذي يُقضى في وضع واحد، أو حتى التفكير في أن يكون لديك مكتب دائم.

عادةً، من النادر أن يكون سبب ألم الظهر خطيرًا، غالبًا يكون بسبب حركات انحناء بسيطة، وسوف يتحسن في غضون أسابيع قليلة.

ومن أفضل الأمور التي نستطيع أن نقوم بها أن نظل نشطين ونمارس التمارين الرياضية، وننصح عادةً باختيار الحقن أو الجراحة. حتى لو كانت آلام الظهر مستمرة لبضعة أشهر أو أكثر، فإن زيادة النشاط البدني والتمارين الرياضية من أفضل الطرق للتعامل معها.

اقرأ أيضًا:

ما تأثير آلام الظهر على الجسم على المدى البعيد ؟

تحليل العلاقة بين العجز الجسدي وآلام الظهر يمكن أن يكشف عن علاقة آلام الظهر بالموت

ترجمة: هبة علي

تدقيق: إيناس خير الدين

المصدر