من الأحمر الداكن إلى الأزرق الساطع، تمتد ألوان النجوم عبر الطيف وتكشف كمية الحرارة التي يصدرها كل نجم.

يقول كاتب المقال فِل بليت: «ليس لديّ وقت مفضل لمراقبة النجوم، فكل فصل يجلب سحرًا فريدًا إلى السماء، ولكن لطالما كان هناك شيء فريد في فصل الصيف، حين تكون الأجواء أكثر اعتدالًا وتمتد مجرة درب التبانة في الأعلى حاملةً معها مجموعة مشرقة من النجوم. وبالفعل لديّ نجوم مفضلة أبحث عنها دائمًا بعد خروجي كنجم النسر (فيغا) العالي الذي يقع في كوكبة القيثارة، ونجم السِّماك الرَّامح (أركتوروس) في كوكبة العواء، ونجم قلب العقرب (أنتاريس) في كوكبة العقرب».

يضيف: «سبب انتقائي لهذه النجوم أنها من بين ألمع النجوم في السماء، ما يسهل عليّ توجيه نفسي نحو السماء من فوقي. وتلمع هذه النجوم بألوان رائعة من الأزرق والبرتقالي والأحمر على التوالي. وتظهر أعداد قليلة من النجوم بأيّ لون على الإطلاق وغالبيتها العظمى بيضاء. وعندما تنظر إلى السماء، فقد تتساءل لماذا بعضها ملوَّن والآخر ليس كذلك؟».

يقول الكاتب إنه من مُحبيّ اقتباسات وليام شكسبير في مثل هذه الأوقات في مسرحيته «يوليوس قيصر»، إذ يقول قيصر: «إن السموات مرصعةٌ بما لا يُحصَى من النجوم المتلألئة، كلها من النار، وكلها تسطع». كان الشاعر المحترم على دراية بشيء ما وهو أن لون النجم في الواقع هو في الغالب مسألة تتعلق بمدى حرارته «ناره»، على الرغم من أن النجم يحصل على هذه الحرارة بالاندماج النووي الحراري في نواته وليس بحرق أي شيء فعليًا.

لاحظ الفلكيون قبل آلاف السنين ألوان النجوم، ومنذ العصور الحديدية على الأقل، لم يكن هناك فارق كبير في ربط تلك الألوان بدرجات الحرارة. فإذا أخذ شخص ما شريطًا حديديًا ووضعه في الفرن، سيصبح الشريط بعد بضع دقائق ساخنًا بما فيه الكفاية ليتوهج باللون الأحمر. فمع زيادة درجة حرارته، سيصبح برتقاليًا، ثم أصفر، ثم ساخنًا باللون الأبيض (في هذه النقطة يذوب الحديد، وهو ما ينهي المساعدة البصرية). وافترض بعض الفلكيين القدماء أن النجوم تتصرف بالطريقة نفسها (ربما من دون الجزء الذي يتعلق بالانصهار).

تتوهج النجوم بهذه الطريقة على الرغم من أن الواقع يكون أكثر تعقيدًا بكثير. وبدأ الفلكيون في القرن التاسع عشر بأخذ طيف النجوم، وجهزوا المقارب مع مواشير أو شبكات -وهي ألواح زجاجية مسطحة نُقِشَت بخطوط رفيعة جدًا- لتفتيت ضوء النجم الوارد إلى نطاقات ضيقة جدًا من الألوان كقوس المطر المنفصل بعناية. وجعل رسم سطوع طيف النجم قياسَ الألوان أكثر دقةً بكثير مما يمكن القيام به بالعين المجردة.

حاول الفلكيون تصنيف النجوم وفقًا لشكل تلك الرسوم الطيفية النجمية وهيكلها، ولكن تبين أنها مهمة صعبة للغاية. وفي نهاية المطاف، بسَّط عمل فلكيين مثل (آني جمب كانون) النظام، ما فتح الباب أمام الآخرين ليدركوا أن هذه السمات كانت ناتجة إلى حد كبير عن درجة حرارة النجم. هذه السمات نفسها هي التي أدت بالفلكية سيسيليا هيلينا باين إلى تحديد أن النجوم مكونة من الهيدروجين والهيليوم. ووضع هذا الاكتشاف الضخم الأسس لعلم الفلك النجمي الحديث.

هذا هو السبب أيضًا في أن نظام التصنيف الحديث لدينا يُصَنِّف النجوم من الأسخن إلى الأبرد باستخدام الحروف O، B، A، F، G، K، M، L، T، Y(جُزِّأ النظام الأبجدي الأصلي وأُعيد ترتيبه، وتلقى منذ ذلك الحين تعديلات إضافية. لقد أضاف الفلكيون الحروف الثلاثة الأخيرة لتعيين النجوم باردة وخافتة حتى اكتسبنا قدرة اكتشافها فقط مؤخرًا جدًا).

الآن دعونا نعود إلى نجوم الكاتب المفضلة في فصل الصيف؛ فيغا، وأركتوروس، وأنتاريس. فيغا هو نجم من النوع A باللون الأزرق الأبيض، وأركتوروس هو نجم من النوع K باللون البرتقالي، وأنتاريس هو نجم من النوع M باللون الأحمر. وعلى مر العقود، عدّل الفلكيون هذا النظام التصنيفي ليتضمن معلومات أكثر بكثير. ومع ذلك، فقد بقي الإدراك الأساسي لهذا النظام سليمًا؛ النجوم جميعها ساخنة، ولكن درجات حرارتها المختلفة تعطيها ألوانًا مختلفة.

لكن كم هي ساخنة؟ تُعد النجوم M الأبرد بدرجات حرارة تتراوح بين 2100-3400 درجة مئوية، وتتراوح درجة حرارة النجوم K بين 3400-4900 درجة مئوية، والنجوم G -هذا النوع الذي يضم شمسنا- تتراوح درجة حرارتها بين 4900-5700 درجة مئوية. وقد تصبح النجوم أكثر سخونةً، فالنجوم الضخمة والساخنة من النوع O قد تصل حرارتها إلى 100 ألف درجة مئوية!

عندما نقول «حمراء ساخنة»، فإننا نفكر في أن الشيء يغلي فعلًا. ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بالنجوم، فهي أبرد مما قد تكون عليه. وعلى الرغم من ذلك، اعتاد الفلكيون مثل هذه التطرفات، وتعكس لغتنا مدى تهاوننا في بعض الأمور؛ إذ نستخدم كلمات مثل ساخن وبارد لوصف النجوم.

لذا عندما يخرج شخص ما ويتأمل النجوم الآن، يمكن ملاحظة ألوانها والحصول على فكرة جيدة عن مدى سخونتها، وهذا إذا كان يستطيع رؤية ألوانها في المقام الأول؛ إذ إن معظمها يبدو بلون أبيض.

ليست هذه مشكلة في النجوم وإنما في أعيننا، واستمر قيصر في مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» قائلًا: «هكذا شأنُ الأرض، إنها حافلةٌ بالرجال، والرجال من لحم ودم».

توجد أنواع مختلفة من الخلايا في شبكية العين، فالعصيُّ مثلًا حساسة للضوء وتُفعّل حتى عند مستويات منخفضة جدًا من الإنارة. أما المخاريط فهي تكتشف الألوان، ومع ذلك يلزم المزيد من الضوء لتفعيلها. ونستطيع بأعيننا المجردة رؤية النجوم الأكثر سطوعًا بتفعيل المخاريط، وهذا هو السبب في أن النجوم الأقل سطوعًا تبدو بيضاء، أي عديمة اللون. ويُعد سطوعها كافيًا لتفعيل العصيّ، ولكن ليس كافيًا لإدراك ألوانها الحقيقية الجوهرية.

أضعف نجم رآه الكاتب بوضوح من حيث اللون هو نجم فومالهوت، وهو نجم من الدرجة الأولى في كوكبة الحوت الجنوبي ويكاد يبدو أزرق. على الرغم من أن نجم قلب الأسد الموجود في كوكبة الأسد أقل سطوعًا بقليل ولونه أزرق حسب تصنيفه الطيفي، فإنه يبدو أبيض دائمًا بالعين المجردة. ويُعد النجم بولوكس -أحد النجوم اللامعة المميزة على رأس كوكبة الجوزاء- أكثر سطوعًا من نجم فومالهوت ولكن بلون برتقالي، لكن يبدو أيضًا بلون أبيض بالعين المجردة. ويعتمد اللون الذي تراه أيضًا على جودة النظر وظروف الطقس وأمور أُخرى، وقد يختلف ذلك من شخص إلى آخر.

يساعد استخدام وسائل بصرية كثيرًا كالعدسات أو المقارب لأنها تجمع كميات أكثر من الضوء مما قد تجمعه عيناك، ما يحوّل بعض النجوم الأكثر سطوعًا التي تبدو باللون الأبيض بالعين المجردة إلى تشكيلة زاهية الألوان من الجواهر السماوية. وإذا بدا مثلًا نجم فيغا (الذي يكاد يكون فوق معظم المراقبين مباشرةً في نصف الكرة الشمالي بعد غروب الشمس في أغسطس) باهتًا بالعين المجردة، يمكن إلقاء نظرة عليه بالعدسات البصرية، فقد يظهر بلون أزرق جميل ومشرق.

ماذا عن ألمع نجم في سماء الأرض بأكملها؟ عند درجة حرارة 5500 درجة مئوية، فما لون شمسنا؟

اقرأ أيضًا:

التقاط إشارات لاسلكية من نجم يحتضر يُثير التساؤلات مجددًا حول انفجارات السوبرنوفا وموت النجوم

بقايا النجوم الميتة تصطف بطريقة غامضة في مركز مجرتنا

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: هاجر القفراشي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر