يعمل آلاف المهندسين والعلماء في وكالات الفضاء لصناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء من حولنا، وسنستعرض في هذا المقال بعض المبادئ والأساسيات التي يتبعها العلماء لتخطيط وإدارة الرحلات إلى الفضاء، وبنهاية هذا المقال المُقدم من ناسا NASA ستتمكن من وصف قوى الجاذبية وفهم خواص المدارات الإهليجية – البيضاوية – والتعرف على قواعد التسارع داخل المدارات وشرح قوانين كيبلر، وستتمكن أيضًا من وصف قوى المد والجزر وأهميتها في النظم المدارية الخاصة بالكواكب.

العناصر:

  •  الجاذبية والمدارات الإهليجية.
  •  مبادئ نيوتن للميكانيكا وتسارع الصواريخ.
  •  التسارع في المدارات وقوانين كيبلر.
  •  آلية عمل المدارات حول الكواكب، وإدخال المركبة الفضائية في مدار حول جرم سماوي.

الجاذبية والمدارات الإهليجية

الجاذبية هي قوى التجاذب المتبادلة بين الكتل المختلفة في الكون، وبما أن قيمتها تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة، فإنها لن تتلاشى بشكل كامل، ولذلك تبقى مؤثرة إلى حد ما بغض النظر عن حجم الأجرام والمسافات بينها.

وُضعت المفاهيم المتعلقة بحركة الكواكب عن طريق عالم الفلك والرياضيات يوهانز كيبلر Johannes Kepler الذي وصف مواقع وحركة الأجرام السماوية بالمجموعة الشمسية. تَلا كيبلر السير اسحق نيوتن Sir Isaac Newton الذي شرح آلية عمل قوانين كيبلر عن طريق إيضاح أنها تعتمد على الجاذبية، وفي النهاية جاء الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين الذي وضع نظريته النسبية العامة، والتي شرحت كيف تعمل الجاذبية.

تعتبر حركة الكواكب في أي نظام نجمي حركة مدارية وفقًا لجاذبية النجم الذي يحافظ على تلك المدارات، وتتخذ هذه المدارات مسارات إهليجية، لذلك سنتطرق الآن إلى المدارات الإهليجية وخصائصها.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

الإهليج هو منحنى مستو مغلق، ولكل إهليج نقطتان ثابتتان تُعرف كل منهما بالبؤرة، فبخلاف الدائرة التي لها مركز واحد؛ يمتلك الإهليج مركزين منفصلين، ومجموع المسافتين بين كل بؤرة وأي نقطة على الإهليج ثابتة. ينتج الإهليج من تقاطع مستوى مسطح مع شكل مخروطي دائري القاعدة، وأعرض قطر للإهليج يُعرف باسم المحور الرئيسي أو المحور الكبير Major Axis، وأصغر قطر للإهليج يُعرف باسم المحور الصغير Minor Axis.

يتحدد شكل الإهليج من مدى تقارب البؤرتين مع بعضهما بالنسبة للمحور الرئيسي، فكلما تقاربت البؤرتان كان الشكل الإهليجي أقرب للشكل الدائري، وهنا يأتي دور اللا مركزية أو التخالف المركزي Eccentricity، وهي النسبة بين مسافة البؤرتين مقسومة على المحور الرئيسي.

إن قيمة التخالف المركزي بالنسبة للشكل الدائري هي صفر، ويحدث ذلك عندما يكون لشكل المنحنى المغلق مركز واحد، حيث تتطابق البؤرتان وتصبح مركزًا واحدًا فتكون المسافة بينهما صفرًا، وتصبح قيمة التخالف المركزي صفرًا، لذلك يمكن أن نقول إن الدائرة تعتبر شكلًا إهليجيًا ذا تباعد مركزي قيمته الصفر.

مبادئ نيوتن للميكانيكا وتسارع الصواريخ

أدرك اسحق نيوتن أن القوة التي تتسبب في سقوط التفاح على الأرض من أعلى الشجر هي نفسها القوة التي تجعل الكواكب تقع في مداراتها حول الشمس، وسُئل نيوتن عن سبب سير الكواكب في تلك المسارات حول الشمس، واستنتج أن قوى الجذب بين جسمين تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بينهما، وافترض نيوتن أن المدارات ينبغي أن تكون إهليجية الشكل، أما المدارات الدائرية فستكون في بعض الحالات الخاصة فقط. وصف نيوتن استنتاجاته في كتابه الأصول الرياضية في الفلسفة الطبيعة الذي نُشر عام 1685.

وضع نيوتن ثلاثة قوانين شهيرة للحركة تنص على:

  •  القانون الأول: الجسم الساكن يبقى ساكنًا، والجسم المتحرك يبقى متحركًا، ما لم تؤثر عليه قوة ما.
  •  القانون الثاني: إذا أثرت قوة على جسم ما فإنها تكسبه تسارعًا في نفس اتجاه تأثيرها، يتناسب هذا التسارع طرديًا مع القوة وعكسيًا مع كتلة الجسم.
  •  القانون الثالث: لكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه.

كما نلاحظ، تصف قوانين نيوتن للحركة تصرف خاصية القصور الذاتي فقط، ولكنها لا تصف طبيعتها وماهيتها، وظل هذا السؤال قائمًا في الفيزياء وقتها، بالإضافة لماهية وطبيعة الكتلة، ونستنتج من قوانين نيوتن أنه هناك ثلاث طرق لتغيير زخم – كمية الحركة – جسم ما وذلك عن طريق تغيير كتلة هذا الجسم، أو تغيير تسارعه أو كليهما.

التسارع

يمكننا إحداث التسارع للأجسام عن طريق التأثير عليها بقوة كما هو الحال في المركبات الفضائية التي يكسبها الصاروخ تسارعًا من خلال التأثير عليها بقوة الدفع. إذا أثرت القوة في نفس اتجاه حركة الجسم سينتج عن هذا تسارع الجسم، إذ ستزداد سرعة الجسم بالنسبة للمراقب الساكن، أما إذا كانت القوة مؤثرةً في الاتجاه المضاد للحركة؛ فسوف تتسبب في تباطؤ الجسم بالنسبة للمراقب الساكن، وإذا كانت القوة تؤثر في اتجاه مائل بزاوية ما على اتجاه حركة الجسم سينتج عنها انحراف الجسم عن مساره.

الصواريخ

تعتبر الصواريخ هي مصدر القوة الدافعة للمركبات الفضائية والتي توفر لها التسارع اللازم للانطلاق إلى الفضاء. يعمل الصاروخ تمامًا مثل المحركات النفاثة في الطائرات، إذ يُنتج قوة الدفع اللازمة عن طريق نفث – دفع – الكتلة خارج فوهة المحرك أو الصاروخ وفقًا لقانون نيوتن الثالث للحركة المذكور أعلاه.

ففي كلا المحركين عندما يحدث الاحتراق داخل المحرك النفاث أو الوقود الصاروخي؛ ترتفع درجة حرارة الغازات وتتمدد لتندفع خارج فوهة المحرك للخلف فتنتج قوة رد فعل إلى الأمام تسبب دفع وتسارع المركبة، يحصل المحرك النفاث في الطائرات على العامل المؤكسد اللازم لعملية الاحتراق مباشرةً من الغلاف الجوي، أما الصاروخ فيكون مُزودًا بالعامل المؤكسد بداخله، لأنه يطير للفضاء حيث يتلاشى الغلاف الجوي، ولكن مبادئ عمل كلا المحركين واحدة.

تعمل محركات المكوك الفضائي، والمحرك فولكاين Vulcain الخاص بالصاروخ أريان-5 وغيرها من المحركات الصاروخية الأخرى باستخدام المياه في أن تكون كتلة التفاعل، ترتفع حرارة الماء داخل المحركات الصاروخية عند الإطلاق بفعل عملية احتراق الأكسجين بالهيدروجين ليصبح الماء في حالته الغازية.

تسبب الطاقة الحرارية الهائلة الناتجة من هذا الاحتراق تمدد الغاز المائي ثم اندفاعه من فوهة المحرك الصاروخي ليدفع الصاروخ إلى الأمام كما وضحنا بالأعلى، لكن لا تستخدم كل المحركات الصاروخية الماء، فحالة مادة كتلة التفاعل تعتمد على كيمياء المحرك.

ويوجد نوع آخر من الصواريخ وهي الصواريخ ذات الوقود الصلب، والتي استخدمت لمدة طويلة، وهي صواريخ تعمل بنفس الفكرة مع اختلاف مادة كتلة التفاعل وبالتالي اختلاف التفاعلات الكيميائية الخاصة بعملية الاحتراق، تستخدم هذه الأنواع من الصواريخ باعتبارها مُعززات إضافية للصاروخ أو المكوك الذي يعتمد على الوقود السائل لتساعد على إدخال المركبة في المدار.

إن الوقود الصلب عبارة عن مادة مؤكسدة مع الوقود في حالة صلبة وتأخذ شكل وعاء له تجويف، فيكون هذا التجويف هو غرفة الاحتراق للصاروخ، وعندما تبدأ عملية الاحتراق لا يمكن أن تتوقف أبدًا فتظل المحركات تعمل إلى أن ينفذ الوقود، ولا يمكن التحكم بهذه المحركات كما هو الحال في الوقود السائل، لذلك من الشائع استخدام تلك الصواريخ في تعزيز ودعم الصاروخ الأصلي فقط.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

أُطلق أول صاروخ عام 1926 بواسطة الفيزيائي وأستاذ هندسة الطيران والصواريخ الأمريكي روبرت غودارد Robert H. Goddard، وكان الصاروخ مُعتمدًا على الوقود السائل، وهو عبارة عن خليط من الأكسجين والغازولين، واستمر طيران هذا الصاروخ البدائي لمدة 2.5 ثانية ارتفع فيها إلى 12 مترًا تقريبًا.

تعتبر الفوهة من أهم الأجزاء الرئيسية أيضًا في محركات الصواريخ التي تساعد على إنتاج هذا الدفع الهائل، وذلك من خلال تطبيق قاعدة فوهة دي لافال نسبةً إلى مخترعها العالم السويدي غوستاف دي لافال Gustaf De Laval الذي ابتكرها على المحركات البخارية. فوهة دي لافال هي فوهة متقاربة متباعدة، أي يضيق تجويفها في البداية ليخنق مسار سريان الغاز الساخن، ثم يبدأ في الاتساع مرةً أخرى.

تعتمد فكرتها على خصائص سريان المائع في السرعات تحت الصوتية وفوق الصوتية، فعندما يمر الغاز الساخن بسرعات تحت صوتية خلال مسار ضيق عند نقطة الخنق بالفوهة ستزداد سرعته بشكل كبير لتصل إلى سرعة الصوت 1 ماخ في حالة تعرف باسم التدفق المخنوق، ثم بعد ذلك ستبدأ الفوهة بالاتساع ليتمدد الغاز بسرعة وستزداد سرعة اندفاعه بشكل كبير جدًا تصل لسرعات فوق صوتية وتوفر الدفع الصاروخي اللازم لإطلاق المركبة إلى الفضاء.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

تزداد سرعة التدفق من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر باتجاه السهم.

الفيزياء غير النيوتينية.

تعلمنا من النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين أن الكتلة والزمن والمسافة كلها متغيرات، وأن الثابت الوحيد هو سرعة الضوء، وعلمنا من النسبية العامة أن الجاذبية والتسارع متكافئتان –هذا يعني أن لكليهما تأثير متشابه، فالمراقب المستقر على سطح الأرض والخاضع للجاذبية الأرضية يشعر بنفس ما يشعر به المراقب داخل صاروخ في الفضاء يتسارع للأعلى بمقدار عجلة الجاذبية الأرضية– وأن الضوء ينبعج وينحني مساره بفعل الكتلة، والكتلة المتسارعة تولد موجات جاذبية تتحرك بسرعة الضوء.

تتحرك المركبات الفضائية بسرعات عالية جدًا مقارنةً بالسرعات المعهودة على الأرض، ولكن على الرغم من ارتفاع سرعاتها فهي لا تقترب حتى من أجزاء صغيرة من سرعة الضوء، لذلك تعمل قوانين فيزياء نيوتن بشكل مثالي على المركبات الفضائية في مجموعتنا الشمسية، ولكن تحتاج المركبة الفضائية لبعض الحسابات الخاضعة للنسبية الخاصة في أنظمة الملاحة الخاصة بها لتحديد موقعها بدقة في الفضاء، وعندما نتمكن من السفر عبر النجوم سنحتاج إلى مركبات تتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء أو تشكل جزءًا منها على الأقل وعندها سنعتمد على فيزياء أينشتاين غير النيوتينية لتحديد مسارات المركبة الفضائية.

التسارع في المدارات وقوانين كيبلر

يفسر قانون نيوتن الأول للحركة سبب بقاء الكواكب في مداراتها، ولكن ما يعجز عن تفسيره هو كيف تتحرك الكواكب في تلك المدارات شبه الدائرية بدلًا من الحركة الخطية، وعندما نتطرق للقانون الثاني سنجد أنه لتتحرك الكواكب في هذا المسار المنحني لابد من وجود قوة مؤثرة تنتج تسارعًا زاويًا باتجاه مركز المدار تعرف باسم قوة الجذب المركزي وهي مدعومة عن طريق قوى التجاذب المتبادلة من الشمس والكوكب.

قوانين كيبلر.

وضع كيبلر ثلاثة قوانين تفسر حركة الكواكب تعرف بقوانين كيبلر للحركة الكوكبية:

• القانون الأول: تدور الكواكب حول الشمس في مدار إهليجي على أن تقع الشمس في إحدى بؤرتي هذا المدار.

• القانون الثاني: الخط الواصل بين الكوكب والشمس يغطي مساحات متساوية خلال حركة الكوكب في فترات متساوية – أو- تختلف سرعة الكوكب في دورانه حول الشمس تبعًا لبعده عنها، فإن كان قريبًا، فإنه يدور بسرعة أكبر، وكلما زاد بعده قلت سرعته في الدوران، إذ تتساوى مساحة المثلثين المُشكلين ما بين الشمس وقوس المسافات المغطاة الناتج من موقعي الكوكب نتيجة لحركته خلال فترات زمنية متساوية.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

رسم توضيحي لقانون كيبلر الثاني.

حقوق الصورة: Eloise’s Astro201 class blog

رسم توضيحي آخر لقانون كيبلر الثاني.

• القانون الثالث: مربع الفترة المدارية للكوكب يتناسب طرديًا مع مكعب نصف المحور الرئيسي لمداره.

يحدد قانون كيبلر الأول الشكل الهندسي للمدار، الذي ينبغي أن يكون إهليلجيًا، أما القانون الثاني فكما هو موضح يحدد السرعات المدارية للكواكب، ويصف القانون الثالث علاقة الكتل التي تدور حول بعضها البعض مثل الأنظمة النجمية الثنائية، ويحدد أيضًا بعض المتغيرات المدارية الأخرى.

تدرج الجاذبية وقوى المد والجزر

تتناسب قوة الجاذبية تناسبًا عكسيًا مع مربع المسافة بين الجسمين، ولذلك عندما تدور مركبة حول الأرض تكون أجزاؤها المواجهة للأرض تحت قوة جاذبية أعلى من الأجزاء غير المواجهة للأرض، وهذا ما يعرف بتدرج الجاذبية والذي يساعد على ثبات توجه ووضع جسم المركبة الفضائية في المدار إذ تواجه المركبة أو القمر الصناعي الأرض بأجزائها الأعلى في الكتلة.

رسم توضيحي يبين استقرار القمر الصناعي في مداره بفعل تدرج الجاذبية.

ولكن في حالة الأجرام الكروية الضخمة عالية الكتلة مثل القمر، سيكون تأثير تدرج الجاذبية مختلفًا، وذلك لتساوي توزيع الكتلة على الشكل الكروي للقمر، فليس هناك جزء من القمر أعلى كتلة من الآخر، وستكون نتيجة تدرج الجاذبية الإبطاء من سرعة دوران القمر حول نفسه بحيث يظل الجزء المواجه للأرض من القمر مواجهًا لها دائمًا أثناء دورانه حولها.

وتؤثر جاذبية القمر على المحيطات والغلاف الجوي بالأرض أيضًا وتسبب حركتها وانبعاجها تجاه القمر بفعل قوى السحب الناتجة من جاذبيته وهذه الظاهرة تعرف بظاهرة المد والجزر، وتلك القوى المدية تؤثر أيضًا على الأجسام الصلبة الأخرى في حالة الكواكب التي تفتقر لوجود الغلاف المائي، أو على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض وتسبب تشوهًا في هيكلها وينتهي الأمر بهذا الإجهاد الميكانيكي إلى أن يتحول لطاقة حرارية.

آلية عمل المدارات حول الكواكب وإدخال المركبة الفضائية في مدار حول جرم سماوي

سنستعين ببعض الرسومات التوضيحية لنشرح الموضوع بشكل أبسط، وبالطبع هذه الصور مجرد رسومات افتراضية غير واقعية للتوضيح فقط. تبين الصور وجود جبل افتراضي عال جدًا بارتفاعات مدارية من سطح الأرض وعلى قمته يوجد مدفع للمقذوفات كما شرح اسحاق نيوتن.

في الحالة الأولى: سيتخذ المقذوف مسارًا باليستيًا – بشكل قطع مكافئ – عند إطلاق المدفع ثم يسقط على الأرض بعد مسافة قطعها من الجبل.

في الحالة الثانية: إذا أضفنا المزيد من البارود إلى المدفع، ستزيد سرعة المقذوف عند إطلاق المدفع، وسينطلق لمسافة أبعد من الحالة الأولى قبل أن يسقط على الأرض بنفس المعدل.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

في الحالة الثالثة: إذا أضفنا المزيد والمزيد من البارود لزيادة سرعة المقذوف بشكل كبير حتى يظل في الجو لمسافة بعيدة جدًا عن الجبل ولا يلمس الأرض مطلقًا، بالتالي سيظل المقذوف عالقًا في حالة من السقوط الحر بنفس المعدل في الحالتين السابقتين، ويمكننا أن نقول بعبارة أخرى إننا أدخلنا هذا المقذوف في مدار حول الأرض.

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها صناعة وتشغيل المركبة الفضائية وإدارة رحلات استكشاف الفضاء

مع دوران المقذوف بعيدًا عن موقع إطلاقه وهي أعلى نقطة في مداره، سينخفض ويقترب شيئًا فشيئًا من الأرض حتى يصل لأقرب نقطة وهي نقطة الحضيض، عندها تزداد سرعة المقذوف ويبدأ في الارتفاع مرةً أخرى حتى يصل لنقطة الأوج وبالتالي يظل الجسم محافظًا على وضعه المداري في المدار الإهليجي، وهكذا تعمل المركبات الفضائية فالمقذوف هنا هو المركبة والمدفع هو الصاروخ الذي يمدها بالسرعة والارتفاع، ولكن المركبات الفضائية فضلًا عن تلك المقذوفات تمتلك دوافع صاروخية صغيرة تمكنها من إجراء بعض التعديلات والمناورات داخل مدارها.

نرى في الصورة التوضيحية أعلاه، أن هناك نقطتين على المدار هما نقطة الأوج ونقطة الحضيض، تعتبر نقطة الأوج Apoapsis هي أعلى نقطة في المدار، والتي تكون المركبة عندها أبعد ما يمكن من سطح الأرض، ونقطة الحضيض Periapsis هي أسفل نقطة في المدار وعندها تكون المركبة أقرب ما يمكن من سطح الأرض، ويؤثر الارتفاع على سرعة دوران المركبة حول الأرض، والفترة الزمنية اللازمة لإتمام دورة كاملة في المدار تعرف بالفترة المدارية.

مبادئ الطيران في الفضاء.

تتبع رحلات الفضاء مجموعة من القواعد سواء كانت رحلات مدارية أو رحلات بين الكواكب التي تدور حول الشمس، لنعد إلى تلك الصور التوضيحية الثلاثة بالأعلى، ماذا لو أطلقنا المقذوف بقوة شديدة أكبر بكثير من القوة التي تدخله في المدار، بحيث يظل المقذوف مبتعدًا عن الأرض ولا يقترب منها وتتلاشى نقطة الحضيض؟

هذه ستكون سرعة الهروب من الجاذبية، إذًا كلما زادت الطاقة عند نقطة الأوج ارتفعت نقطة الحضيض حتى تتلاشى عند سرعة الهروب من الجاذبية، والعكس صحيح فكلما انخفضت الطاقة عند نقطة الأوج انخفض ارتفاع نقطة الحضيض إلى أن تكون نقطة الحضيض داخل الأرض ويؤدي هذا لمسار باليستي يسبب ارتطام المقذوف بالأرض بالنهاية كما رأينا بالصور التوضيحية.

وتُطبق هذه القاعدة عند أي نقطة على المدار، فعند زيادة الطاقة والسرعة عند نقطة ما؛ سيزداد ارتفاع المدار عند النقطة المقابلة، وإذا خفضنا السرعة أو الطاقة عند نقطة ما؛ سينخفض ارتفاع النقطة المقابلة، لذلك إذا أردنا أن نزيد ارتفاع أوج المدار سنزيد الطاقة والسرعة عند نقطة الحضيض.

هذه هي قواعد الطيران بالفضاء المعروفة بالميكانيكا المدارية، والمركبات الفضائية تملك دوافع صاروخية تمكنها من القيام بهذه المناورات المدارية، فعند تشغيل الدوافع لإنتاج قوة في نفس اتجاه حركة المركبة الفضائية سينتج عن ذلك تسارع إيجابي يزيد من سرعة المركبة، وعند تشغيلها في الاتجاه المعاكس لحركة المركبة، سينتج هذا تسارعًا سلبيًا يخفض من سرعة وطاقة المركبة.

ومن الممكن أيضًا استغلال الاحتكاك بالغلاف الجوي في الكواكب للإبطاء من سرعة المركبة وخفض طاقتها خلال بعض المناورات المدارية عن طريق إدخال المركبة الفضائية بحذر في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للكوكب وذلك لتوفير الوقود الصاروخي.

يجب أن يكون المدار أيضًا على ارتفاع كافٍ من سطح الكوكب بعيدًا عن الغلاف الجوي السميك الخاص به حتى لا يؤثر على سرعة المركبة المدارية، لذلك على الأرض مثلًا، يجب أن يرفع الصاروخ المركبة لارتفاع 150 كيلومترًا من سطحها على الأقل ويكسبها سرعة مدارية تصل لحوالي 30 ألف كيلومتر حتى تستقر المركبة الفضائية في مدارها دون الحاجة لأي قوة دفع صاروخية أخرى بخلاف الدوافع اللازمة لبعض التعديلات الطفيفة على المدار، وهذه هي القواعد المُتبعة لإدخال مركبة في مدار حول أي كوكب أو جرم سماوي باختلاف الأرقام من جرم لآخر.

ملحوظة هامة: استخدام مصطلح (انعدام الجاذبية) داخل المدارات غير دقيق تمامًا، فالجاذبية ليست منعدمة، مثلًا محطة الفضاء الدولية في حالة مستمرة من السقوط الحر بفعل الجاذبية، ولكن الشعور المعهود بها غير موجود بالنسبة لرواد الفضاء المقيمين هناك لأن قوة الجذب المركزي متزنة مع سرعة المحطة في المدار حتى تظل مستمرة في دورانها حول الأرض، لذلك تطفو الأجسام على متنها.

اقرأ أيضًا:

أعظم اللحظات في تاريخ الطيران- أول شركة طيران تجارية

قصة الأخوين رايت والطيران الأول

ترجمة: محمد شريف

تدقيق: عبد الرحمن بن خليفة

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر

العنوان:

التصنيف: فضاء
المصدر: