اعتُقد قبل ما يزيد عن عقدين بقليل ومع بدء الألفية الجديدة أن ما تركه أسلافنا البشر القدماء من آثار أقدام يعود تاريخها إلى 500 ألف عام نادرة جدًا. ولم يبلّغ إلا عن أربعة مواقع في أفريقيا كلها في ذلك الوقت. اثنان منهم كانا في شرق أفريقيا: لايتولي في تنزانيا وكوبي فورا في كينيا، بالإضافة إلى اثنين في جنوب أفريقيا: (ناهون ولانجيبان). ويُعد موقع ناهون الذي أبلغ عنه عام 1966، أول مسار لآثار أقدام البشر يكتشف في العالم.

اختلف الوضع جدًا في عام 2023. يبدو أننا لم نكن نبحث جيدًا أو كنا نبحث في الأماكن الخاطئة.

تبلغ الحصيلة الأفريقية المؤرخة لـ hominin ichnosite (وهو مصطلح يشمل مواقع آثار أقدام البشر والمسارات، وغيرها من الآثار الأخرى) التي يزيد عمرها عن 50 ألف سنة 14 أثرًا.

يمكن تقسيم هذه الآثار بسهولة إلى مجموعة شرق أفريقية (5 مواقع) ومجموعة جنوب أفريقية ممتدة من ساحل كيب (9 مواقع)، يوجد أيضًا عشرة مواقع متفرقة في أنحاء العالم بما فيها المملكة المتحدة وشبه الجزيرة العربية.

مع الأخذ بعين الاعتبار أنه عثر على عدد قليل نسبيًا من بقايا أشباه البشر الهيكلية على ساحل كيب، فإن آثار أقدام أسلافنا البشر في أثناء تجولهم هي طريقة مفيدة لاستكمال وتعزيز فهمنا لأشباه البشر القدامى في أفريقيا.

قدرنا في مقال نشرته مؤخرًا Ichnos (المجلة الدولية للآثار الحفرية) أعمار سبعة مواقع مؤرخين حديثًا حُدّدت في السنوات الخمس السابقة في الساحل الجنوبي لجنوب أفريقيا. تشكل هذه المواقع الآن جزءًا من “مجموعة جنوب أفريقيا” المؤلفة من 9 مواقع.

وجدنًا أيضًا أن المواقع تراوحت في العمر ويرجع عمر أحدثها إلى 71 ألف عام.

أما الأقدم الذي يعود عمره إلى 153 ألف عام هو أحد أكثر الاكتشافات المسجلة روعًة في هذه الدراسة: إنها أقدم آثار أقدام تُنسب إلى جنسنا البشري الإنسان العاقل حتى الآن.

تؤكد التواريخ الجديدة السجل الأثري. إضافًة إلى أدلة أخرى من المنطقة والفترة الزمنية مثل الأدوات الحجرية المتطورة والفن والمجوهرات وجمع المحار، وهو ما يؤكد أن الساحل الجنوبي كان موقعًا نجا فيه البشر الحديثون تشريحيًا، وتطور وازدهر قبل أن ينتشر خارج أفريقيا في غيرها من القارات.

مواقع مختلفة جدًا:

توجد الكثير من الاختلافات الهامة بين مجموعات مواقع آثار الأقدام بين شرق وجنوب أفريقيا. مواقع شرق أفريقيا: لاتيولي، الأقدم تعود إلى 3.66 مليون عام والأصغر تعود إلى 0.7 مليون عام.

لم تصنع المسارات بواسطة آثار أقدام الإنسان العاقل ولكن من قبل الأنواع السابقة مثل الأسترابوليثين، وإنسان هايدلبرغ وهوموإلكترس.

احتاج الجزء الأكبر من آثار الأقدام وخاصة شرق أفريقيا إلى حفر وكشف الأسطح بدقة وجهدٌ عظيمين.

أما مواقع جنوب أفريقيا على ساحل كيب كانت على النقيض من ذلك أقل عمرًا. وقد نسبت جميعها إلى الإنسان العاقل، ووجدت مسارات آثار الأقدام مكشوفة تمامًا في الصخور المعروفة باسم aeolianites، وهي تُعد النسخ الأسمنتية من الكثبان الرملية.

عادة ما يصرف النظر عن التنقيب فيها، بسبب تعرض المواقع للعناصر والطبيعة الخشنة نسبيًا للكثبان الرملية، فلا يتم الحفاظ عليها عادًة بشكل جيد مثل مواقع شرق أفريقيا. وهي أيضًا عرضة للتآكل، لذا يتحتم علينا العمل بسرعة لتسجيلها وتحليلها قبل أن تدمرها المحيطات والرياح.

في حين أن ذلك يحد من إمكانية الشرح التفصيلي إلا أنه يمكننا تأريخ الرواسب، وهنا يأتي دور التحفيز البصري.

أسلوب الإضاءة:

يتمثل التحدي الرئيسي عند دراسة سجل الباليو-المسارات أو الأحافير أو أي من الرواسب القديمة في تحديد عمر المواد. فمن الصعب من دونها تقييم الأهمية الكبرى للاكتشاف أو تفسير التغيرات المناخية التي خلقت السجل الجيولوجي. غالبًا ما تختار وسيلة التحفيز البصري عند صخور الكثبان الرملية aeolianite في ساحل كيب الجنوبي.

توضح طريقة التأريخ هذه كم مضى على تعرض حبة الرمل لأشعة الشمس بمعنى آخر كم من الوقت دفن هذا الجزء من الرواسب.

بالنظر إلى كيفية تشكّل آثار أقدام البشر القدماء محل هذه الدراسة -حفرت هذه الطبعات على رمال رطبة ثم دفنت برمال جديدة لاهبة- وهي طريقة جيدة لأنه يمكننا الوثوق إلى حد ما بأن ساعة التأريخ بدأت في ذات الوقت الذي نشأ به المسار.

يعد الساحل الجنوبي مكانًا رائعة لتطبيق التحفيز البصري، لعدة أسباب:

  •  الرواسب غنية بحبيبات الكوارتز التي تنتج الكثير من التحفيز البصري.
  •  أشعة الشمس الوفيرة.
  •  الشواطئ الواسعة.
  •  نقل الرمال بالرياح لتشكيل الكثبان الساحلية تعني محو أي تحفيز وجد سابقًا بالكامل قبل عملية الدفن المعنية بالبحث، ما يجعل تقديرات العمر والوقت موثوقة.

دعمت هذه الطريقة الكثير من عمليات التأريخ للاكتشافات السابقة في المنطقة.

النطاق الزمني الإجمالي للنتائج التي توصلنا إليها لمواقع آثار أقدام أشباه البشر ichnosites -نحو 153000 إلى 71000 سنة- تتوافق مع الأعمار في الدراسات المبلغ عنها سابقًا من رواسب جيولوجية مماثلة في المنطقة.

عُثر على مسار آثار أقدام البشر الذي يبلغ عمره 153 ألف عام في منتزه جاردن روت الوطنية غرب المدينة الساحلية كنيسنا على الساحل الجنوبي لكيب. وكان النطاق الزمني للموقعين المؤرخين سابقًا في جنوب أفريقيا (ناهون ولانجيبان) يبلغ نحو 124 ألفًا و117 ألفًا على التوالي.

فهم أعمق:

لم ينته بهد عمل فريق البحث الذي يتخذ من المركز الأفريقي لعلم الحفريات الساحلية في جامعة نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا مقرًا له.

نعتقد أن المزيد من مواقع آثار أقدام البشر hominin ichnosites لم تُكتشفبعد في الساحل الجنوبي. ويجب توسيع نطاق البحث ليشمل الرواسب القديمة في المنطقة التي تتراوح أعمارها من 400 ألف عام إلى أكثر من مليوني عام.

نتوقع بعد عقد من الآن أن تكون قائمة المواقع أطول بكثير مما هي عليه الآن وأن العلماء سيكونون قادرين على معرفة المزيد عن أسلافنا القدامى والأماكن الطبيعية التي استقروا بها.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن الميثولوجيا الفارسية

أسوأ إمبراطور في تاريخ الإمبراطورية الرومانية

ترجمة: نيفين الشلي

تدقيق: يوسف صلاح صابوني

المصدر