إن مدى سهولة انزلاق المياه على طبق متسخ يعتمد على مدى استواء سطح الطبق وخشونته، ولكن بالمقياس النانوي يمكن أن يتعرض الماء للاحتكاك حتى على الأسطح الناعمة. أظهرت تجارب أنابيب الكربون النانوية أنه كلما كانت هذه الأنابيب أضيق قل احتكاك المياه بداخلها وكان التدفق أسرع.

نشر علماء الفيزياء من معهد فلاتيرون في نيويورك والمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية دراسة في فبراير -توضح ملاحظتهم عن ميكانيكا الكم- إن سطح جدران الأنابيب النانوية ليس مهمًا بقدر أهمية الإلكترونات الموجودة بداخله، وتؤدي هذه الرؤية إلى تحسينات في تطبيقات الأنابيب النانوية المعززة مثل: تنقية المياه.

يقول الفيزيائي ليديريك بوكيه عن دراستهم الجديدة: «إنه منذ عشرين عامًا كانت هناك تجربة لتدفق المياه عبر غشاء مصنوع من أنابيب الكربون النانوية والنتيجة هي التدفق السريع للمياه».

بدؤوا قياس تدفق المياه داخل أنبوب نانوي واحد وظهرت النتيجة نفسها، وبعد فشل الأساليب النظرية الشائعة في تفسيرها، لجأ بوكيه إلى الفيزيائي والزميل في معهد فلاتيرون نيكيتا كافوكين لمساعدته في تفسير التجربة الغريبة.

يقول كافوكين: «إن هناك عنصرًا مفقودًا، وربما يحتاجون إلى تضمين بعض التأثيرات الكمية، لكن ليس لديهم فكرة عن المدى الذي سيقطعونه في ذلك، وللعثور على الإجابة التي طال انتظارها يجب عليهم الخوض فيما وراء المقياس النانوي».

طوّر الفريق معادلات تصف تفاعلات الإلكترونات داخل جزيئات الماء وذرات الكربون على حد سواء، بدلًا من مجرد التفكير في كيفية احتكاك جزيئات الماء بذرة الكربون، ووفق هذه الرؤية يتحول جدار أنبوب الكربون النانوي من سطح أملس وثابت إلى سطح ديناميكي تتجمع فيه الإلكترونات التي يمكن أن تلتوي عند الاضطراب.

سمح هذا المنظور المختلف بتحديد الباحثين الإلكترونات سببًا رئيسيًا للاحتكاك بين أنابيب الكربون النانوية والمياه.

تحتوي جزيئات الماء على شحنات مختلفة قليلاً في أطرافها، لذلك عندما تتدفق على طول جدران الأنابيب النانوية، تستجيب الإلكترونات الموجودة داخل تلك الجدران لدفع الجزيئات من خلال تحركها جميعًا بشكل متزامن. بالتالي ما يزال الاحتكاك يحدث حتى داخل أنبوب نانوي أملس حيث ترقص الإلكترونات بانسجام، وفي الأنابيب النانوية الضيقة يوجد عدد أقل من ذرات الكربون وبالتالي عدد أقل من الإلكترونات التي تجعل المياه احتك أكثر، وفي الأنابيب الأوسع نطاقًا، يمكن أن تنضم المزيد من الإلكترونات إلى رقص جماعي يؤثر في تدفق المياه بصعوبة أكبر.

دُرس هذا الاحتكاك الكمي الإلكتروني سابقًا على الأسطح المعدنية. يقول وينجي دو الفيزيائي بجامعة ويستليك في الصين الذي لم يشارك في هذه الدراسة: «إن حساب الشكل الدقيق للاحتكاك الإلكتروني صعب دائمًا، وإن العديد من التقديرات والحسابات الرياضية تفشل في هذه الحالة».

وأوضحت الكيميائية ماري لوري بوكيه المشاركة في الدراسة، أن الهجمات الحسابية لا تساعد كثيرًا في هذه المشكلة، وأن التقنيات الحديثة المتطورة ليست كافية لشرح التجربة.

يوضّح كريستوف شران الكيميائي في جامعة كامبريدج والذي لم يشارك في الدراسة، إنه تكمن بعض الصعوبة في عدد التفاعلات الكمية المختلفة التي يجب تتبعها لنمذجة التأثير، حتى أقوى جهاز كمبيوتر وأكثر البرامج ذكاءً لا يمكنها محاكاة كيفية تفاعل كل جزيء ماء مع كل جزيء ماء آخر، وكيفية تفاعل كل إلكترون مع كل إلكترون آخر، وكيفية تفاعل جميع جزيئات الماء بشكل جماعي مع جميع الإلكترونات، وللتعامل مع هذه الصعوبات يجب استخدام طرق رياضية معقّدة غير نموذجية للسوائل.

فيما يخص هذه الدراسة وآثارها التي تُعد تقدّمًا في الفيزياء النظرية، يقول جيفري سوكولوف الفيزيائي في جامعة نورث إيسترن إنه حريص على رؤية المزيد من التجارب التي تستكشف أساسيات الاحتكاك الكمي كما هو مفصل في هذه الدراسة النظرية، فعلى سبيل المثال يمكن أن يساعد فهم تدفقات المياه داخل الأنابيب النانوية في تحسين عملية تحلية المياه لأن تلك الأنابيب ذات الاحتكاك المنخفض طريقة جيدة في ذلك.

يوافق شران على ذلك بقوله موضّحًا إن آلية الاحتكاك الجديدة مثيرة للاهتمام، لكن القياس المرجعي الكمي مفقود. على سبيل المثال يمكن أن يقطع قياس تغير الاحتكاك عند تفاعل المياه مع طبقة مفردة أو عدة طبقات من ذرات الكربون شوطًا طويلًا من التحقق بشكل كامل من صحة النظرية التي تتنبأ بأن عددًا أكبر من الإلكترونات في الكربون متعدد الطبقات سيعزز الاحتكاك.

يأمل فريق الدراسة في نهاية المطاف أن يختبروا نظريتهم باستخدام سوائل متدفقة غير الماء والأنابيب النانوية المكونة من عناصر أخرى إلى جانب الكربون، ليأخذ أنماط تفاعل مختلفة ما يؤدي إلى تغييرات في درجة الاحتكاك الكمي، ويمكن أن نتحكم في مقدار الاحتكاك ببناء أنابيب نانوية بناءً على سلوك الإلكترون.

تمهد هذه الدراسة الجديدة الطريق لسنوات من الاستكشاف المعقد من قبل علماء الفيزياء التجريبية والنظرية على حد سواء، ووفقًا لكافوكين تشير أيضًا إلى تحول أساسي في الطريقة التي يجب أن يفكر بها الفيزيائيون بشأن الاحتكاك.

يقول: «اعتقد الفيزيائيون أن الأمر مختلف في المقياس النانوي، لكن هذا الاختلاف لم يكن واضحًا جدًا لإيجاده، كانوا يحلمون ببعض السلوك الكمومي في هذه المقاييس والآن أظهرنا كيف يحدث ذلك».

اقرأ أيضًا:

تقنية جديدة لتحليل المياه بدقة وسرعة

علماء ينجحون في صنع أكثر تشكيلات أنابيب الكربون النانوية كثافة حتى الآن

ترجمة: تسنيم فندقلي

تدقيق: محمد سمير

المصدر